بقلم د. عماد عكوش – الحوار نيوز
ينشط اقتصاد الدول عادة بعد الحروب ، خاصة اذا كانت هذه الدول مشاركة بهذه الحروب واستطاعت تأمين المال اللازم لاعادة الاعمار .
- في لبنان حجم الدمار كبير ولدينا اكثر من مئة الف وحدة سكنية مدمرة بشكل كامل او جزئي، واكثر من عشرة الاف مؤسسة ومحل تجاري تضرر ، مساحة حوالي الف كلم مربع من البنية التحتية تم ضربها ، وحوالي 30 بالمئة من الاراضي الزراعية تضررت بشكل كبير . كما تعتبر هذه العملية فرصة لتحفيز الاقتصاد وتنشيطه ، خاصة عندما تكون الدولة قادرة على تأمين السيولة اللازمة لتمويل هذه العمليات ، وهذه العملية سوف تشمل إنشاء بنية تحتية جديدة ، انشاء وحدات سكنية وتجارية جديدة ، ترميم الأضرار التي لحقت بالمنشآت السكنية والتجارية ، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة. هذه العملية ستؤدي حتما إلى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وتؤثر بشكل كبير على مختلف مؤشرات الاقتصاد الوطني.أما أهم القطاعات التي ستشهد حركة كبيرة في الاقتصاد فسوف تشمل :
- قطاع البناء والتشييد:
- يعتبر هذا القطاع المستفيد الأول من إعادة الإعمار، حيث تنشط شركات المقاولات والهندسة المعمارية ويتم توظيف آلاف العمال في هذه المشاريع ، بما في ذلك المهندون ، الحرفيون ، وعمال البناء غير المهرة . الحاجة لإعادة بناء وترميم أكثر من 100 ألف وحدة سكنية مدمرة ستولد فرصًا ضخمة للشركات المحلية والدولية.
قطاع المواد الخام:
الطلب المتزايد على مواد البناء مثل الإسمنت ، الحديد ، والأخشاب ، يساهم في إنعاش الصناعات المحلية المتعلقة بإنتاج وتوريد هذه المواد كما يتم خلق فرص عمل في المصانع ، تجار الجملة والمستوردين ، تجار التجزئة .
قطاع الخدمات:
سوف تنشط القطاعات المرتبطة بعمل المصانع والتجار مثل النقل ، التغذية ، وإدارة النفايات . كما ستحتاج المشاريع الكبرى إلى خدمات متخصصة مثل الاستشارات الهندسية وإدارة المشاريع.
قطاع التجارة وإعادة تأهيل المؤسسات التجارية:
إعادة بناء وترميم اكثر من عشرة آلاف مؤسسة ومحل تجاري تضررت تعني عودة النشاط الاقتصادي المحلي وخلق فرص عمل جديدة ، كما ستنشط شركات التوريد والتوزيع لتلبية الطلب على السلع والخدمات.
قطاع الطاقة والبنية التحتية:
إصلاح شبكات الكهرباء، المياه، والطرق عبر مساحة تُقدر بـ 2000 كلم مربع سيخلق فرص عمل متخصصة في قطاعات الطاقة ، المياه ، الصرف الصحي ، واعادة تزفيت وصيانة الطرقات وبناء الجسور .
ان التأثير على كل هذه القطاعات سينعكس حتما” على الاقتصاد الكلي وستتحسن معظم المؤشرات الاقتصادية ولا سيما منها :
الناتج القومي الإجمالي:
تساهم مشاريع إعادة الإعمار في زيادة الناتج القومي بشكل كبير. فالطلب المتزايد على العمالة والمواد يرفع من الإنتاجية الاقتصادية في مختلف القطاعات ، وقد تصل معدلات النمو السنوي إلى مستويات قياسية نتيجة الإنفاق الحكومي والاستثمارات الأجنبية في إعادة الإعمار، ولبنان يملك تجربة سابقة وهي تجربة حرب تموز 2006 ، حيث كان معدل النمو خلال العام 2005 صفر ، وعام 2006 حقق النمو 1.7 بالمئة ، أما خلال فترة الاعمار بعد الحرب فكانت معدلات النمو على الشكل التالي :
2007 حقق النمو 9.34 بالمئة
2008 حقق النمو 9.25 بالمئة
2009 حقق النمو 10.05 بالمئة
2010 حقق النمو 8.04 بالمئة
ثم بدأ بالانخفاض لاحقا” بعد الانتهاء من مرحلة اعادة الاعمار الى حدود 2 بالمئة .
وقد استفادت الدولة من هذه المعدلات المرتفعة لترفع من وارداتها الضريبية والتي كانت تغذي الخزينة اللبنانية مما سمح بدفع رواتب مجزية للقطاع العام خلال تلك الفترة وخاصة للفئات المحظية في هذه الدولة ، وكان الممول الاساسي له المناطق التي تضررت والبيئة التي تضررت من هذه الحرب ، وكان المستفيد ايضا” المصانع الاحتكارية والتي يعرف الجميع من يملكها كما استفاد تجار الكارتيلات اصحاب الوكالات الذين تم وضع خطوط حمر على تحرير هذه التجارة لتبقى احتكاراتهم تدر عليهم ملايين الدولارات والتحكم بالاسعار .
معدل البطالة :
توفر المشاريع الكبرى فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الأفراد ، مما يساهم في خفض معدلات البطالة . كما تؤدي زيادة الإنفاق الاستثماري إلى تنشيط القطاع الخاص ، وبالتالي خلق المزيد من الوظائف.
ميزان المدفوعات:
في حال اعتمدت الدولة على مصادر تمويل محلية واستثمارات أجنبية مباشرة، فإن ذلك يخفف الضغط على ميزان المدفوعات . أما إذا لجأت للاستيراد المكثف للمواد والخبرات ، فقد يؤدي ذلك إلى عجز مؤقت في ميزان المدفوعات .
الميزان التجاري:
على المدى القصير، قد يزداد الاستيراد لتلبية احتياجات إعادة الإعمار من الآلات والمواد الخام التي لا تُنتج محليًا. ومع ذلك، فإن تحسين البنية التحتية وزيادة الإنتاجية الصناعية والزراعية يمكن أن يعزز صادرات الدولة على المدى البعيد.
التحديات المحتملة:
طبعا سيواجه هذه العملية تحديات كبيرة ، من ابرز هذه التحديات :
التمويل: التحدي الاساسي هو تأمين السيولة لاعادة الاعمار ، لكن إذا كانت السيولة غير كافية أو اعتمدت الدولة بشكل مفرط على القروض الخارجية ، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الدين العام .
الفساد وسوء الإدارة: المشكلة في لبنان هو عامل الفساد المستشري في كل أركان الدولة والمؤسسات العامة وبالتالي فأن إدارة المشاريع بشكل سيئ قد يقلل من الفوائد الاقتصادية ويعرقل التقدم.
التضخم: ان الطلب الذي سيصبح متزايد على المواد والسلع قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، مما يزيد العبء على الأفراد والشركات.
انعكاسها على موازنات الدولة:
نتيجة للضرائب التي يتم تحصيلها ، خاصة في الدول التي تعتمد على الضرائب على الاستهلاك كالرسوم الجمركية ، وضريبة القيمة المضافة ، فأن هذا الامر سيعزز الموازنة وتحصيل الضرائب مما يخفض من نسب العجز .
في النهاية تُعد عملية إعادة الإعمار محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي، خاصة بعد الحروب. فهي لا تؤدي فقط إلى تحسين البنية التحتية وإعادة بناء المؤسسات، ولكنها أيضًا تساهم في تخفيض البطالة وزيادة الناتج القومي. لضمان تحقيق أقصى فائدة، يجب وضع خطط مدروسة لإدارة المشاريع ومراقبة الإنفاق، مع العمل على تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي لتحقيق التوازن في الميزان التجاري.