د. جواد الهنداوي *
استقالت اليوم، وبعد اجتماعها، حكومة السيد مارك روتي، وتمثّل الاستقالة نهاية لعهد رئيس الوزراء، والذي استمر في منصبه منذ ٢٠١٠ .
وسبب الاستقالة هو " فضيحة إعانات الأطفال"، حيث ارتكبت الحكومة خطأ في اتهامها لعوائل أطفال، بالإحتيال والتزوير من أجل الانتفاع غير المشروع بإعانات الأطفال، ولأكثر من خمسة سنوات، ويُقّدر عدد العوائل بعشرين الف عائلة. وقامت الحكومة بتغريم العوائل واسترداد المبالغ، ولكن، بعد التحقيق والمراجعات القضائية والادارية تبيّن عدم صحة الاتهامات المنسوبة لأولياء أمور الأطفال وعدم قانونية تغريمهم مبالغ مالية تُقدّر ب ٤٠ الف يورو لكل عائلة.
ماذا يدّلُ قرار استقالة الحكومة؟
للقرار بُعدْ انساني و ديمقراطي وسياسي؟
القرار يجسّدُ ما نقوله ، نحنُ العرب ، " الاعتراف بالخطأ فضيلة.
الوزرارة والمؤسسات الاجتماعية المعنية بالأمر هي المسؤول المباشر عن الخطأ ونتائجه، وكانَ بالإمكان ان تكتفي الحكومة بإستقالة الوزير المختص وبعض كبار الموظفين، ولكن جسامة الخطأ بإتهام العوائل بالاحتيال، وحجم الضرر المادي والمعنوي الذي اصابهم، ساهما بجعل رئيس الوزراء يعتقد بعدم كفاية استقالة الوزير المختص لجبر خواطر الشعب ولإصلاح ما اصاب العوائل من ضرر مادي ومعنوي، فقررَ استقالة الحكومة، والذهاب الى انتخابات مُبّكرة في شهر آذار القادم.
للقرار، وبدون شك، بعد ديمقراطي، لأنه يعّبر عن احترام إرادة الشعب ويمثّلُ اعتذراً للعوائل وللشعب الذي منحهم الثقة في ممارسة السلطة، وقرار الاستقالة هو بمثابة مساءلة طوعية للحكومة ومن قِبَلْ الحكومة ذاتها ،وقبل مساءلة البرلمان، أو قبل ان يطالب الشعب بإستقالة الحكومة.
للقرار ايضاً بُعُد سياسي. فما هو البعد السياسي؟
يحظى السيد مارك روتي، وهو رئيس حزب الشعب للحرية وللديمقراطية ومنذ عام ٢٠٠٦، بمقبولية من الأحزاب السياسية الاخرى، وكذلك من الشعب، ولايزال و حزبه يتمتعان بقدر واسع من ثقة الشعب ، وله فرصة كبيرة في الفوز في الانتخابات القادمة في شهر آذار القادم. إستقالته هي خطوة سياسية موفقّة لكسب إحترام وتقدير الشعب ، لاسيما تعهده بتعويض العوائل المتضررة مادياً و اعادة كافة الأموال التي استردتها الدوائر المعنية من العوائل. استقالة حكومته ستتيح له ولحزبه فرصة التفرغ للعمل من اجل الفوز بالانتخابات القادمة.
ما قدّمه السيد مارك روتي مثال لسياسي قادر على تحويل الانتكاسة أو الفضيحة الى فرصة لتعزيز رصيده الشعبي والانتخابي، وشهادة على ممارسته ديمقراطية للسلطة.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل