كتب حلمي موسى من غزة :
تعرف الإدارة الأمريكية قبل غيرها أن العائق الأساسي أمام التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، هو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وعدد من أعضاء حكومته. ويكشف أحد أهم المراسلين ومقدمي البرامج في التلفزيون الإسرائيلي رفيف دروكر، النقاب عن أن نتنياهو يعرف أن كل الوزراء في كابينت الحرب يؤيدون صفقة باريس 2 ، وأنه يخترع شروطا جديدة في محاولة لإبقاء ائتلافه الحكومي الحالي. وربما لهذا السبب، وأسباب أخرى، تعرض الإدارة الأمريكية مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي لوقف النار ضمن اشتراطات.
وكتب المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن “الادارة الامريكية تبذل قبل بداية شهر رمضان في بداية الاسبوع المقبل، جهودا أخيرة من اجل التوصل الى صفقة تبادل ووقف لاطلاق النار بين اسرائيل وحماس في قطاع غزة. وقد ألقى الرئيس الامريكي جو بايدن الكرة في ملعب حماس، إذ قال للمراسلين “إن اسرائيل ردت ايجابيا على الخطة التي اقترحتها الولايات المتحدة ومصر وقطر، وأن الصفقة مرهونة الآن باعطاء جواب ايجابي من قبل حماس. في الايام القريبة القادمة سنعرف”. هكذا قدر الرئيس رغم أن الصفقة يمكن أن تعقد حتى بعد بداية شهر رمضان، وقد حذر من تطور “وضع خطير جدا” اذا استمر القتال في القطاع خلال هذا الشهر”.
وأضاف هارئيل أنه عندما يتحدث بايدن عن حماس فهو يقصد بالاساس رئيس حماس في القطاع يحيى السنوار… وأنه “في الفترة الاخيرة، على خلفية المواقف المتصلبة لحماس في المفاوضات، والابطاء في تسليم الرد، ثارت شكوك في جهاز الامن بأن السنوار قد غير طبيعته. وحسب احد التقديرات اصبح يهتم أقل الآن بالصفقة، وهو يحاول الدفع قدما بالذات بعملية بديلة، تصعيد اقليمي في بداية شهر رمضان….وأنه في ظل الخصائص الدينية لشهر رمضان ربما أن السنوار يأمل في اطلاق جهود اخرى تشعل النار في القدس وفي الضفة الغربية، وربما التظاهرات الكبيرة في الدول العربية. هذا يبدو مثل المقامرة الكبيرة استمرارا لرهان قيادة حماس في القطاع عندما انطلقت لتنفيذ المذبحة في تشرين الاول”.
واعتبر هارئيل أن ” الكارثة الانسانية المتزايدة في القطاع تتطلب المزيد من اهتمام القيادة الامنية في اسرائيل، إذ يبدو أن عددا من القادة الكبار يعتبرون ذلك مشكلة لمنسق اعمال الحكومة في المناطق، وهؤلاء يريدون فقط عدم ازعاجهم في مواصلة الحرب. في المستوى السياسي هناك من يتفاخر بصور الدمار والمعاناة في القطاع ويعتبرونها عقابا مناسبا على المذبحة. هذا ليس فقط رد اشكالي من ناحية اخلاقية، بل هنا يوجد ايضا قصر نظر استراتيجي.”
أما رفيف دروكر فكتب أيضا في “هآرتس” أن الجميع، بمن فيهم الجيش، خصوصا في الشهر الأخير يقرون بأن الحرب كأنها “تراوح في مكانها”. واعتبر أن “السبب يتعلق بالخطة الاصلية التي قدمها الجيش الاسرائيلي وصادق عليها الكابينت: عملية برية لمدة سنة على ثلاث مراحل. في المرحلة الثالثة، المرحلة الحالية، تم تخصيص حجم من القوة لا يمكنها العمل أكثر مما تقوم به الآن. العملية في خانيونس مستمرة منذ ثلاثة اشهر. ومن دون الاستخفاف بالانجازات فان حصار بيروت استمر لشهرين. في الفترة الاخيرة الاحباط في الميدان هو احباط كبير. نحن عالقون. لا يوجد ما يكفي من القوات للبدء في النشاطات في المعسكرات الوسطى، وبالتأكيد في رفح. ايضا لا توجد صفقة تبادل تفرض وقف اطلاق النار. وقد أخطأ بني غانتس وغادي ايزنكوت عندما قاما بتأييد خطة عسكرية لا نهاية لها. هذه الخطة غير معدة لدولة عصرية، غربية، تريد اعادة سكانها الى روتين الحياة. هذه خطة وتيرتها مناسبة اكثر لحماس، ورئيس حكومة يهتم بحرب لا نهاية لها”.
ولاحظ دروكر أنه ” تجري الآن معركة سياسية داخلية على صفقة التبادل. التسريبات تتحدث عن التشدد في مواقف حماس. يحيى السنوار، الذي قبل لحظة قالوا بأنه يحتاج الى الصفقة قبل شهر رمضان، فجأة اصبح يريد حربا في شهر رمضان. التسريبات يبدو أنها ترتكز الى معلومات استخبارية من مصادر المعلومات الممتازة التي تعرف دائما كيف تفسر نوايا السنوار. شخص ما هنا يقوم باعداد الرأي العام هنا لرفض الصفقة”.
