بقلم د.عماد عكوش – الحوار نيوز
مع بداية تدخل اليمن في حرب طوفان الاقصى كان واضحا لجهة حصر معركته مع الكيان الإسرائيلي، وأرسل العديد من الرسائل لكل جيرانه وخاصة في الدول العربية وطلب منهم عدم التعرض للمسيّرات والصواريخ البالستية المتوجهة لضرب الكيان الإسرائيلي، لكن يبدو ان الضغوط الاميركية كانت اكبر من أرادة هذه الدول، فلم تستطع مواجهة هذه الضغوط وتصدت لهذه المسيّرات والصواريخ وقامت بإسقاط الكثير منها قبل ان تصل الى الكيان لتكون باب غوث لفلسطينيي القطاع مما يلحق بهم من أذى ودمار ومجازر .
وعندما طور اليمن موقفه وأعلن ان البحر الاحمر محرم على الكيان، سواء لناحية سفنه أو أي سفينة يمكن ان تحمل بضائع او شحنات على كافة أنواعها لتمويل حربه على القطاع ، أيضا يبدو ان هذا الموقف لم يعجب الكثيرين من العرب ،لكن هذه المرة وخوفا من الدخول في صراع عسكري مع اليمن تجنبوا الرد وفضلوا السكوت تاركين للولايات المتحدة معالجة هذا الواقع الجديد، فكان تحرك الولايات المتحدة لناحية تشكيل قوة ردع في البحر الاحمر والتي رفضت الكثير من الدول الغربية والعربية المشاركة فيها تجنبا للسقوط في فخ النزاع الذي يمكن ان يضرب خططها الاقتصادية والسياسية لدولها ،ولا سيما المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة .
هذا التطور في تحرك اليمن دفع بشركات الشحن الاساسية الى تعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر. وأبرز هذه الشركات ،ثلاث تصنّف على أنها أكبر شركات شحن الحاويات عالميا، وهي: “إم إس سي”، وميرسك، إلى جانب “سي إم آي – سي جي إم”، فضلا عن شركة بريتش بتروليوم للنفط والغاز.
لقد دفعت هذه الشركات من خلال مواقفها الى محاولة تدويل الازمة رغم ان موقف اليمن كان واضحا، وهو عدم التعرض لكل السفن باستثناء السفن الاسرائيلية او تلك التي تحمل بضائع للموانئ الاسرائيلية . وكانت هذه محاولة من الدول الغربية لتوسيع التأثير ضد اليمن والتخفيف عن إسرائيل، ويبدو أن ضغط الشركات الكبرى على الحكومات الغربية من خلال تعليق حركة الملاحة بالبحر الأحمر جاء بإيعاز من الإدارة الأميركية.
ما يؤكد هذا الكلام وهذا التحليل ان هذه الشركات بدأت تتراجع عن موقفها بعد ان لاحظت ان موقفها هذا لم يحقق الهدف الذي كانت ترجوه، لذلك وبعد ايام من قرارها السابق توالت الاعلانات لشركات الشحن العالمية عن عودتها إلى مسارها البحري في البحر الأحمر وقناة السويس . وكانت البداية بإعلان شركة Maersk الدنمركية يوم الأحد أنها تستعد لاستئناف الملاحة عبر البحر الأحمر وخليج عدن . ولم ترد شركة Maersk بعد على طلبات للتعليق يوم الثلاثاء بشأن موعد عودة سفنها إلى طريق قناة السويس .
ومساء الثلاثاء، قالت شركة الشحن البحري الفرنسية CMA CGM إنها تعتزم زيادة عدد سفنها التي تعبر قناة السويس تدريجيا. وأضافت في بيان: “عبرت بعض السفن البحر الأحمر. ويستند هذا القرار إلى تقييم متعمق للمشهد الأمني والتزاما” بأمن وسلامة البحارة لدينا”.وأضافت الشركة الفرنسية: “نضع حاليا خططا للزيادة التدريجية في عدد السفن التي تعبر قناة السويس. نراقب الوضع باستمرار، ومستعدون لإعادة تقييم خططنا وتعديلها على الفور حسب الحاجة”.أما Hapag Lloyd الألمانية، فقد أوضحت يوم الثلاثاء أنها ستقرر يوم الأربعاء ما إذا كانت ستستأنف عمليات الشحن عبر البحر الأحمر.وقال المتحدث باسم Hapag Lloyd يوم الثلاثاء: “سنقرر الأربعاء كيف سنمضي قدما”، رافضا الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
لقد كان لسعي الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي من عشر دول هي بريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا والبحرين وهولندا والنرويج وسيشل وإسبانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، وسط أحاديث عن مشاركة دول أخرى تفضل عدم إعلان اسمها ، لحماية الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر كما يدعون ، الكثير من التساؤل حول المستفيد من ذلك .
هذا التحالف يسعى الى تحقيق فائدة لإسرائيل التي تستورد أكثر من 70 بالمئة من استهلاكها من الأسواق الدولية . يضاف الى ذلك ، أن مرور السفن المختصة في نقل الطاقة ، عبر طريق رأس الرجاء الصالح جنوب دولة جنوب أفريقيا ، يسبب أزمات في بعض الموانئ المستقبلة للطاقة ، إلى جانب نقص السفن ، وستضاف إلى اضطرابات سابقة في أوروبا ناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية ، هذا الامر سيعزز من دور صادرات الطاقة الاميركية سواء لجهة النفط او الغاز المسال والتي أصبحت الولايات المتحدة الاميركية هذا العام المنتج الاول لهذه المواد ،وبالتالي من مصلحتها ارتفاع كلفة بضائع المنافسين لها في الاسواق العالمية لتحقيق مزيد من الارباح لمصلحة شركاتها الوطنية .
ان استمرار سعي الولايات المتحدة الاميركية الى تدويل أزمة البحر الاحمر وباب المندب أصبح مصلحة أميركية واضحة ،وفي حال استفحال الازمة وحصول نزاع في البحر الاحمر تكون الولايات المتحدة حققت بذلك هدفها الاقتصادي، وحرمت دولا أخرى عائدات كبيرة ولا سيما مصر والتي ترى في مضيق باب المندب أهمية استراتيجية لها، والسبب أن المضيق هو البوابة الوحيدة لقناة السويس، وأي تأثيرات تطال المضيق، ستكون تداعياتها داخل مصر.
وتعد إيرادات قناة السويس، إحدى أبرز مداخيل النقد الأجنبي لمصر، والتي تتجاوز سنويا حاجز 9 مليارات دولار، وسط تعويل الحكومة على زيادة الملاحة عبر القناة مع التوسع في مشاريع تطوير الممر المائي المصري. أما المتضرر الثاني فهو الاتحاد الاوروبي مجددا ، وكما كان الخاسر الاكبر في معركة اوكرانيا والتي دفع ثمنها أضعافا في الطاقة والتسليح والدعم نتيجة لخسارته الغاز الروسي الرخيص وشرائه من الولايات المتحدة الاميركية باضعاف ، اليوم سيدفع الثمن مجددا بارتفاع كلفة الشحن والتأمين والمستفيد الاكبر كالعادة الولايات المتحدة الاميركية .