ارتِهانٌ سِياسِيٌّ وخَرابٌّ دِيمُقراطِيٌّ وغَشاوَةٌ وَطَنِيَّةٌ “على عَيْنِكَ يا تاجِر”!(د.وجيه فانوس)
بقلم الدكتور وجيه فانوس*
سَقَطَ كلُّ مفهومٍ عِلْمِيٍّ مَوْضُوعِيٍّ للدِّيمُقراطِيَّةِ، وتهاوَت مَعهُ آخِرُ قَشَّةٍ بَقِيَتْ مِن مَظاهرِ إدارةِ الدَّولةِ الحديثةِ؛ كَما حَلِمَ بِها فخامةُ الرَّئيس اللّواء فؤاد شهاب، وكرَّسَ وجودَه لِجعلها واقعًا في لبنان؛ وانهمكَ في سبيلها إلى أعماقِ ما في العُمق، بإنشاءِ “مجلسِ الخدمةِ المدنيَّة”.
لَمْ يَكُن هذا في مسرحيَّةٍ عبثيَّةٍ حاقدةٍ على لبنانَ؛ أرادَ مؤلِّفها، بالتّعاونِ الرَّخيصِ والمّشبوهِ، مع مخرجِها وطاقمِ الممثِّلينَ فيها، إظهارَ كلِّ ما عندهم مِن عداوةٍ وحِقدٍ وامتهانٍ لأيِّ نجاحٍ يمكن أن يحقِّقه هذا اللّبنان، الذي اعتُبرَ ذاتَ مَرَّةٍ “سويسرا الشَّرق”؛ ورأى فِيهِ، ابنُهُ، عُمَر فاخوري، أنَّ “صِغَره في رقعة الأَرض وفي زحمة التَّاريخ حافزٌ لشعبه إِلى الأَخذ بضروب العظَمة والسمُوّ والتوسُّع يكفي بها طُموح ذاته ويَسُد عَوَزَها”.
ولَمْ يكن لهذا الحّدّثِ أن يحصلَ، أيضًا، في أحد الأزقّة القميئةِ الضَّيِّقةِ التي يرتعُ في بعض حناياها مهرِّبون جهلة، ويقبعُ فيها حشّاشون أدمنوا عماء رؤية حقيقة وجودهم الإنساني، ويعيثُ فيها فسادًا أوباشٌ رعاعٌ مِمَّن ضربوا صَفحًا عن أيِّ وعيٍ لمسؤوليّاتهم الوطنيّة تجاه ذواتهم وعائلاتهم وبيئاتهم الاجتماعيَّة.
واقعُ الحالِ إِنَّ الأمر حصل، وبكلِّ بساطةٍ ووضوحٍ وتأكيدٍ، وعلى مرآى مِن ملايين النَّاس وسَمَعِهِم، في لبنان والعالم؛ وما يزيدُ في طينِ بُؤسِ ما حصلَ بِلَّةً، أنّ الأمرَ برمَّتِهِ حصلَ عَبْرَ تصريحٍ علنيٍّ مسؤولٍ مِن قِبَلِ وزيرٍ، كانت ابتسامةُ الثِّقةِ تحتلُّ شفتيه بقوَّةٍ؛ كما كانَ الفَخْرُ، بما كانَ يُصرِّحُ بهِ، يملأُ كلامه زهوًا وشجوًا.
كان جُلُّ اهتمامُ الوزيرِ أن يُطَمْئِنَ مُحَدِّثَتُهُ، في الاستديو التّلفزيونيِّ، الذي كانا فيه إِبَّانَ بثِّ مقابلةٍ إِعلامِيَّةٍ مُقَرَّرَةٍ لهُ مَعَها، أنَّ التَّعيِّنات العتيدة للسُّفراءِ اللّبنانيينَ في الخارجِ، قد راعت، ومنذُ بدايةِ البحثِ فيها والسَّيرِ في مَناكِبِ شُؤونِها وخَفايا شجونِها، حصَّةً مُخصَّصَةً لِدَوْلَةِ رئيسِ مجلسِ النُّوَّابِ؛ وأنَّ مراعاةً مُشابِهَةً قد أَلَمَّت بِحُصَّةٍ خاصَّةٍ، كذلك، لِمقامِ رئاسَةِ الجُمهوريَّةِ.
وَلَمْ يَفُتْ الوزيرَ أنْ يَضُمَّ إلى تصريحِهِ التَّطمينيِّ والإعلاميِّ هذا، باقةً جَزْلَى مِن ابتساماتِ الحُبورِ مَصحوبَةً بِضحكَةِ ذلكَ الواثقِ أَبَدَاً؛ الذي يَمْشي مَلكًا إلى حُسنِ أدائِهِ لِمَسؤوليَّاتِهِ الوزارِيَّةِ، السِّياسيَّةِ منها والإداريَّةِ، التي أنيطت به وطنيًّا. طبعًا، فإنَّ الوزيرَ لَن يَنسْى أنَّهُ عُضوٌ في حُكُومَةِ مُسْتَقلِّينَ؛ لا تَبَعِيَّةَ، على الإطلاقِ، لأيٍ مِن أعضائِها، بأيِّ جهةٍ سياسيَّةٍ؛ وأنَّ تشكيلَ هذهِ الحكومة، بهذهِ المواصفاتِ المُعلَنَةُ عن حيادِ أعضائِها، استغرقَ زهاءَ سنة مِن تاريخِ لبنانَ المُعاصِر، وكانَ لا بُدَّ لِهذا الانتظار مِن أنْ يُكَبِّدَ الدَّولةَ والشَّعبَ والوجودَ الوطنيَّ العامَّ خسائِرَ جَسيمةً.
أحمدُ اللَهَ، سِرًّا وعلنًّا، أنَّ فَخامَةَ الرَّئيسِ اللِّواءِ فؤاد شهاب، قَد ماتَ يَوْمَ ٢٥ نيسان سنة ١٩٧٣؛ كَما أنَّ، عُمر فاخوري، الأديبُ المثقَّفُ، الحامَلُ هُمومَ الشَّعبِ والحالمُ بِوَطَنٍ يَنتَشِرُ على مَساحةِ فضاءاتِ الكَونِ، قد سَبَقَهُ إلى المَوْتِ بِيَوْمٍ واحدٍ فَقَط، ولكِن قَبْلَ سَبْعٍ وعِشرينَ سَنَةٍ، في ٢٤ نيسان ١٩٤٦؛ وأنَّ أيَّ واحِدٍ مِنهُما لَمْ يكنْ لهُ أيَّ نَصِيبٍ في مُشاهَدَةِ هذهِ المُقابَلَةِ.
يَقُولُ الله تَعالى، وهوَ الحاكِمُ الحكيمُ العادِلُ الحَقُّ، في القُرآنِ الكَريمِ، في الآيةِ السَّابِعَةِ مِن سُورةِ “البَقَرَة”، {خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰٓ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَٰوَةٌ}؛ وَلِلْعِلْمِ، فإنَّ لِهذهِ الآيةِ المُبارَكَةِ بَقِيَّةٌ، تَنْتَظِرُ مَن يَرجٍعَ إِلَيْها.
*رئيس ندوة العمل الوطني