استحقاق لبنان: طرب وسباق مع الفلوكة(ريما فرح)
بقلم د.ريما فرح – عن موقع الميادين
بانتظار وقت الفراغ لدى واشنطن والرياض، يكتظّ لبنان بالمهرجانات والمناحرات السياسية والمزايدات الوطنية والاجتهادات الدستورية، وكلها لا تستند إلى جدية أو قرار.
إنشغِلوا أيها اللبنانيون، وأبحروا عند شواطئ المتوسط الشرقية، وانصرفوا إلى الطرب مع عمرو دياب وتامر حسني ومع الفنانين المصريين الرائعين؛ ففي مصر حالة اقتصادية صعبة إلى حد ما، أدّت إلى هجرة صيفية نحو بلد مدمر مؤسساتياً ومالياً وسياسياً؛ ففي لبنان لبنانيون غفورون معجونون بنعمة النسيان. إنه شعب غفور. هكذا يصفه المبدع زياد الرحباني.
هذا التوصيف القريب إلى الحقيقة لا يتفق كثيرون حوله، وخصوصاً أولئك الذين تصادفهم في المطاعم والملاهي وغيرها، سواء الذين نزلوا إلى الشارع وأرادوا الوقوف في وجه “المنظومة” ومشتقاتها أو الذين قاطعوا الانتخابات النيابية أو هربوا نحو بديلٍ، ظناً منهم أنهم يراهنون على دم جديد.
هم أنفسهم يتمسكون اليوم بالحياة، ويؤمنون بلبنان رغم كل الظروف، وهم الذين هاجروا منذ سنتين، ثم عادوا واختاروا وطنهم الأول والأخير، رغم فوضاه وشح مياهه وانقطاع كهربائه وغلاء أسعاره وتشتت سلطاته. أي بلد ينتج الموت والتناحر والخلافات والاختلافات وينتج الحياة؟
صيف لبنان عامر بمغتربيه وسياحه بعكس الحلول. تفنيد الأزمة الكبرى يبدأ أولاً من الخارج. فرنسا سمعت من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن المملكة غير مهتمة بالملف اللبناني. أروقة القرار الأميركية تتحدث بصراحة أمام سائليها عن أن لبنان خارج أجندتها حالياً، وأنه لم يعد يُشكلّ مركزاً أمامياً بعد التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده الدول العربية. يبقى لبنان حصراً ورقة مهمة لها عند الضرورة الإسرائيلية، كموقع حساس لجواره مع فلسطين المحتلة.
في المسعى الفرنسي الإيراني، لا تملك طهران العصا السحرية وحدها، فهي تحتاج الى مشاركة إقليمية ودولية، وإلى توافق لبناني لانتخاب رئيس للجمهورية على الأقل، وهذا مفقود تماماً. أما فرنسا، فحتى اليوم، ومنذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2023، لم تستطع إحداث أي خرق، رغم زيارة رئيسها إيمانويل ماكرون للبنان مرتين متتاليتين.
لقد حاولت باريس تسويق أو تأييد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، لكنها فشلت في فتح ثغرة حوار مع “مسيحيي لبنان”. يقول أحد الدبلوماسيين السابقين إن التأثير الدولي أو الإقليمي دائم الحضور تاريخياً في لبنان، فلماذا يتغيّر اليوم؟ لكن ما هو حاصل أن سطوة ومونة الساعي والمهتم هو الفرنسي، الذي لا يمتلك اليوم القدرة والنفوذ اللازم للتأثير المطلوب… فماذا يحصل إذا رفض المسيحيون مبادرة فرنسا؟
لا شيء!! فهم لن يخشوا العقوبات ولا تجميد الأموال ولا الدعم السياسي، فالكلمة السواء تكون للأقوى نفوذاً وفعلاً، وهو متوفر في الجهتين الأميركية والسعودية اللتين تستبعدان لبنان عن طاولة التسويات.
بانتظار وقت الفراغ لدى واشنطن والرياض، يكتظّ لبنان بالمهرجانات والمناحرات السياسية والمزايدات الوطنية والاجتهادات الدستورية، وكلها لا تستند إلى جدية أو قرار. مضيعة وقت وسط نزيف يومي ومزيد من الشغور. شغور في الرئاسة، وحكومة تصريف أعمال بمقاطعة مسيحية، وتعطيل للجلسات التشريعية، وشغور مقبل في أواخر السنة الحالية للمواقع العسكرية والأمنية، وقبله فراغ في موقع حاكمية مصرف لبنان الذي تنتهي ولاية حاكمه على مدى 30 عاماً، رياض سلامة، مع نهاية شهر تموز/يوليو الحالي، وتهديد مسبق باستقالة نوابه الأربعة من دون أن نعرف المخرج أو الإخراج…
زوبعة مالية – اقتصادية وتقارير لمؤسسات دولية تعرض واقع الحال المزري. كم نسبة من هم على خط الفقر! وكم نسبة الفئة التي تجاوزت هذا الخط!
المسيحيون يرفضون سليمان فرنجية لأنه مرشح محور “الممانعة”. ألم يكن ميشال عون حليف “الممانعة” أو حزب الله تحديداً؟ كيف ارتضوا به؟ وكيف نجح بغطاء منهم في الوصول إلى الرئاسة الأولى؟ سنتان ونصف سنة قبل انتخاب عون رئيساً، لماذا كانت جلسات تشريع الضرورة مباحة؟ ولماذا هي محظورة اليوم؟
في باطن الأمور، ثمة حقيقتان؛ الأولى أن كلمة السر لم تأتِ بعد، معطوفة على التسوية غير المنجزة، وأن الخارج غير مستعجل.
أما الثانية، فهي أن سليمان فرنجية يبقى المرشح الجدي حتى الساعة، والأصوات الـ51 التي نالها من مريديه جاءت نتيجة قناعة وخيار. أما المرشح الآخر جهاد أزعور الذي نال 59 صوتاً، فكانت غالبية أصواته مشتتة لا جامع لها إلا إسقاط فرنجية فقط وإخراجه من الحلبة، والدليل على ذلك تنصل غالبية ناخبي الخصم من ماضيه، وإرباك في الدفاع عن خياراتها…
هي معركة وطن على وقع طرب أصيل وصيف راقص وسباق فلوكة (مركب صيد أسماك صغير وبدائي) على أمل إنجاز استحقاقات يخرج منها من ينجو إلى نور الصحوة مع الحفاظ على ما تبقى من دولة ومؤسسات ووحدة وتجدد. وإلى ذلك الحين، كم من الأثمان ستدفع!