د.عدنان عويّد – الحوارنيوز خاص
في المفهوم:
الإرهاب لغة:
تشتق كلمة «إرهاب» من الفعل المزيد (أرهَبَ)؛ ويقال أرهب فلانًا: أي خوَّفه وفزَّعه، وهو المعنى نفسه الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ). أما الفعل المجرد من المادة نفسها وهو (رَهِبَ)، يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْبًا ورَهَبًا فيعني خاف، فيقال: رَهِبَ الشيء رهبًا ورهبة أي خافه. وكذلك يستعمل الفعل ترَهَّبَ بمعنى توعد إذا كان متعديًا فيقال ترهب فلانًا: أي توعده وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه.
وأن لهذه الكلمة معانٍ مقبولة في العقيدة الإسلامية حيث تُشير إلى تخويف الأعداء استنادًا إلى النص القرآني «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».. الأنفال :60
الارهاب مجازاً:
هو سلوك يلجأ إليه بعضهم أفرداً أو جماعات أو أحزاباً، أو تنظيمات سياسية او ميليشيات، لتحقيق أهداف مادية أو معنوية خارج القانون أو المنطق.
إشكالية المفهوم:
إن كلمة الإرهاب بحد ذاتها هي كلمة مثيرة للجدل, ولها معانٍ متعددة ومختلفة في دلالاتها، ما بين إرهاب ثقافي وآخر ديني أو سياسي أو ايديولوجي.. الخ..
ويؤكد مفكرون وباحثون كثر أن تاريخ العمل الإرهابي يعود إلى ثقافة الإنسان المشبعة بحب السيطرة وزجر الناس وتخويفهم بُغْيَةَ الحصول على المبتغى بشكل يتعارض مع القيم الاجتماعيّة الدارجة والقانونيّة. لذلك يمكن القول: إن الحكم الإرهابي هو نوع من الحكم على الآخر، تمارسه حكومات أو جماعات سياسية او طائفية أو أفراد. والارهاب بالتالي، هو رعب تحدثه أعمال عنف، كالقتل والتدمير والإفزاع والطغيان والعدوان والغصب والنهب والسلب والتخريب والاعتداء على حدود الآخرين نفسيّاً وجسديّاً وأخلاقيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، لإقامة سلطة أو تقويض أخرى.
تحديد معنى الارهاب دولياً:
إن من يتابع المؤتمرات الدوليّة التي دارت محاضر أعمالها عن الإرهاب، يجد أن الجهود الدوليّة فشلت حتى الآن في الوصول إلى تحديد معنى دقيق ومشترك لحقيقة الإرهاب، وإلى الأسباب التي تؤدي إلى ممارسته، وبالتالي الوصول إلى تنسيق أو اتفاق دوليّ فاعل لاقتلاعه واجتثاث جذوره.
كما ترى كثرة من المفكرين والسياسيين أوقادة الدول، أن مفهوم الإ رهاب في عالم اليوم أصبح وجهة نظر، على اعتبار أن هناك عددًا من الدول الكبرى تتعامل معه بمعايير مزدوجة انطلاقًا من مصالحها أو وفق استراتيجياتها الوطنيّة او الدوليّة. حتى أن هناك من يتهم بعض الدول برعايتها للإرهاب وتمويله وتدريب عناصره، ثم استخدامه للوصول الى أهداف سياسية واقتصادية, أو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في مجتمعات ودول أخرى لتغيير أنظمة الحكم المعادية لها, وتمكين أنظمة جديدة موالية من الوصول الى الحكم بدلاً عنها.
أنواع الإرهاب:
إرهاب الدولة:
هو الارهاب الذي تمارسه حكومة ما من الحكومات، في أي دولة استبداديّة أو شمولية من دول العالم ضد مكوناتها الاجتماعيّة والسياسيّة، رغبة في الحفاظ على مصالح ماديّة أو معنويّة أو كليهما معاً للقوى الحاكمة بعيداً عن مصالح الشعب العامة. هذا ويتمثل إرهاب الدولة في تفرد القوى الحاكمة بالسلطة، واضطهاد وقمع وإضعاف المكونات الاجتماعيّة والسياسيّة والدينيّة والعرقيّة الأخرى داخل الدولة، واستخدام كل الوسائل المتاحة لها ماديّاً ومعنويّاً لـ (تخويف) المواطنين أو (تجهيلهم)، وإبعاد تفكيرهم عما يجري من قبل القوى الحاكمة داخل بنية الدولة.
