الحوار نيوز – حرب غزة
كتب حلمي موسى من غزة:
دعا زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر، في أعنف انتقاد لنتنياهو وسياسته، إلى إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل. وأثارت هذه الدعوة ردود فعل غاضبة داخل إسرائيل من جانب أوساط الليكود واليمين عموما، والذين رأوا في هذه الدعوة تدخلا سافرا في الداخل الإسرائيلي. وقد جاءت هذه الدعوة بعد انتقادات أمريكية عديدة أهمها تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن نتنياهو صار يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها.
وتتسم دعوة شومر بأهمية كبيرة كونه واحدا من أبرز الداعمين تاريخيا لإسرائيل، وهو اليهودي الأرفع شأنا في الكونغرس الأمريكي. وهذا ما جعل للدعوة وما يقف خلفها من انتقادات معنى مختلفا، كونها لا تصدر عن مصدر حكومي، وإنما عن جهة برلمانية تمثل قطاعا واسعا من الشعب الأمريكي، ما يتعارض جوهريا مع ادعاء نتنياهو بأن سياسة إسرائيل التي ينتهجها تحظى بأوسع دعم في الشارع الأمريكي. وهذا ما دفع كثيرين لاعتبار خطاب شومر نوعا من هزة ارضية شديدة اصابت العلاقات الامريكية الاسرائيلية في سابقة ليس لها مثيل في العقود الماضية.
وعلى خلفية تزايد الضغوط الأميركية على إسرائيل في الحرب على غزة، قال زعيم الأغلبية الديمقراطية إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو “ضل طريقه”، ودعا إلى إجراء انتخابات في إسرائيل. وقال شومر في كلمة ألقاها أمام مجلس الشيوخ أمس (الخميس)، إن “نتنياهو ضل طريقه عندما سمح لبقائه السياسي بأن يكون له الأولوية على مصالح إسرائيل”.
ويعتبر خطاب شومر أحدث التحذيرات الأمريكية الهادفة إلى الضغط على إسرائيل وحكومة نتنياهو للسماح بمزيد من المساعدات الإنسانية لغزة وإعادة التفكير في سياساتها. وقال شومر: “في هذا الوقت الحرج، أعتقد أن الانتخابات الجديدة هي السبيل الوحيد لتسهيل عملية صنع قرارات صحية ومفتوحة في ما يتعلق بمستقبل إسرائيل، في الوقت الذي فقد فيه الكثير من الإسرائيليين الثقة في رؤيتهم واتجاههم”.
وأضاف شومر إنه لا يعتقد أن نتنياهو مؤهل لقيادة إسرائيل نحو إنهاء القتال، لأنه يبدو أنه يرفض فكرة الدولة الفلسطينية. وأضاف: “لا أحد يتوقع من نتنياهو أن يفعل الأشياء التي يجب القيام بها لكسر دائرة العنف، والحفاظ على مصداقية إسرائيل على المسرح العالمي، والعمل من أجل حل الدولتين”، ودعا إلى إجراء مفاوضات بشأن ” دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب إسرائيل”. ورأى أنه “إذا ظل الائتلاف الحالي لرئيس الوزراء نتنياهو في السلطة بعد أن تبدأ الحرب في الانحسار، واستمر في اتباع سياسات خطيرة وتحريضية تضع المعايير الأميركية الحالية للمساعدة أمام اختبار، فلن يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى لعب دور أكثر فاعلية في صياغة السياسة الإسرائيلية باستخدام نفوذنا لتغيير المسار الحالي”.
وتعكس أقوال شومر ما يمكن اعتباره ضغوطًا داخل الحزب الديمقراطي لموقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، مؤكدًا على الحاجة لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات إلى غزة لتحقيق سلام دائم. كما لا يمكن قراءة خطاب شومر بمعزل عن دعوة أطلقت خلال هذا الأسبوع من ثمانية من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين للرئيس بايدن، إلى عدم تقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل. واتهم الشيوخ الثمانية حكومة نتنياهو بانتهاك القانون الأمريكي من خلال عرقلة الجهود الرامية إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وجاءت هذه الدعوة في رسالة بادر إليها السيناتور بيرني ساندرز ، وانضم إليها السيناتوران جيف ماركلي وكريس فان هولين وآخرون. وجاء في الرسالة: إن “الكارثة الإنسانية الخطيرة التي تتكشف في غزة تكاد تكون غير مسبوقة في التاريخ الحديث” عبر “تدخل حكومة نتنياهو في الأنشطة الإنسانية ومنع المساعدات الممولة من الولايات المتحدة من الوصول إلى المستفيدين المستهدفين بطريقة آمنة وفي الوقت المناسب”.
