الأزمة الحكومية:عندما توضع العربة أمام الحصان ..
لعلها من المرات النادرة في تاريخ لبنان ،توضع العربة أمام الحصان في أزمة تشكيل الحكومة.بمعنى التفاهم المسبق على شكل الحكومة وطبيعتها قبل إجراء الاستشارات الملزمة لاختيار الرئيس المكلف.
ربما تقتضي ظروف المرحلة مثل هذا الخيار ،خاصة وأن تجارب تأليف الحكومات السابقة كانت مضنية في هذا المجال ،ولا تحتمل الظروف الحالية للبلد الاسترسال والاسترخاء في تأليف الحكومة.
ليست الخيارات كثيرة أمام الطبقة السياسية لجهة تحديد ماهية الحكومة المقبلة،ولا مجال للترف هذه المرة في إضاعة الوقت أو النوم على حرير ما قبل السابع عشر من تشرين الأول ،وما رافق ذلك الزمان من غنج ودلال وفيتوات وعقبات كانت حكومات تصريف الأعمال خلالها "تأخذ راحتها الكاملة".
ثمة خياران لا ثالث لهما في وقت تقف الانتفاضة الشعبية(أو بعضها) على سلاحها ،متأهبة للعودة الى الشوارع والساحات:
إما حكومة تكنوقراط من الاختصاصيين تضع البلاد على طريق الإنقاذ الحقيقي ،أو حكومة تكنوسياسية مطعمة لا تقتل الذئب ولا تفني الغنم.ومع ذلك ثمة إشكالات تواجه الحكومتين المفترضتين لخروج احداهما الى النور.
في الخيار الأول تبرز مشكلة رئاسة الحكومة ،إذ ليس منطقيا أن تكون الحكومة من خارج الطقم السياسي برئيس يرأس حزبا سياسيا وكتلة نيابية،في إشارة الى الرئيس سعد الحريري أو شخصية مماثلة.فالحكومة إما أن تكون تكنوقراط بالكامل أو لا تكون ،والطائفة السنية تزخر بشخصيات من خارج الطقم السياسي .الا أن هذا الخيار يتطلب أولا تسليما كاملا من الرئيس الحريري والطائفة السنية بتجاوزالرجل الأقوى فيها ،ويتطلب ثانيا تفاهما كاملا من الكتل النيابية التي يتشكل منها البرلمان ، ويستدعي ثالثا تفويضا يحصن هذه الحكومة في مواجهة رياح الخلافات السياسية ويفسح المجال أمامها من دون عراقيل أو عقبات.
أمام هذه المعطيات يبدو الخيار الثاني أكثر منطقية ومقبولية لدى الطاقم السياسي ،بحيث يرأس سعد الحريري حكومة تكنوسياسية ،تتعاون في ما بينها لانتشال البلد من الانهيار ،وتحظى بثقة نيابية جامعة ،أو شبه جامعة ، فتعمل على تنفيذ الورقة الإصلاحية ،وتعدل بعض بنودها التي تستوجب التعديل .إلا أن مثل هذه الحكومة لا يفترض أن توضع أمامها فيتوات على أي من أعضائها من جهة،ومن جهة ثانية عليها أن تحظى بثقة الشارع الملتهب قبل ثقة البرلمان.
على أن هذين الخيارين يفترض ربطهما بمهلة زمنية لا تتعدى السنة . فالحكومة العتيدة أيا كانت طبيعتها،يجب أن يكون برنامجها مقتصرا على بندين : الأول تنفيذ الورقة الإصلاحية ،والثاني انجاز قانون انتخابي جديد تجري على أساسه انتخابات نيابية مبكرة في خريف العام المقبل .وبمثل هذا الربط الزمني يمكن تفادي هياج الشارع الذي رفع سقف مطالبه الى حد المستحيل.ولكن بين الممكن والمستحيل شعرة واحدة.
يبقى أن الأسبوع المقبل سيبلور بالتأكيد وجهة السير..والله المستعان!