اسرائيل كقوة احتلال أكبر من دولة وأوهن من بيت العنكبوت!
الدكتور جواد الهنداوي -الحوارنيوز خاص-بروكسل
نعيش هذه الايام مناسبات تحفزّنا للتعمّق في معرفة الكيان االإسرائيلي: يوم القدس العالمي له رمزية الإيمان بزوال هذه الدولة فيما "اسرائيل" كقوة احتلال، ماضية في توسّع جغرافي وضمّ مساحات جديدة من الضفة الغربية ومن غور الأردن، ولا نستبعد في مرحلة لاحقة أجزاء من لبنان والمعروفة بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا كإمتداد جغرافي طبيعي للجولان السوري المحتل!
ونأملُ، طبعاً، أن تُسعفنا هذه المعرفة كي نتبنى، نحن العرب، سياسة او استراتيجية فاعلة تجاه "اسرائيل".
سياسة او استراتيجية فاعلة، بمعنى ان تكون قادرة على إعانة الفلسطينيين في استرجاع حقوقهم وإقامة دولتهم، وقادرة على حفظ حدود دولنا و مصالح شعوبنا من توّسع خارطة الإحتلال، وهو أمرٌ يراه البعض سراباً
ومؤمنا بأنها أوهن من بيت العنكبوت.
وتثبت الايام بأنَّ هذا التوسع واقع وملموس وبحسابٍ زمني مُبرمج و مدروس، مدعوم من دول العالم وبعض دولنا المأزومة.
لنتعرّف على دولة الإحتلال" من الناحية السياسية و من الناحية الجغرافية و بخصوص ديمقراطيتها وحقوق الانسان .
من الناحية السياسية، الولايات المتحدة الأميركية والغرب والأمم المتحدة ومجلس الامن، جميعهم ، لايحسبون في اسرائيل " دولة " ، وإنما يعتبرونها " اكبر من دولة " او " دولة برعاية وبحماية دولية و اممية استثنائية "، هي ( واقصد اسرائيل ) فوق القانون الدولي وفوق الشرعية الدولية و مستثناة من تطبيق القرارات والعقوبات الدولية ، بل هي من تفرض العقوبات على الدول والشعوب ،بواسطة امريكا .
في الشرق ، ولدى العرب وغيرهم في المنطقة، يرون في اسرائيل " كيانا محتلا و مغتصبا " وليست دولة، حتى وان أبرمت دول عربية اتفاقات سلام وتعاون مع اسرائيل ، أو أنَّ بعضها ابتدأَ بالتطبيع مع اسرائيل ، الاّ أنً الاتفاقات و التطبيع لم تغّيرا من حقيقة اسرائيل ( كيان مُحتل و مُغتصب ) ، لدى ابناء شعوب المنطقة ، ولمْ تثنيّا اسرائيل من الاستمرار في سياسة التوّسع والعدوان.
الإمعان ،من قِبلِ بعض الدول العربية ، في سياسة التنازلات لمصلحة اسرائيل وبدون مقابل، من خلال تطبيع رسمي (مصر والأردن ) و تطبيع سريع وغير رسمي (بعض دول الخليج )، قابلها أمعان اسرائيل في سياسة التوسع و العدوان على حقوق الشعب الفلسطيني والعربي . هذا التناقض بين قدرة بعض العرب على التنازل و الخسارة بمرور الزمن وقدرة اسرائيل على التوسّع و تحقيق المكاسب بمرور الزمن قادَ الى تعزيز دولي لاسرائيل . هذا التناقض قدّمَ أيضاً برهاناً على صواب نظرة وسلوك دول العالم تجاه اسرائيل، وبأنها (ايّ اسرائيل ) دولة ذو مقومات و ذات رؤية، وتعرف كيف تتعامل مع العرب، الذين اعتبروها كيانا مغتصبا ومحتلا، و يقبلون عليها الآن ويتعاونون معها ، رغم رفضها لمبادراتهم للسلام، و رغم استمرارها بالتوسّع و الإجرام!
