دولياتسياسة

استقالة الحكومة الفرنسية تفجر أزمة سياسية مفتوحة ..فما هي التداعيات والسناريوهات ؟

 

الحوارنيوز – خاص

بعد أقل من 24 ساعة على تشكيل الحكومة الفرنسية التي واجهت إنتقادات واسعة ،قدّم رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو استقالته صباح اليوم الاثنين،ما يفتح الباب أمام أزمة سياسية غير مسبوقة في فرنسا.  

وجاءت هذه التطورات في وقت حساس للأسواق الأوروبية، حيث ينظر المستثمرون إلى الاستقالة كإشارة على هشاشة المشهد السياسي في فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.كما تفتح الباب أمام تداعيات عدة على الصعيد السياسي، المالي والمؤسسي.  

 ولعل أبرز هذه التداعيات في تقدير المراقبين:

1-فراغ مؤقت في السلطة التنفيذية الفاعلة. فبعد استقالة رئيس الوزراء وحكومته، تُصبح الحكومة في صيغة تصريف الأعمال (caretaker government) . و في هذا الوضع، يمكنها إدارة المسائل الروتينية والطارئة فقط، لكن لا تستطيع اتخاذ قرارات سياسية كبيرة أو تغييرات هيكلية.

2-تأخير في إقرار الميزانية لعام 2026.فالحكومة الجديدة لم تُعدّ بعد مشروع ميزانية، والموعد القانوني لتقديمه يوشك أن ينقضي. وفي غياب مشروع ميزانية جديد، قد تضطر فرنسا إلى اعتماد قانون طارئ لتجديد الإنفاق وإبقاء مستويات 2025 فعالة مؤقتًا، دون تعديل يراعي التضخم أو أولويات جديدة.

3-ضغط على التصنيف الائتماني وارتفاع تكلفة الاقتراض. فالسياسة غير المستقرة تثير قلق وكالات التصنيف بشأن قدرة فرنسا على الوفاء بالتزاماتها المالية والإصلاحات المطلوبة. وبالفعل تم تحذير فرنسا من مراجعة في التصنيف الائتماني بعد استقالة الحكومة الحالية.

4- خطر الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.فإذا استمر الجمود بين المجموعات البرلمانية ولم يتمكن الرئيس من تسمية حكومة تحظى بدعم كافٍ، فقد يلجأ إلى حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات مبكرة. لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، لأنه قد يطيل فترة الانسداد السياسي بشكل أكبر.

5- فقدان الثقة السياسية وتراجع صورة الحكومة والرئاسة.
فتكرار الاستقالات والتغيرات المتعددة في المناصب العليا يُضعف الثقة بين الجمهور في الاستقرار السياسي، ويُستخدم كذريعة من المعارضة لتوجيه الانتقادات إلى الرئيس واتهامه بالفشل في إدارة الحكم.

6- صعوبة تنفيذ إصلاحات هيكلية..في وضع سياسي هش، أي حكومة جديدة ستجد صعوبة في تمرير إصلاحات كبيرة، سواء في النظام الضريبي أو سوق العمل أو الإنفاق العام، لأن المعارضة وأحيانًا حتى أن الشركاء المحتملين سيكونون حذرين من المشاركة في حكومة قد تصطدم بمعارضة قوية في البرلمان.

السيناريوهات المحتملة

ويبقى السؤال ،كيف الخروج من هذه الأزمة ؟

بحسب الخبراء الدستوريين والقانونيين هناك ثلاثة إحتمالات ،لكل منها تداعياته وهي: إستقالة الرئيس ماكرون والدعوة لانتخابات رئاسية (وهو أمر مستبعد) أو السعي إلى تشكيل حكومة جديدة ،أو حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة بعد مضي سنة على آخر انتخابات برلمانية.

إلا أن السناريوهات المطروحة يمكن تلخيصها كالآتي:

   السيناريو السياسي عبر تشكيل حكومة جديدة

  • تعيين رئيس وزراء توافقي (السيناريو المرجّح حاليًا) حيث يسعى الرئيس ماكرون إلى اختيار شخصية وسطية أو تكنوقراطية تحظى بقبول من عدة كتل برلمانية (اليمين المعتدل واليسار الجمهوري) وذلك بهدف تجنب التصويت بحجب الثقة في البرلمان وضمان تمرير الموازنة. ومن الأسماء المتداولة لهذا الخيار شخصيات من خلفيات إدارية أو وزراء سابقون ذوو علاقة وثيقة بالإليزيه.والنتيجة المتوقعة لهذا الخيار حكومة ضعيفة برلمانياً لكن مستقرة مؤقتاً حتى صيف 2026.

 

  • تشكيل حكومة أقلية برئاسة أحد المقربين من ماكرون يعتمد فيها الرئيس على صلاحياته الدستورية لتعيين رئيس حكومة حتى دون أغلبية صريحة. لكنها ستكون تحت رحمة البرلمان، إذ يمكن إسقاطها بسهولة عبر حجب الثقة.والنتيجة: استمرار حالة الشلل السياسي وتعطيل التشريعات الكبرى.

 

 

  • حكومة وحدة وطنية أو ائتلاف عريض،وهو خيار طرحه بعض قادة المعارضة المعتدلة لتفادي الانتخابات المبكرة.حكومة قد تشمل شخصيات من الحزب الاشتراكي، الجمهوريين، وربما “البيئيين”.
  • لكن هذا الخيار يواجه رفضاً من أقصى اليمين (حزب مارين لوبن) وأقصى اليسار (ميلونشون).

  

  السيناريو الدستوري عبر انتخابات تشريعية مبكرة

إذا فشل ماكرون في تشكيل حكومة تحظى بالثقة فليس أمامه سوى حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات جديدة.ويحق للرئيس حل البرلمان بعد مرور عام على الانتخابات الأخيرة (وهو زمن قد تحقق الآن).

لكن هذا المسار محفوف بالمخاطر، لأن استطلاعات الرأي تظهر تفوق اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن وتحالف  التجمع الوطني .وقد تؤدي الانتخابات إلى تعايش قسري (cohabitation) بين ماكرون ورئيس وزراء من المعارضة.

 

    السيناريو الاقتصادي عبراستمرار حكومة تصريف الأعمال.

وهذا يقتضي  الاستمرار في وضع تصريف الأعمال لأشهر.ففي حال تأخّر التوافق السياسي، تبقى الحكومة المستقيلة تدير الشؤون اليومية فقط. وهذا يعني:

    • تجميد مشاريع القوانين الكبرى.
    • صعوبة تمرير الميزانية.
    • إرباك في الأسواق المالية الأوروبية.
  • قد ينعكس ذلك سلباً على اليورو وعلى تصنيف فرنسا الائتماني، ما يرفع كلفة الاقتراض.

 وعلى الرغم من تداعيات هذا السيناريو فإن بعض المراقبين يرجحونه في الوقت الراهن .

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى