كتب د.أحمد عياش:
تحكمك العجلة،تخاف ان تهبط الطائرة قبل وصولك قاعة الاستقبال. تعرف ان ابنك لن يضيع، الا انك تخشى عليه ان ينظر إلى المستقبلين دون أن يجد من ينتظره.
تُسرع في قيادة السيارة ،في ركنها،تهرول قبل أن يداهمك الوقت.
توتر زوجتك يوترك اكثر.
كأن العائلة في استنفار قبل حرب.
الا ان لا حرب هنا.
قلق الانتظار أسوأ من لحظة وقوع الحرب.
تنظر إلى لوحة هبوط واقلاع الطائرات، تبحث عن الطائرة الآتية من ديترويت،تعود لتنتبه ان الطائرة حطت في اسطنبول.
تبحث عن رحلة اسطنبول.
تبحث عن مكان لك بين جمهرة من الناس ينتظرون مثلك..هذا يحمل ورداً،ذاك يحمل اشواقا، والواصلون يخرجون من خلف الجدار افواجاً افواجا.
تسأل الحامل حقيبته والعابر من امامك عن الطائرة التي أتى بها. تعرف ان ركاب طائرة اسطنبول لم يخرجوا بعد.
تنظر إلى الجدار الذي يخرج من خلفه عارضو ازياء السفر.
ترى وجه ابنك في كل الوجوه.
تدقق عن بُعد وعن قُرب بأجسام وأشكال الناس،تستغرب كيف صار الجميع يشبهون ابنك .
أين ابنك؟
هل اوقفه الأمن العام؟
هل ضاعت حقيبته؟
كل أبناء المنتظرين وصلوا الا ابنك.
تزغرد امرأة من خلفك،يتسلل طفل من تحت الحاجز الممنوع تجاوزه ليركض باتجاه أب يحمل هدية.
الشرطة هنا لا تستطيع فرض القوانين على أطفال.
واين ابنك؟
ترى زوجتك تركض نحو شاب لتحضنه قبل أن تتوقف فجأة بعدما انتبهت في اللحظة الاخيرة ان الشاب ليس ابنها.
يبدو أنها ترى ابنها في كل الواصلين.
كل الوافدين هنا يرون في كل الواصلين سمات أبنائهم.
قلق الانتظار عذاب لطيف لأنك تعرف إن للانتظار نهاية وشيكة.
وتتسمّر في مكانك بانتباه شديد كي لا تفوتك لحظة اطلالة ابنك.
لماذا الاطلالة الأولى تهمّك؟
لا تعرف..
لماذا تريد اول المشاهدين لوصول ابنك؟
لا تعرف..
ثمّة من يربت بيده على كتفك الأيسر،تلتفت يساراً لترى ولترى ابنك البكر يخبرك ان ابنك الاصغر المسافر قد وصل و صار في السيارة بانتظارك وان الجميع يبحث عنّك.
ولماذا يبحثون؟
كيف عبر؟
من أين مرّ؟
لم تره!
واقف كالاحمق في المكان الخطأ…
وصل كل المسافرين ورأى الاهل جميعا اطلالة آبائهم وامهاتهم وبناتهم وأبنائهم واخوتهم إلا انت،لم تستمتع بإطلالة ابنك من خلف الجدار.
دائما تكون في المكان الخطأ.
وضاع العمر ونحن ننتظر في المكان الخطأ…
“…الحمدلله عالسلامة يا جاي من السفر…وحشاني الابتسامة،وجهك ويا القمر…”😛.