استنتاجات حيال الجريمة الامريكية و الموقف العراقي: اسرائيل شريك وأول المستهدفين
د . جواد الهنداوي
قد يكون قرار الرئيس الامريكي بالموافقة على تنفيذ الجريمة اكثر القرارات الترامبيّة دالّاً على التهوّر و الغباء السياسي. و قد يكون وصف رئيس وزراء ماليزيا السيد مهاتير محمد، للجريمة و مقاربتها بجريمة قتل الصحفي خاشقجي، وصفْ مطابق تماماً للحالة، فالجريمة، كما وصفها، لا اخلاقية ومخالفة للقوانين وخارج الحدود .
تُشير المعلومات الى دور كبير لوزير الخارجية الأمريكية بومبيو، و لوزير الدفاع و لنائب الرئيس الامريكي في دفع الرئيس ترامب الى الموافقة على تنفيذ الجريمة.
وتُشير المعلومات أيضاً الى دور اسرائيلي في تنفيذ الجريمة، ولا وجود لادنى شك في ان يكون هناك دور لإسرائيل في ارتكاب الجريمة؛ اسرائيل اكثر من امريكا مُلّمة في الأوكار و الأطراف المهتمة والمتخصصة في تخطيط و ارتكاب الجرائم تجاه رجال المقاومة، اسرائيل هي العين الراصدة لأمريكا في المنطقة، و ساعدها الأساسي في تنفيذ الإرهاب و الجرائم ، حتى أسلوب اغتيال الشهيد سليماني و الشهيد المهندس وُصِفَ بانه أسلوب أغتيالات طورّته اسرائيل و استخدمته في غزة، خلال الانتفاضة الثالثة، وفي سوريا، ويسمى " أسلوب التصفيّة المركّزة ".
كُثرٌ هي أستنتاجات الجريمة، وواضحة الدلالات:
وزير خارجية امريكا صرّحَ بعد استشهاد سليماني و المهندس "بأنَّ مقتلهما يحوّل المنطقة الى منطقة آمنة اكثر لمواطني امريكا … "! و لكن بعد ساعات من وقت هذا التصريح ، وجهّت وزارة الخارجية الأمريكية جميع الأمريكيين المتواجدين في العراق الى مغادرة العراق فوراً ".
الرئيس الامريكي، وفي خطابه امام الأمم المتحدة في شهر أيلول المنصرم، وخلال الاجتماع السنوي، أكّدَ على أمن اسرائيل و دعم اسرائيل وعلى منع ايران من حيازة السلاح النووي ".
ولكن جريمة الاغتيال ستأتي بنتائج مغايرة تماماً لما تضمنّه خطاب ترامب : خرجت ايران من الاتفاق النووي في قرارها يوم ٢٠٢٠/١/٦ ، ولم تعُدْ أية جهة أُمميّة او دولية على اطلاع على مسار العمل النووي الإيراني، أصبحت ايران الآن في حّلٍ من أية التزامات تجاه اي طرف أممي او دولي ،الامر يجعل اسرائيل اكثر قلقاً .
إنْ ردّتْ ايران على الاعتداء و تدحرجت الأمور بين امريكا و ايران نحو ما هو أسوأ ، ستكون اسرائيل اول المستهدفين و المتضررين ،ليس فقط من ايران وانماّ من حلفاء ايران أيضاً .
إنْ ردّتْ ايران على الاعتداء ومالت الأمور بين امريكا و أيران للتفاهم غير المباشر، و رُفعتْ العقوبات او بعضها، ستكون كذلك اسرائيل اول المتضررين، لخروج ايران من عنق الزجاجة .
تصريح ترامب و تهديده بضرب مواقع ثقافية في ايران دفعَ الديمقراطيين بالتنديد بتصريح وتهديد ترامب، واتهامه بالاستعداد و بالتحضير على ارتكاب جرائم حرب، و بخرقه لمعاهدة جنيف .
ماذا عن العراق بعد جرائم امريكا بقتل قيادي من الحشد الشعبي وانتهاك صارخ وقبيح لسيادته اكثر من مرّة ؟
سياسة ترامب اللامعقولة و الاستفزازية و المخالفة لكل قواعد الدبلوماسية و القوانين منحت فرصة لرئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي أن يتبنى موقف، وهو في مهلة تصريف الأعمال، وطني و تاريخي و مسؤول، بأنْ يطالب مجلس النواب بأصدار قرار لإخراج القوات الأجنبية من العراق، و أن يقوم برفع شكوى لمجلس الامن ضّد العربدة الأمريكية .
مطالبة رئيس الوزراء لمجلس النواب بأصدار قرار لطرد القوات الأجنبية او إنهاء عملها و تواجدها حققّت ثلاثة أهداف :
الهدف الأول ، هو جعل قرار اخراج القوات الأجنبية قرار الشعب وليس فقط قرار الحكومة. لماذا قرار الشعب وليس " كما يعتقد البعض " بانه قرار المكون الشيعي؟ لسببيّن : الأول هو ان القرار حازَ على تصويت أغلبية نواب الشعب، والسبب الثاني هو أن النائب في مجلس النواب يمثل، دستورياً، الشعب ولا يمثل مكون او حزب او طائفة. اي النائب من محافظة النجف هو لا يمثل محافظة النجف وانما دستوريا هو ممثل لكافة المواطنين، هذا هو مفهوم و دور النائب في مجلس النواب! القرار هو إذاً دستورياً صحيح و مُلزم التطبيق ويمثل إرادة الشعب العراقي الشيعي والسني والكردي ،الحاضر و الغائب منهم .
الهدف الثاني ، هو ان هذه المطالبة عّرتْ الانتماء الحزبي او الطائفي او القومي للنواب الذين غابوا عن الحضور ،كان بأمكانهم الحضور و الامتناع عن التصويت او التصويت بالرفض. كان بإمكانهم الحضور و امتلاك الشجاعة بالتعبير عن موقفهم و رأيهم ، حضورهم و ابداء رأيهم و اعلان موقفهم الرافض ، هو واجب وطني و تعبير عن انتماء وطني .
غيابهم هو تقصير و تعبير قومي او مكوناتي او طائفي لموقفهم ، وفيه رسالة الى الغير ،الى الامريكيين و الى العالم …!
الموقف دالٌ على اننا ليس في عراق الحضارات وانماّ في عراق المكونات! الموقف دالٌ على أنَّ لدينا مجالس نواب وليس مجلس نواب !
الموقف دالٌ على وحدة الشعب وعلى فرقة سياسيه و اعضاء مجلس النواب. الاعتداء الامريكي او الاسرائيلي لم يكْ الاعتداء الأول، سبقته اعتداءات وانتهاكات لسيادة العراق، وشهداء الاعتداء ( الحشد الشعبي ) استشهدوا ودافعوا ،قبل استشهادهم ،عن العراق ، عن بغداد واربيل ،عن الموصل والأنبار ،عن …
الهدف الثالث هو أنَّ هذه المطالبة كشفت دور و نشاط بعض العملاء و المأجورين المستغلين للاحتجاجات. بُعيد طرح السيد رئيس الوزراء امام مجلس النواب مطالبته بسحب القوات الأجنبية، و بساعات، وصلت، على ما يبدو التوجيهات للعملاء والمأجورين بحرق مكتب الحشد الشعبي في الناصرية، واشعال الاحتجاجات في الناصرية وفي البصرة والمطالبة برفض ربط مصير العراق بمصير ايران ! وكأنَّ الدفاع عن سيادة العراق والدفاع عن كرامة العراق و الدفاع عن الحشد الشعبي هو شأن إيراني!
*سفير سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات، بروكسل.