وبحسب رسالة أعضاء مجلس الشيوخ الثمانية، فإن سلوك الحكومة الإسرائيلية يعد انتهاكا لقانون المساعدات الإنسانية الذي ينص على أنه لا يجوز تقديم مساعدات عسكرية لدولة “تعلم حكومتنا أن حكومتها تمنع أو تقيد بشكل مباشر أو غير مباشر، مرور أو وصول المساعدات الإنسانية الأمريكية”.
وكان رد الفعل الإسرائيلي على دعوة شومر حادا على وجه الخصوص ما يشير إلى أثر هذه الدعوة. فقد رد حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، بأن “إسرائيل ليست جمهورية موز، وهي ديمقراطية مستقلة وفخورة انتخبت رئيس حكومتها نتنياهو الذي يقود سياسة حازمة تدعمها الغالبية العظمى من الشعب. وعلى عكس ما قاله شومر، فإن الجمهور الإسرائيلي “يؤيد النصر الكامل على حماس، ويرفض أي إملاءات دولية لإقامة دولة فلسطينية إرهابية، ويعارض عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. ومن المتوقع أن يحترم السيناتور المحافظ حكومة إسرائيل المنتخبة ولا يقوضها. وهذا صحيح دائما، بل وخصوصا في أوقات الحرب”.
ونشر رئيس حزب الصهيونية الدينية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ردا حادا على كلام تشاك شومر: “نتوقع من أكبر ديمقراطية في العالم أن تحترم الديمقراطية الإسرائيلية”. أما رئيس الكنيست أمير أوحانا فقال: “خلال رحلتي السياسية الأخيرة إلى الولايات المتحدة، كنت حريصًا جدًا على عدم التورط في السياسة الأمريكية الداخلية. يجب الحفاظ على التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة “فوق الحزبية”. نحن نعمل مع أي جهة كانت. فالشعب الأميركي يختار، ونتوقع معاملة مماثلة. وأضاف: “لقد كان السيناتور شومر صديقًا وداعمًا لإسرائيل لسنوات عديدة. وقد شهدت ذلك في اجتماعنا الأخير في مجلس الشيوخ. لكن كلماته الليلة تتناقض مع الاحترام المتبادل الذي يجب أن يحدد العلاقة بين البلدين”.
وهاجم رئيس منتدى العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، عضو الكنيست أوهاد تال (الصهيونية الدينية) فقال: في الديمقراطية، ينتخب المواطنون حكومتهم وليس أعضاء البرلمان من بلدان أخرى. إذا كنت لا تحب الحكومة في إسرائيل، فنحن نرحب بك للقدوم إلى إسرائيل والتصويت في الانتخابات، وحتى ذلك الحين يجب ألا تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى”.
وأعلن سفير إسرائيل في واشنطن مايك هرتسوغ أن “إسرائيل دولة ديمقراطية ذات سيادة. والأمر الأكثر ضرراً هو أن يتحدثوا علناً، أثناء الحرب ضد منظمة حماس الإرهابية القاتلة، عن السياسة الداخلية لحليف ديمقراطي. إنه يضر بمصالح أهدافنا المشتركة”.
وقال رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت : “بغض النظر عن موقفنا السياسي، فإننا نعارض بشدة التدخل السياسي الخارجي في شؤون إسرائيل الداخلية. نحن أمة مستقلة، ولسنا جمهورية موز. إن خطر الإرهاب في طريقه إلى الغرب، إنه أمر لا مفر منه. سيكون من الجيد أن يساعدوا إسرائيل في حربها العادلة، وبالتالي حماية أنفسهم أيضًا”.
وكتب عضو مجلس الحرب بيني غانتس: “إن الولايات المتحدة وإسرائيل تتقاسمان القيم والمصالح المشتركة، ومواطنو إسرائيل وقيادتها ممتنون للغاية لوقوف الولايات المتحدة إلى جانب دولة إسرائيل في لحظاتها الصعبة والمعقدة. زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، صديق لإسرائيل، ويساعدها كثيراً أيضاً هذه الأيام، لكنه كان مخطئاً في تصريحه. إسرائيل دولة ديمقراطية قوية، ومواطنوها فقط هم من يحددون قيادتها ومستقبلها. والتدخل الخارجي في الأمر خاطئ وغير مقبول”.
