
د. خضر ياسين – الحوارنيوز

أثارت تصريحات رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياھو بتاريخ ٢٠٢٥/١٢/٢٦ بشأن الإعتراف بأقليم أرض الصومال التابع لجمھورية الصومال، كدولة مستقلة كاملة السيادة، ردود فعل دولية شاجبة، بالإضافة إلى بروز ھذا التصرف كمسألة قانونية تستدعي التطرق إليھا إنطلاقآ من قواعد القانون الدولي، باعتبار أن الكيان الإسرائيلي ھو الجھة الوحيدة التي أقدمت على ھذا الإعتراف، الذي يرتبط بشكل مباشر وأساسي بمبادئ ھامة تحكم النظام القانوني الدولي المعاصر، ونقصد بھا: مبدأ السلامة الأقليمية- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول- الإلتزام بعدم الاعتراف بالأوضاع غير المشروعة.
لذلك سنوضّح مدى تعارض تصريحات نتنياھو مع قواعد القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وھل يتوافق إنفصال إقليم “أرض الصومال” مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرھا؟
إن مسألة الإعتراف بالدول خاضعة لقيود وضوابط قانونية دولية تھدف إلى حماية الإستقرار الدولي ومنع تفكك الدول القائمة. ففيما يخص مبدأ السلامة الأقليمية للدولة، يعتبر ھذا المبدأ من القواعد الأساسية في ميثاق الأمم المتحدة، حيث تحظّر المادة الثانية من الميثاق استخدام القوة او التھديد بھا ضد السلامة الأقليمية او الاستقلال السياسي لأي دولة. وھنا نذكر أن إعلان إنفصال أرض الصومال الصادر عام ١٩٩١ لم يحصل في إطار دستوري وطني معترف به، أي لم يكن وفقآ لأحكام الدستور الصومالي، فلم يتم بموافقة الحكومة المركزية والجماعة الدولية، وبالتالي فإن الإعتراف الإسرائيلي بكيان (أرض الصومال) كدولة مستقلة يشكّل إضفاء للمشروعية من قبل العدو الإسرائيلي على انتھاك واضح لوحدة أرض الصومال، ما يجعل من الإعتراف الإسرائيلي مناقضآ ومخالفآ لمبدأ السلامة الأقليمية لدولة الصومال.
الموضوع الثاني يتعلق بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والإعتراف الإسرائيلي بكيان أرض الصومال يشكل خرقآ واضحآ لھذا المبدأ، لأن ھذا الإعتراف ھو عبارة عن تصرف سياسي وقانوني وله تأثيرات مباشرة في ما يخص موازين الشرعية الداخلية حيث يقوّض السلطة المركزية للحكومة الصومالية، ويدعم كيانآ إنفصاليا في نزاع او شأن داخلي، وھذا ما يجعل الإعتراف تدخلآ غير مشروع في الشؤون الداخلية الصومالية ويتعارض مع التزامات الكيان الاسرائيلي بميثاق الأمم المتحدة. فمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول لا يقتصر فقط على منع التدخل العسكري المباشر، بل يشمل منع دعم الجماعات المسلحة او الجماعات السياسية وتمويلھا أو تمكينھا ومساعدتھا على تقويض وإخلال النظام الدستوري القائم.
وفي ھذا السياق أكد إعلان مبادئ العلاقات الودية بين الدول لعام ١٩٧٠ أن تشجيع ومساعدة ودعم الحركات الإنفصالية داخل دولة ما يعتبر تدخلآ غير مشروع. ونذكر ھنا حالة قبرص حيث تم الإعلان عن كيان انفصالي في شمال قبرص عام ١٩٨٣ نتيجة تدخل عسكري خارجي، ونشأ في ھذا الكيان مؤسسات وسلطة أمر واقع، إلاّ أن ھذا الكيان بقي خارج الشرعية الدولية الدولية بعدما اعتبر مجلس الأمن في القرارين ٥٤١ و ٥٥٠ أن إعلان الإنفصال باطل قانونيآ.
الموضوع الثالث يتعلق بمدى تعارض الإعتراف الإسرائيلي مع الإلتزام الدولي بعدم الإعتراف بالأوضاع غير المشروعة دوليآ. لقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيھا الاستشاري بشأن ناميبيا عام ١٩٧١ على مبدأ عدم الاعتراف بالأوضاع غير المشروعة دوليآ، كذلك كرست ھذا المبدأ لجنة القانون الدولي في مشروعھا حول مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليآ لعام ٢٠٠١ في المادة ٤١، التي نصت على امتناع الدول عن الاعتراف بأي وضع نشأ نتيجة انتھاك جسيم لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي. وبالتالي نذكر ھنا أن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي يرفضان الاعتراف ب ( أرض الصومال) تجنبآ لخلق سابقة إنفصالية تھدد استقرار القارة الأفريقية والنظام الدولي، وھذا يدل على أن أي اعتراف إنفرادي كالإعتراف الإسرائيلي يبقى تصرفا منفردا لا يترتب عليه أي أثر قانوني دولي.