من الناحية الجغرافية ، ليس لاسرائيل
تعريفً جغرافي ،كيان غير محدود و قابل للتمدّد و التوسع . و عقائدياً هو كيان يمتد من الفرات الى النيل. وتحلمُ الآن اسرائيل بتحقيق مسعاها وهدفها، بالتمدد من الفرات الى النيل، ليس بالاحتلال وانما بالهيمنة ومصادرة إرادة القرار الاستراتيجي من دول المنطقة ، اي ،ان تكون دول المنطقة تحت هيمنة و مصلحة وقرار اسرائيل. وهذا سبب أساسي للعداء مع ايران.
يدركُ الاسرائيليون بانهم يعانون من " عقدة الوجود "، حيث لا شرعية لوجودهم في فلسطين، و مِنْ جدلية ازليّة عن تجمعّهم في فلسطين ،عن كيانهم وعن وهمْ دولتهم، لذا يجدون في تواطؤ امريكا والغرب معهم ، و تهافت بعض العرب عليهم ، الاطمئنان والاعتراف بانتمائهم الى دولة .
مصدر شعورهم بالانتماء الى دولة هو خارج اسرائيل وليس داخل اسرائيل. مَنْ صنع اسرائيل هي وعود وعهود بريطانية وامريكية وعربية وليس مقومات دولة (شعب، ارض ، سلطة ،سيادة ) .
لذا ، حرصت اسرائيل والصهيونية على تحريم النقاش والجدل والتشكيك في شرعية اسرائيل او النيل من وجودها كدولة او الطعن بالصيرورة التأريخية لاسرائيل ، ولهذا المنع والتحريم صفة دولية، بمعنى مُلزمْ و نافذ في اغلب الدول الأوربية ، وشهدت فرنسا تطبيقات له واصدرت قانون تمنع، بموجبه ، ابداء رأي تصحيحي او انتقاد او نقاش بخصوص غرف الغاز التي تعرض لها اليهود في وقت النازية . كما منعت من تداول كتاب بعنوان " وهمْ اسرائيل " ،للفيلسوف الفرنسي المعروف " روجيه جارودي، صدرَ الكتاب عام ١٩٩٥، في باريس ، وتعرضت المكتبة التي قامت بنشره وبيعه الى الحرق والنهب و الاعتداء في وضح النهار . وعلى اثره هاجر مؤلف الكتاب، وترك فرنسا. آخرون ، اساتذة في الجامعات الفرنسية، طردوا من جامعاتهم، لانهم كتبوا آراءهم في صحة الروايات عن اضطهاد اليهود على يد هتلر. و أصدرت اغلب الدول الأوربية قوانين تُحّرم انكار او مناقشة الهولوكوست، او تناول الرموز او المواضيع المتعلقة بالهولوكوست والسامية .
مثلما تعيش اسرائيل في اكذوبة و وهمْ بانها دولة،
ويسوقهّا الامريكان والغرب للعالم بهذا الوصف، هي ( واقصد اسرائيل ) تظهر على المسرح الدولي و تغريه برداء الديمقراطية ! بيدَ انها بعيدة كل البعد عن الديمقراطية. نجدُ في اسرائيل ممارسات ديمقراطية لانتخاب سلطات تمارس جرائم احتلال وقتل واغتيالات وحصار و عقاب جماعي، ولكن لا نجدُ ديمقراطية.
لا يمكن ان تقترن الديمقراطية بنظام عنصري و مُحتلْ، لا يمكن ان يكون النظام ديمقراطياً وهو يمارس تهميش اليهود الفلاشا، اصحاب البشرة السوداء، و الذين استوردتهم اسرائيل من أثيوبيا! و يمارس سياسة تهميش وازدراء الاسرائيلين العرب ، ويمارس القتل والإرهاب بحق الشعب الفلسطيني.
الدول الأوربية و الاتحاد الاوربي و مجلس حقوق الانسان في جنيف يعلمون بعنصرّية النظام الاسرائيلي ضّدْ يهود من غير أصول أوروبية، ويعلمون بمعاناة الشعب الفلسطيني الثائر ضّدْ الاحتلال، لكنهم عاجزون عن انتقادهِ او مساءلتهِ.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل