استقالة رابطة التعليم الثانوي ضرورة نقابية وتربوية ووطنية
يمر اليوم القطاع الثانوي الرسمي بأسوأ أزمة وجودية من حيث تعرض موقعه الى التدهور بشكل دراماتيكي، وهذا بدوره ينعكس سلباً على التوصيف الوظيفي للقطاع بين باقي الوظائف، وهذه الهجمة الشرسة على الثانوي ليست بريئة ابداً اذ هي تهدف الى القضاء على ما تبقى من التعليم الرسمي في لبنان من خلال ضرب صمام الامان لهذا التعليم الذي صمد حتى الآن ومازال يخرّج العديد من الكوادر بشتى الحقول.
للأسف، ما وصلنا اليه الآن يكاد ان يكون الاخطر بتاريخ القطاع الثانوي إذ يهدد بنيانه في ظل رابطة مشكوك بشرعيتها وبعدم شمولية تمثيلها لكافة الاتجاهات وخاصة الجدد، من خلال ضرب موقع هذا التعليم لناحيتين:
راتب الأستاذ الثانوي المتدنّي قياساً على غيره من الوظائف.
المناهج المتبعة التي لم تعدل منذ اكثر من 22 سنة.
فبعد ان صدرت المراسيم سنة 1984 بخصخصة التعليم الرسمي التي تتضمن الغاءه نهائيا لمصلحة الخاص ، وتحت الضغط الكبير في وقتها الغيت هذه المراسيم وكأنها لم تكن، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إنّ فكرة ضربه ما زالت عالقة بأذهان القيّمين على هذه السلطة التي تعتبر ان الانفاق على التعليم الرسمي لا طائل منه فهو عبء على الخزينة، بعكس البلدان المتقدمة التي تعتبره استثماراً بحد ذاته، بحيث يؤدي الى تعزيز كوادر بشرية تسهم الى حد كبير في تحسين النوعية وزيادة الانتاج وبالتالي تعزيز القدرة التنافسية للبلد في كافة المجالات وهذا ما حصل في العديد من البلدان والمثال الاوضح سنغافورة وغيرها من الدول التي سبقتنا بأشواط كثيرة.
الغيت كل الميزات لهذا القطاع وساوته بالإداري فئة ثالثة (860.000) عند صدور السلسلة الشهيرة التي ابتدأ تطبيقها من 1/1/1996 من خلال " تجاهل مفاعيل القوانين 53/66 و 22/82 و45/87 اي ال 60% التي أعطيت مقابل الزيادة في ساعات العمل"، وهذا ما جعلنا نناضل 13 سنة لاستعادة ال 60% عبر القانونين 148/99 "بدل مالي" وترجم الى 6 درجات بالقانون 551/2003 والقانون 159/2011 الذي أعطى 4 درجات ونصف ما يصل الى ما مجموعهما الى 10.5 درجات ونصف (بدل ال 60%).
ابتداءً من سنة 2010 اعطي القضاة واساتذة الجامعة زيادات لهم وحرمنا نحن منها واصبح راتب الاستاذ الثانوي يبعد عن راتب الجامعي مسافة اكثر من 32 درجة بعد ان كان الفارق لا يتعدّى ال 6 درجات، وبعدها اشتدت الهجمة علينا وترافقت مع مطالعة لجنة الادارة والعدل التي اعتبرت ان الدرجات الاستثنائية المعطاة بموجب القانونين أعلاه هي دفعة من غلاء المعيشة المستحق لنا وليس استعادة لحق مسلوب ال (60%)، و وعقب ذلك صدور القانون 223/2012 او كان بمثابة الضربة الكبرى ايضاً بحيث جعل المعلم في الاساسي (فئة رابعة) يتعين على الدرجة 15 نفس الدرجة للأستاذ الثانوي (فئة ثالثة)، وبعدها شملت الاضرابات كافة القطاعات للحصول على زيادة غلاء معيشة "121 % " وهي عبارة عن غلاء المعيشة من سنة 1996 حتى سنة 2011، كما أخذ القضاة وأساتذة الجامعة.