بعد تحديد كيفية انتھاك إعلان نتنياھو لأحكام القانون الدولي، يُطرح تساؤل ھام متعلق بحق الشعوب في تقرير المصير. فھل يمكن اعتبار إنفصال أرض الصومال بأنه يندرج ضمن حق الشعوب في تقرير مصيرھا؟
إن ھذا الحق ھو مبدأ اساسي في القانون الدولي، لكن في المقابل إن الحفاظ على وحدة الأراضي لأي دولة لا يقل أھمية عن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرھا. ولا يمكن أن نكون أمام حالة إنفصال ما لم يتفق عليه الطرفان. فمثلا في العام ١٩٩٢ عندما انفصل التشيك والسلوفاك تم ھذا الإنفصال بالإتفاق بين الطرفين، وفي ما يخص جنوب السودان تم انفصال الجنوب عن جمھورية السودان ولكن بإتفاق بين الحكومة السودانية والمتمردين، حيث جرى إستفتاء في جنوب السودان حول الاستقلال او البقاء جزءا من السودان، فاختار الجنوبيون الإنفصال.
ونذكر ھنا ما يقوله الخبير في القانون الدولي البروفيسور ستيفان تالمون في ما يخص مطالبة أقليم كاتالونيا بالإنفصال والاستقلال عن أسبانيا، أن الكتالونيين لا يستطيعون الاعتماد على مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، لأن حق تقرير المصير يشترط أن يكون ھناك شعب، لكن جزءا من سكان دولة وطنية ليست شعبآ بالمعنى الدولي حتى لو كانت له ھوية مميزة.
من جھة ثانية يجب أن نفرّق بين تقرير المصير الداخلي وتقرير المصير الخارجي.الأول تتم ممارسته داخل الدولة، من خلال المشاركة السياسية والحقوق والحكم الذاتي واللامركزية.وھو يتوافق تمامآ مع مبدأ السلامة الأقليمية.أما الثاني ونقصد به الإنفصال،عادة ما يكون عبارة عن أداة صراع دولي مدعوم بعوامل وتدخلات خارجية تغذّي الإنفصال عن الوحدة الأقليمية للدولة. فإقليم كردستان العراق يتمتع بحكم ذاتي تم إقراره دستوريآ ضمن دولة إتحادية( العراق)، ھذا الأمر قبله المجتمع الدولي بوصفه ممارسة مشروعة لحق تقرير المصير الداخلي، غير أن ما حصل في العام ٢٠١٧ من خلال الاستفتاء على الانفصال تم رفضه على المستوى الدولي بشكل كامل، بھدف حماية وحدة الدولة العراقية والشرعية الدستورية، حيث أن تفكيك الدولة خارج التوافق أمر مرفوض دوليآ، والحكومة العراقية وقتذاك، قالت بتطبيق الدستور لأن الإستفتاء يتناقض معه، والدستور ھو الذي يتم الإحتكام اليه في معالجة ھذه المشكلة، والقانون الدولي بدوره يدعم سلطة الحكومة المركزية والإطار الدستوري.
نعم إن حق تقرير المصير ھو حق معترف به في القانون الدولي، ويتم رفعه والمطالبة به. فلقد استخدم بعد الحرب العالمية الثانية كأداة ضد الإستعمار الغربي لتحرير الشعوب المستعمرة، كذلك استخدم ضد النظم العنصرية التي قام الأجانب في تلك الدول باستعباد الأغلبية من شعوبھا مثلما حدث في جنوب أفريقيا، أيضا استخدم الغرب حق تقرير المصير لتفكيك الاتحاد السوفياتي. لكن في عصرنا الحالي في ظل التدخلات الخارجية والضغوطات الدولية التي تغذّي الإنفصال، ھل يبقى تقرير المصير حقا او تدخلا غير مشروع في شؤون الدولة؟ ھل إرادة الإنفصال حرة أم خاضعة لإكراه ووصاية؟
إن تقرير المصير لا يكون مشروعا اذا تكرس بإرادة الخارج وتدخلاته، وفتح المجال أمام التفكك سوف يحوّل العالم الى ساحة مشتعلة من النزاعات المتنقلة وتسود فوضى عارمة تتحكم فيھا تدخلات خارجية وقوى دولية، وعندھا لا مكان للإرادة الحرة المنبثقة عن قرار داخلي.