وإرهاب الدولة يتجلى عملياً في استخدم القوى العسكريّة والأمنيّة في محاصرة وقمع المعارض، واستخدام الإعلام في تزييف الحقائق وقلبها, والاعتماد على المنتفعين والانتهازيين في قيادة الدولة والمجتمع، ونشر الفساد بكل أشكاله في دوائر الدولة ومؤسساتها، ومحاربة الفكر العقلاني التنويري ونشر الفكر الظلامي الاستسلامي الغيبي الديني عن طريق مؤسسات دينيّة ورجال دين نخرهم الفساد في الأصل وحولوا الدين إلى تجارة.
هذا ويعتبر إرهاب الدولة من أكثر أشكال الإرهاب خطورةً، كونه يولد بذاته الإرهاب المضاد عند من مورس عليهم إرهاب الدولة، وخاصة عند القوى السياسيّة والعرقية والدينية والطائفية التي مورس عليها فعل الاقصاء السياسي، أو القوى الاجتماعيّة التي مُورس عليها التجهيل عبر الخطاب الديني الغيبي الامتثالي، على اعتبار الغيبيّة ستؤدي إلى الفاشيّة، وهذا ما لمسناه في إرهاب داعش الفاشي وغيرها من القوى الأصوليّة التي مارست الإرهاب في السنوات الأخيرة على مستوى الداخل والخارج معاً. ومن إرهاب الدولة بشكل خاص تتفرع أشكال مختلفة للإرهاب يمكن الاشارة إلى بعضها هنا مثل:
الإرهاب السياسي:
وهو الارهاب الذي يمارس من قبل الدولة تجاه قوى سياسيّة لها توجهات ترمي إلى تغيير النظام القائم بنظام آخر له توجهاته الدينيّة أو الوضعيّة المحددة، ويقابله بالضرورة إرهاب سياسي آخر له توجهات أيديولوجية مختلفة عن توجهات الدولة، من قبل القوى المعارضة للنظام القائم الذي يُمارس ضدها إرهاب الدولة،
الارهاب الأيديولوجي:
وهو إرهاب تمثله قوى اجتماعيّة تحمل رؤى أيديولوجيّة ذات توجهات دينيّة أو وضعيّة، قوميّة كانت أو يساريّة, بغية إضعاف أنظمة القوى الحاكمة واجبارها على تحقيق تنازلات لخدمتها. ويعتبر الارهاب الأيديولوجي ذو التوجهات الدينّة من أخطر أشكال أو أنواع هذا الارهاب، كونه يُمارس العنف بطريقة لا تميز بين القوى الحاكمة والشعب، وغالباً ما يُمارس ضد الشعب ذاته لاعتقاد حوامله الاجتماعيين أن كل من يخضع لنظام القوى السياسية الحاكمة هو موالٍ لها، وهذا ما لمسناه في ممارسات تنظيم داعش والقوى الأصولية التي تنهج نهجه.
الارهاب الثقافي أو الفكري:
وغالباً ما تقوم به القوى المتحكمة في الدولة وسياساتها من خلال قمع أي نشاط فكري أو معرفي يعمل ضد توجهاتها الفكرية، دينية كانت أو وضعية. ويتم هذا الإرهاب من خلال إغلاق الصحف ووسائل الإعلام المعارضة لسياسة الدولة، أو عدم السماح لها بالظهور داخل الدولة.
الإرهاب الاقتصادي:
وهو شكل من أشكال الارهاب الذي تمارسه الدولة أو معارضي نظامها. فالدولة تسعى إلى تطبيق نظام اقتصادي محدد يخدم في المحصلة قوى اجتماعية محددة، وهذا ما يؤدي إلى قمع أي توجهات اقتصادية لا تصب في توجهات نظام الدولة الاقتصادي. والمعارضة تقوم بدورها كردود فعل بمحاربة توجهات الدولة الاقتصاديّة من خلال محاولات إفشالها داخل مؤسسات الدولة الاقتصادية ذاتها والتشهير بها، أو عبر قوى اقتصاديّة وسياسيّة عالميّة، كالسياسات التي مورست ضد الأنظمة الاشتراكية من قبل القوى الرأسمالية العالمية، أو قوى الثورة المضادة داخل الدولة ذاتها.
*كاتب وباحث من سورية
زر الذهاب إلى الأعلى