ورأى أن “الحقيقة مختلفة قليلا. فحماس تنازلت عن طلبها المتشدد جدا، الذي اعاق المفاوضات في الاشهر الثلاثة الاخيرة، وهو أن الصفقة ستبدأ بتعهد اسرائيل بوقف القتال والانسحاب من القطاع. صحيح أنه الى جانب التنازل عن هذا الطلب، حماس تريد مقابلا لكل واحد من مكونات خطة باريس، ليس 10 سجناء فلسطينيين مقابل كل مخطوف، بل نسبة اكبر، ربما 20 أو أكثر. ليس 15 سجينا (ثقيل الوزن)، بل أكثر بكثير. ليس انسحاب الجيش الاسرائيلي من مراكز المدن فقط، بل انسحاب اوسع. ليس فقط عودة النساء والاطفال والشيوخ الى شمال القطاع، بل عودة الرجال ايضا.”
وكتب أنه رغم أن طلبات حماس صعبة في نظر إسرائيل إلا أنها أقل بكثير مما دفعته إسرائيل في صفقة شاليط عندما كان الأمر يتعلق بجندي واحد وليس بأربعين إسرائيليا بينهم خمس مجندات. وخلص إلى أن “بنيامين نتنياهو يدرك أي وضع سيجد نفسه فيه اذا كان هذا هو ملخص النقاشات في القاهرة. هو يعرف أن جميع وزراء كابينت الحرب متفقون على هذا الامر، حتى يوآف غالنت العسكري ورون ديرمر المخلص. هم ايضا يفكرون مثل آريه درعي وغانتس وايزنكوت أننا بحاجة الى الصفقة. ايضا في الجيش الاسرائيلي يريدون الصفقة وبحاجة الى هدنة. لكن هذه الصفقة ستفشل مهمة نتنياهو الاكثر اهمية، وهي بقاء الائتلاف الذي في عضويته بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير. ربما لهذا السبب نتنياهو فجأة يقوم باختراع شروط جديدة، مثل الحصول على اسماء المخطوفين الذين هم على قيد الحياة قبل أي صفقة. في هذه الاثناء هذا الشرط يوجد فقط في وسائل الاعلام. لم يطلبه أي أحد وبحق. هل هذه هي طريقة نتنياهو للحفاظ على الائتلاف حتى لحظة الحقيقة، وفي نهاية المطاف الموافقة على الصفقة؟.”
من جهة أخرى قالت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أمس الأربعاء، إنّ الوسطاء اقترحوا هدنة قصيرة لعدة أيام في غزة، كخطوة لبناء الثقة والتوصل لاتفاق أطول. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة ومصر وقطر اقترحت هدنة إنسانية قصيرة تستمر لبضعة أيام مع تعثر المفاوضات في القاهرة، وفي ظل تمسك حماس وإسرائيل بمواقفهما، ويأمل الوسطاء أن تؤدي الهدنة القصيرة إلى كسب المزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق، وإلى إثبات جدية كل طرف بشأن التوصل إلى هدنة إنسانية أطول. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي قوله إن “هناك الكثير من الانتقادات وانعدام الثقة تجاه نتنياهو، جراء عدم التزامه بالضمانات السابقة التي قدمها للإدارة”.
غير أن التطور الهام يوم أمس تمثل في عرض أمريكا مشروعا لقرار وقف نار في مجلس الأمن بعد أن أفشلت باستخدام الفيتو ثلاث محاوات سابقة وقف النار. وكما يبدو لم يثر مشروع القرار الأمريكي أي ردود فعل إسرائيلية مميزة رغم أنه يدعو إلى “وقف فوري لإطلاق النار” واستمرار الهدنة نحو ستة أسابيع، إلى جانب إطلاق سراح جميع المختطفين”.
ورغم أن صيغة مشروع القرار الأمريكي متداولة منذ أسبوعين إلا أنها أدخلت عليه تعديلات ثلاث مرات. ويتوافق التعديل الأخير الآن مع دعوات كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية لوقف إطلاق النار، بما في ذلك نائبة الرئيس كامالا هاريس ، وذلك بعد أن كانت النسخة الأصلية تتحدث عن “هدنة” أو “وقف إطلاق النار مؤقت”.
ولاحظت “يديعوت” أن تغيير الصياغة يأتي على خلفية حملة أميركية داخلية من جانب الإدارة لرغبتها في أن يُنظر إليها على أنها مرتبطة بدعم وتعزيز وقف إطلاق النار. وقال مسؤولون في إسرائيل إنهم لا يعتبرون ذلك “تطورا مثيرا للقلق أو تآكلا للموقف الأمريكي”. كما قالت المصادر إنه من المتوقع أن تستخدم روسيا حق النقض (الفيتو) ضد الاقتراح الأمريكي في جميع الأحوال، بسبب إدانة حماس. وبحسب المصادر فإن الأميركيين «سئموا» من تعريفهم بحق النقض، ويواجهون اتهامات بأنهم «يعرقلون ويمنعون «منتجاً» لمجلس الأمن».