أما زعيم المعارضة يائير لابيد فقال: “خطاب السيناتور تشاك شومر هو دليل على أن نتنياهو يخسر أكبر مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة واحدا تلو الآخر. والأسوأ من ذلك – أنه يفعل ذلك عن قصد. نتنياهو يسبب أضرارا جسيمة للجهد الوطني لكسب الحرب والحفاظ على أمن إسرائيل”.
ورأى عضو الكنيست الحاخام جلعاد كاريب أن “الكلمات الحادة لزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر – أبرز يهودي أمريكي في السياسة في واشنطن – هي لبنة أخرى أسقطت في جدار العلاقات الإستراتيجية مع الحكومة الأمريكية. نتنياهو وسموترتش وبن جفير يعرضون دولة إسرائيل للخطر. نقطة. نهاية النقاش. ولا تستطيع إسرائيل التعامل مع القوة الإيرانية وحدها. إن تعميق الخلافات مع الحكومة الأمريكية يشكل ضررا كبيرا للأمن القومي. وهذا وحده ينبغي أن ينهي ولاية الحكومة الحالية.”
ولم تقتصر ردود الفعل على خطاب شومر على الإسرائيليين بل تخطتهم إلى الأمريكيين أنفسهم، إذ أصدر المجلس اليهودي الجمهوري إدانة شديدة لتصريحات شومر. وقال مات بروكس، الرئيس التنفيذي للمجلس، إن “شومر غرس سكينًا في ظهر إسرائيل. وبينما تواصل إسرائيل كفاحها العادل للدفاع عن نفسها ضد الإرهابيين الهمجيين، طعن أقوى عضو ديمقراطي في الكونجرس الدولة اليهودية في ظهرها”. وأضاف “لقد تجاوز السيناتور شومر خطًا أحمر حقيقيًا. إنه لأمر شائن وغير مقبول، التدخل في السياسة الداخلية لإسرائيل، ومطالبة حليف ديمقراطي بإجراء انتخابات وفقًا لجدولنا الزمني، خاصة عندما تناضل الدولة اليهودية من أجل بقائها ذاته. وغالبًا ما وصف نفسه بأنه شخص يُعرف باسم “شومر”، أو حارس الشعب اليهودي – فلا شك أن كلماته اليوم كانت عارًا”.
كما أن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل قال إن دعوة شومر لإجراء انتخابات جديدة في إسرائيل “غريبة” و”غير مسبوقة”. أما السفير السابق لدى إسرائيل ديفيد فريدمان فقال : أنا ببساطة أشعر بالاشمئزاز من هذا الخطاب. يقود زعيم إسرائيل المنتخب ديمقراطياً أمته في الدفاع عن عدو همجي، ويتبنى استراتيجية ناجحة يدعمها شعب إسرائيل على نطاق واسع، ويدفع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ علناً من أجل تغيير النظام في منتصف الحرب! يجب أن يخجل. الأمر كله يتعلق بالسياسة”.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض: “لقد أبلغنا شومر مسبقا بأنه ينوي إلقاء خطاب حول موضوع إسرائيل. ولم يطلب الإذن ولم نبد رأيا في الموضوع. وله الحق في التعبير عن رأيه”.
في كل حال من المهم معرفة أن شومر واحد من أقدم وأشد مؤيدي إسرائيل في السياسة الأمريكية. وهو أول يهودي يشغل منصب زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ. كان معروفًا أيضًا بدفاعه عن إسرائيل – بدءًا من تبرير الضغط على غزة، إلى إقرار تشريع يجرم مقاطعة إسرائيل وينتهي بتشريع نقل السفارة إلى القدس . ربما كانت دعوته أمس لإجراء انتخابات في إسرائيل والانتقادات اللاذعة لنتنياهو صدمت النظام السياسي في إسرائيل، لكن شومر كان معروفا في الواقع بأنه شخص دافع عن إسرائيل ضد الجناح التقدمي في حزبه. وفي عام 2019، قال إنه “من الممكن أن تكون يهوديًا تمامًا، ومؤيدًا تمامًا لإسرائيل، وأمريكيًا تمامًا في نفس الوقت”، وكان ذلك ردًا على الانتقادات اللاذعة التي وجهتها إلهان عمر، النائبة الأمريكية المسلمة، ضد مؤيدي إسرائيل في الحزب الديمقراطي. وفي وقت سابق، في عام 2015، انتقد إدارة أوباما والاتفاق النووي الموقع مع إيران. وقال في ذلك الوقت: “سياسة أوباما غير المفيدة ضد إسرائيل يجب أن تتوقف”.