اختصار جلجلة الشغور: تشاور ثم انتخاب؟
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام في صحيفة اللواء يقول:
لم يعد بإمكان لبنان الرسمي والسياسي، أن يتجاهل مخاطر التطورات المتلاحقة في المنطقة، سواء في إستمرار الحرب على غزة، وإقدام نتانياهو على أقتحام رفح، رغم كل التحذيرات الأميركية والغربية، أو بالنسبة للتصعيد النوعي للمواجهة الساخنة في الجنوب، والتي بدأت جغرافيتها تمتد إلى العمق البقاعي، بعد إستهداف بعلبك ومحيطها، وبلدات أخرى بغارات عدة.
لقد أثبتت الوقائع أن محاولات وضع الرأس في الرمال، أوالتلهي بالخلافات الأنانية، أو التهرُّب من مواجهة الأزمات الإقتصادية، والمعضلات الإجتماعية، ليست مضيعة للوقت، وهدراً للفرص السانحة وحسب، بل وإيضاً ترك فيروسات الأزمات تتناسل وتتراكم، في مستنقعات العجز والفشل والإنقسامات السياسية، التي لا ترحم معاناة البلاد والعباد.
وأكدت التجارب المريرة التي دفع اللبنانيون ثمنها غالياً، أن المعاندة والمكاسرة في السياسة الداخلية، تزيد الأمور تعقيداً، وتضاعف المسافات والتناقضات في المواقف، وأن لا سبيل في الحفاظ على الأمن والإستقرار، ودعم السلطة الشرعية في مختلف المجالات، سوى العودة إلى الدولة، الحاضنة لجميع اللبنانيين، على إختلاف طوائفهم، وفي مختلف مناطقهم، والتي تبقى الفيصل بين الجميع، على أسس واضحة من العدالة والمساواة.
وفي زمن الإفلاس السياسي، والقحط في طرح مبادرات الحلول الخلاّقة، والتي أدت إلى هذا الشغور المتمادي في رئاسة الجمهورية، وإبقاء الدولة بلا رأس، وإنعكاسات ذلك على حالة الشلل والتسيُّب والضياع في السلطة، وتعطيل المؤسسات الدستورية عن القيام بمهماتها في حفظ الإنتظام العام، وتسيير شؤون هذا الشعب المغلوب على أمره، برزت جلستان نيابيّتان، شكلتا مخرجاً لحالة الجمود القاتلة، والقطيعة المستحكمة في علاقات الأطراف الحزبية والسياسية.
الجلسة الأولى في كانون الأول الماضي، والتي تم فيها التمديد لقائد الجيش ومديرعام قوى الأمن الداخلي، بعد حلقات تشاور بين الكتل النيابية، وإتصالات بين القيادات السياسية، حيث تم التفاهم على تلك الخطوة، بعد جولات من المزايدات والخطابات الشعبوية، كادت تطيح بتماسك المؤسسات الأمنية الرئيسية، في حال حصول فراغ في منصب قائد الجيش بالذات. وهذا يعني أن التشاور بين الأطراف السياسية أعطى ثماره، وأنقذ البلد من ورطة إضافية.
الجلسة الثانية في الشهر الحالي، حيث أجمعت الكتل النيابية والأطراف الحزبية، على إقرار التوصيَّتين بخصوص تنظيم الوجود السوري في لبنان، والحد من إقامة النازحين غير الشرعيين، وضرورة البحث مع الحكومة السورية ومفوضية اللاجئين في سبل تسهيل عودة العائلات السورية النازحة في لبنان إلى بلدها، وتوفير المساعدات الممكنة لتيسير هذه العودة، فضلاً عن الإجراءات الأمنية التي بدأت وزارة الداخلية تنفيذها على أرض الواقع، لإبعاد المتسللين غير الشرعيين، وقمع المخالفات في الأسواق والأحياء.
“الإنجازان” تحققا بإجماع داخلي نادر، نتيجة حلقات تشاور ونقاش بين الأطراف النيابية والسياسية مباشرة، متجاوزين بذلك خنادق القطيعة بين القيادات السياسية والحزبية، وواضعين الخلافات التقليدية جانباً.
والسؤال الذي من حق كل لبناني أن يوجهه إلى زعمائه ونوابه وأهل الحل والربط، في بيئته: لماذا لا نكرر تجارب التشاور الناجحة، والتي أسفرت عن قرارات إنقاذية واضحة في ملفات معقدة وحساسة، ما كان لها أن تُبصر النور، لولا تلك المشاورات التي سبقتها، وأدت إلى تدوير الزوايا، والتوصل إلى صِيغ تحظى بإجماع المتناقضين.
لم يعد خافياً أن الخماسية تُشجع التواصل المباشر بين الأطراف السياسية، بمعزل عن خلافاتهم المُزمنة والمُعقدة، بهدف التشاور وبذل الجهود اللازمة لإخراج الإستحقاق الرئاسي من حلقة التعطيل الخانقة، والتوافق على آلية الإنتخابات، وخاصة إلتزام الجميع بعدم تطيير النصاب في الجلسات الإنتخابية.
وربط الإنتخابات الرئاسية بانتهاء الحرب في غزة لا يراعي المصالح اللبنانية العليا، وفي مقدمتها إنقاذ ما تبقى من مقومات الدولة، والعودة إلى الحياة الدستورية الصحيحة والصحيّة. بل قد يخدم هذا الربط من يحاول توظيف حرب غزة وتداعياتها الجنوبية في المعادلة الداخلية، وعدم مراعاة ضرورات إصلاح الخلل الحاصل نتيجة القطيعة الحالية، وما تقتضيه التفاهمات الداخلية من تواصل وتشاور، بعيداً عن التحديات والتشجنات الراهنة.
لقد أعاد بيان السفيرين السعودي والمصري الإعتبار لمبادرة الرئيس نبيه برّي، والقاضية بإجراء حوار بين الكتل النيابية والقيادات السياسية لإسبوع كحد أقصى، ثم الذهاب إلى جلسات متتالية ومفتوحة لإنتخاب الرئيس العتيد.
بيان السفيرين البخاري وموسى دعا النواب إلى الذهاب لإنتخاب رئيس، بعد التشاور للتفاهم على مرشح إجماع، وإلا تجري الإنتخابات الرئاسية بين أكثر من مرشح، في أجواء من التنافس الديموقراطي.
فهل من يسمع..، ويختصر جلجلة الشغور الرئاسي، ويعمل على الحد من معاناة البلاد، وتخفيف آلام العباد؟