اعتذار سمير الخطيب يفتح جروح المناطق المحرومة؟
كتب واصف عواضة:
كنت الأسبوع الماضي في مناسبة اجتماعية في إحدى بلدات إقليم الخروب ،وكان من الطبيعي على هامش المناسبة أن يتداول بعض الحضور في الأوضاع الراهنة والأزمة التي يمر بها لبنان،خاصة أن بينهم أكثر من صحافي يفترض أنهم على علاقة مباشرة بالشأن السياسي.
كان النقاش الرئيسي يدور حول الحكومة المقبلة والرئيس المكلف،في ضوء الحديث المتواتر عن ترشيح السيد سمير الخطيب المدير العام لشركة "خطيب وعلمي " الغنية عن التعريف ،وإبن العائلة العريقة في بلدة مزبود والعديد من البلدات في إقليم الخروب.
كاد الحضور ،وجلهم من فاعليات الإقليم يجمعون على أن حظوظ سمير الخطيب كبيرة جدا في ترؤس الحكومة المقبلة ،عندما انبرى أحد المشاركين متوجها نحوي ليقول بكل صراحة:" إسمع يا أستاذ وحاسبني غدا اذا أخطأت..لن يأتي رئيس حكومة للبنان من إقليم الخروب ولا من الأطراف ..والسلام".
هذا المساء وأنا أتابع سمير الخطيب في دار الفتوى وبيت الوسط ،معللا اعتذاره عن الترشح لمنصب رئاسة الحكومة ،تذكرت كلام هذا الرجل الذي لم أعرف إسمه حتى،لكنني لمست أنه يعبر عن شريحة واسعة من أهالي المنطقة الذين تظاهروا مساء اليوم في بلدة مزبود تضامنا مع سمير الخطيب الذي تمت "شيطنته" منذ تردد إسمه لهذا المنصب باتهامات جلها غير صحيحة بحسب أبناء بلدته وأبناء الإقليم والكثير من اللبنانيين الذين يعرفون الرجل عن قرب.
والواقع أن كلام الرجل دفعني الى البحث في الهوية المناطقية لرؤساء الحكومات اللبنانية منذ الاستقلال ،حيث تكرس هذا المنصب بالعرف وليس بالدستور ،للطائفة السنية الكريمة ،فاكتشفت فعلا أن هؤلاء الرؤساء جميعا من المدن الرئيسية الثلاث :بيروت وطرابلس وصيدا .
فقد تولت هذا المنصب 24 شخصية ،بينها 12 من بيروت ،و6 من طرابلس ،و5 من صيدا ،وواحد من حاصبيا ،وهم على التوالي:
1- رياض الصلح(صيدا)
2- عبد الحميد كرامي(طرابلس)
3- سامي الصلح(بيروت)
4- سعدي المنلا (طرابلس)
5- حسين العويني (بيروت)
6- عبد الله اليافي(بيروت)
7- ناظم عكاري(بيروت)
8- صائب سلام(بيروت)
9- خالد شهاب(بيروت)
10- رشيد كرامي (طرابلس)
11- خليل الهبري(حاصبيا)
12- أحمد الداعوق(بيروت)
13- أمين الحافظ (طرابلس)
14- تقي الدين الصلح(صيدا)
15- رشيد الصلح(بيروت)
16- نور الدين الرفاعي(بيروت)
17- سليم الحص (بيروت)
18- شفيق الوزان (بيروت)
19- عمر كرامي(طرابلس)
20- رفيق الحريري(صيدا)
21- نجيب ميقاتي(طرابلس)
22- فؤاد السنيورة (صيدا)
23- سعد الدين الحريري(صيدا)
24- تمام سلام (بيروت)
يشهد الله أنني لست في مجال تحريض أبناء الطائفة السنية الكريمة على بعضها البعض،ولا هذا من طبعي وطبيعتي وأخلاقي المهنية ،لكن هذا الأمر يطرح علي سؤالا حول توارث العائلات السياسية في لبنان ،من كل الطوائف، للحياة السياسية اللبنانية ،إلا في ما ندر،وليس ذلك في تقديري الا نتيجة طبيعية للنظام السياسي الطائفي الذي يحكم البلد من جهة ،وللاعراف غير الدستورية التي تتحكم بهذا النظام ،بحيث يطال الحرمان كل أبناء الطوائف في أن يحلموا بمناصب غير مكرسة لطوائفهم .وقد كانت هذه الصيغة سابقا محصورة بالرئاسات الثلاث،لكنها اليوم للأسف باتت تنسحب على الوزراء والوظائف العامة ،من المديرين حتى الحجّاب.
والحقيقة أنه ليس أبناء الطائفة السنية في الأطراف وحدهم من يشعر بالحرمان،بل ثمة شرائح في كل الطوائف اللبنانية يعتمل في أنفسها مثل هذا الشعور .ولطالما سمعنا هذا الكلام من شيعة بعلبك الهرمل ،ومن مسيحيي عكار وبعض البقاع والجنوب ،ومن دروز راشيا وحاصبيا،حيث يلهج هؤلاء بكلام عن "مناطق منسية" ،وهو ما يجري التعبير عنه بغياب "الإنماء المتوازن".
في الخلاصة ،ليس في لبنان طوائف محرومة ،بل ثمة مناطق محرومة ،وعليه لا يمكن أن يستقيم هذا الواقع في ظل هذا النظام السياسي السائد ،بل لعله من الوهم الاعتقاد بأن الاصلاحات الاقتصادية والمالية باتت كافية لتأمين الاستقرار للبلد ،بل لا بديل عن إصلاحات سياسية جذرية لكي تستقيم الأمور.