استنهاض السياحة قبل استخراج النفط!
يتابع لبنان بمختلف مؤسساته الدستورية موضوع استخراج النفط والغاز، ويعطي مجلس النواب أولوية تشريعية لهذا الملف وكذلك تفعل الحكومة بالتوازي مع تحضير البنية القانونية المرتبطة بملفات "سيدر" التي يعوّل لبنان عليها لإعادة النهوض الإقتصادي وإنعاش القطاعات الإنتاجية. وبعيدا عن النقاش في موجبات نجاح سيدر1 وأبرزها تأمين إجماع وطني ونموذج مختلف من الآداء الرسمي، فإنني أرى في السياسات الإقتصادية للحكومات المتعاقبة، لاسيما بعد الإغتيال المشؤوم للرئيس الشهيد رفيق الحريري، إهمالا غير مبرر للقطاع السياحي.
إن استخراج النفط من دون خطة إقتصادية تعزز القطاعات الإنتاجية في مختلف المجالات: الزراعية والصناعية والسياحية، سيتحول إلى مرض لبناني إضافي على غرار ما عرف بـ"المرض الهولندي" الذي أصاب الشعب الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي 1900 – 1950، بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال، إذ غرق في الإنفاق الاستهلاكي، فدفع ضريبة هذه الحالة عندما أفاق على حقيقة نضوب الآبار، دون أن يكون قد بنى اقتصاده المنتج.
كشف التقرير السنوى لمنظمة السياحة العالمية، عن ارتفاع عدد السياح الدوليين الوافدين لـ مليار و322 مليون سائح بنسبة نمو بلغت 7٪ عام 2017، وفقا لآخر مقياس عالمي للسياحة، متوقعا أن يستمر هذا الزخم القوي في عام 2018 بمعدل يراوح ما بين 4% إلى 5%. ووفقا للتقرير نفسه فقد استقبل الشرق الأوسط 58 مليون سائح دولي في عام 2017، بنسبة نمو 5%، مع نمو مستدام في بعض الوجهات والانتعاش القوي في بلدان أخرى، كالأميركتين وآسيا وأفريقيا.
أين لبنان من الخارطة السياحية العالمية؟
لا يبدو أن الدولة تدرك أهمية القطاع السياحي وأثره على الناتج الوطني، فيما كان يعتبر سابقا (قبل حرب 1975 – 1989) من أبرز القطاعات الإقتصادية إنتاجا.
إن موازنة وزارة السياحة في لبنان في العام الحالي تبلغ نحو 23 مليار ليرة لبنانية وهي إنخفضت عن العام الماضي نحو ملياري ليرة لبنانية. وهذه الموازنة تشكل نحو 0،09 بالمئة إلى الموازنة العامة. ويكفي الإشارة إلى توزّع بنود "الموازنة" لإدراك العقم الذي تتحرك ضمن دائرته الرسمية سياحتنا المنشودة. في موازنة العام الجاري (ليرة لبنانية) مقارنة بالعام الماضي، جاءت البنود على النحو التالي:
– معارض ومهرجانات 1,8 مليار 2018 مقابل 3 مليارات العام الماضي.
– نفقات دعاية 6 مليارات مقابل 7 مليارات للعام الماضي
– المكاتب السياحية بالخارج 1,6 مليار مقابل 2 مليارين للعام الماضي
– برامج إعلامية ودراسات وأبحاث ومنشورات 320 مليونا مقابل 400 مليون للعام الماضي.
– نشاطات وحفلات ومكافآت تشجيعية 600 مليون مقابل 500 مليون للعام الماضي.
– مساهمات لهيئات لا تتوخى الربح 3,6 مليارات مقابل 5 مليارات للعام الماضي.
– دعم مهرجانات قروية سياحية 600 مليون مقابل 750 مليون للعام الماضي.
-وفود ومؤتمرات داخلية وخارجية 680 مليون مقابل 350 مليونا للعام الماضي.
– رواتب وأجور وتعاقد 6,7 مليارات مقابل 4,5 مليارات للعام الماضي.
من المفيد البناء على الأرقام التي سجلتها الدوائر المعنية لحركة الدخول الى مطار رفيق الحريري الدولي لهذا الصيف، فوفقا لمعلومات رسمية فإن نسبة السياح الأجانب إرتفعت عما سجل الأعوام السابقة لاسيما من الولايات المتحدة الأميركية ومن بعض الدول الأوروبية، قابله تراجع من الدول العربية وتحديدا الخليجية حيث كانت عشرات الألوف من العائلات تأتي إلى لبنان برا وهذا ما إنقطع نهائيا مع بدء الحرب في سوريا، والإنكماش الحاصل في إقتصادات غالبية دول العالم وفي البلدان العربية، وظروف الإقتتال والحروب المستعرة في أكثر من بلد.
لكن هذا الإرتفاع يبقى ضئيلا أمام القدرات والطموحات اللبنانية، وضعيفا أمام الحاجة الى توسيع "الصحن" السياحي، ليزيد من مساهمته في التنمية الإقتصادية والإجتماعية في لبنان، ما يستدعي البحث الجدي في خطوات إستثنائية لتعويض هذا التراجع. وهذا يقود إلى ملاحظات تستوجب معالجة هادئة وموضوعية بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
1- تحديث قطاع النقل العام، وخفض كلفة التنقل، فلا تجوز أن تكون كلفة تنقلات السائح الداخلية تفوق، في بعض الأحيان، كلفة وصوله الى لبنان.
2- تنظيم قطاع النقل داخل العاصمة بيروت.
3- إستدراج عروض عالمية وفقا لصيغة (BOT) لإعادة بناء خطوط للسكك الحديدية على طول الساحل اللبناني.
4- إستكمال إنجاز البنى التحتية وتحديث القائم منها، لاسيما شبكة الطرق الرئيسية وتوليد الطاقة وتوفير المياه وشبكة الإتصالات.
5- وضع خطة خاصة لشبكة الطرق المحيطة بالأماكن السياحية والصروح الثقافية والأمكنة التاريخية، مع إلزام البلديات والإدارات المعنية تأهيل محيط هذه الأماكن وتحويلها إلى مناطق سياحية.
6- تطبيق اللامركزية الإدارية وتنفيذ ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني لجهة إنشاء مجالس للأقضية.
7- التشدد في تحديد نسب أرباح عادلة للسائح وللمستثمر في آن وتفعيل الرقابة السياحية. من شأن ذلك الدخول إلى دائرة المنافسة مع الدول السياحية المحيطة وهذا الأمر ممكن ببعض الإعفاءات البسيطة من الدولة.
8- تحديث أجهزة مطار رفيق الحريري الدولي، وهذا ما باشر فيه مجلس الإنماء والإعمار بكلفة تقديرية بلغت 18 مليون دولار، على أن يتبعها مبلغ قدره 88 مليون دولار خصصت لتوسعة المطار.
قيل عن قطاع الاتصالات إنه نفط لبنان، والآن يتحدثون عن قطاع النفط وكأنه المنقذ، والجميع يدرك أن هذا القطاع دونه عقبات لن تسمح لنا باستثمار سريع كما يراهن المراهنون، فيما قطاع السياحة اللبناني مهمل، مع العلم أنه العمود الفقري للإقتصاد اللبناني، فهل سنشرع بوضع خطة متكاملة يشارك فيها القطاعين العام والخاص لإستنهاض السياحة وإعادة الإعتبار لقطاع قادر بفعل المؤهلات البشرية والطبيعية للبنان وأبنائه على تحقيق نتائج إقتصادية وإجتماعية فورية؟
*عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي
ينشر بالتزامن مع نشره في صحيفة النهار تاريخ 16/11/2018