عملنا على صياغة قانون الموقع الوظيفي عندما دخلنا الى الرابطة سنة 2014 أي تعيين الأستاذ الثانوي الجديد على الدرجة 25 واعطاء 10 درجات استثنائية للموجودين في الملاك لإعادة الاعتبار الى القطاع الثانوي أسوةً بباقي القطاعات، لكن للأسف لم يوقع على هذا القانون اي نائب من الكتل النيابية الكبرى رغم تأييدها العلني لنا، باستثناء النائب عماد الحوت الذي وقعه وسجّله في قلم المجلس وما زال يقبع في أدراج المجلس النيابي حتى الآن، دون أي تحريك من الهيئة الادارية للرابطة ولو خجولاً.
ماذا حصل بعد ذلك؟ استكملت السلطة مشروعها لضرب القطاع وتجلّى ذلك بصورة واضحة عند صدور قانون السلسلة الأخير القانون 46/2017 فأعطى زيادات كبيرة الى كافة القطاعات في حين لم تتعدّ الزيادة للثانوي مع الست درجات ال (65%) وهذه هي النسبة الاقل بين كافة الفئات الوظيفية إذ تعدّت النسبة للبعض منهم ال 150%.
والاخطر الن الدرجات الست لا تعطى للذين سيدخلون الملاك فيما بعد، وهذا يجعل الزيادة لا تتخطى ال 32 % مما يعني ان استاذ الثانوي الذي سيدخل بعد قانون السلسلة يصبح راتبه اقل من الفئة الرابعة وبالتالي موقعه في الحضيض، كل ذلك يحصل بعد ان اجهزت السلطة على العمل النقابي في كافة القطاعات، مما جعل مهمة ضربها للقطاع الثانوي الرسمي اسهل وبالتالي انهياره.
كل هذا يجري تحت نظر الهيئة الادارية السابقة للرابطة المستنسخة بالحالية المطعون بها، التي هللت عند صدور القانون 46/2017 واعتبرته انجازا كبيراً مع العلم انه كان بمثابة الضربة القاضية للقطاع الثانوي من حيث تدهور موقعه وخسارة ال 60%، ورأينا أيضاً كيف يذبح الزملاء الجدد بشكل مكشوف والرابطة التي من المفروض ان تكون هي الحامي الأساسي والرسمي لحقوقهم، نائمة نومة اهل الكهف اذا لم نظلمها والبعض يقول أكثر بأنّها مشاركة بجلجلة الزملاء الجدد وبالتالي القضاء على ما تبقى من التعليم الرسمي.
احتراما للزملاء في الهيئة الادارية للرابطة وحفاظاً على مصلحتهم ولأجل الحفاظ على القطاع الثانوي الرسمي في لبنان، ولأجل الحفاظ على صحة التمثيل ومن أجل اشراك الزملاء الجدد وخوفاً من تكريس تحوّلها الى اتحاد عمالي آخر وللتمكّن من الدفاع عن مصالحنا ومن أجل عدم الوقوع في المحظور، وفي سبيل وحدة الأداة النقابية التي هي الخرطوشة الأخيرة للدفاع عن الثانوي، وقبل فوات الاوان ورحمة بالتعليم الرسمي، ندعوهم الى الاستقالة فورا واذا لم يحصل ذلك، التاريخ لن يرحمهم .
وسيسجل التاريخ عليهم انهيار التعليم الرسمي في عهد هذه الرابطة التي بوجودها وبطريقة عملها ساهمت بالوصول الى هذه النتيجة.
رهاننا على وجود وزير التربية الوطنية والتعليم العالي أكرم شهيب، على رأس هذه الوزارة لضمان صون سلامة العمل النقابي وإعادة تصويب البوصلة وتفعيل العمل النقابي الديمقراطي ما يخدم واقعنا التربوي الذي هو مدخلنا الوحيد لبناء مواطنية موحدة خارج الإصطفافات الطائفية الو الحزبية او كلاهما معا.