إيطاليا تودع أيزيو بوسو:الموسيقي الذي رحل قبل أن يعانق شجرة!
هدى سويد ـ إيطاليا
"لأن الموسيقى لا تهوى السلطة " كما رّدد مرارا ، فإنها لن تنسى كما أن محبيه لن ينسوا ،اللحظات الأخيرة ولا السنين الحافلة بالإبداع لعاشقها أيزيو بوسو ، الذي غادرها باكرا البارحة عن عمر لا يتجاوز ال48 عاما في مدينة بولونيا التي انتقل إليها من مسقط رأسه ( مواليد تورينو 13 سبتمبر 1971) منذ سنين .
شغفته الموسيقى ولم يتجاوز الأربع سنوات .وقبل أن يتعرف على الحروف الأبجدية عزف البيانو متأثرا بشقيقه ، حالما بإدارة فرقة أوبرالية منذ أن بدأ يجول بعمر 16 عاما على فرق أوركسترالية في أوروبا ، متعرفا عليها وبادئا في ترسيخ علاقة فنية معها . درس في الكونسرفاتوار عاملا في بداية مشواره الموسيقي في أكثر من فرقة . درس الموسيقى في اليابان وفرنسا ، ليذيع اسمه فيما بعد تدريجيا تاركا أكثر من ألبوم بعد أن أصبح عازف بيانو ذو شهرة عالمية . مؤلف موسيقي ترك توقيعه بين أسماء الكبار ، وقائد لأوركسترا . إبداعات محلية وعالمية على مستوى المسرح والسينما . استعين بأعماله الموسيقية في أكثر من أوبرا بين نيويورك ، لندن وموسكو ك "الأوبرا الملكية " ،"سيتي باليه" ومسرح "البولشوي" .. ناهيك أنه شغل منذ العام 2017 إدارة مسرح جوزيبي فيردي في ترياستي .
حقق أحلام طفولته وشبابه، لكن كان لديه أكثر وهو الذي شغفته الموسيقى كما الحياة واستمر في شغفه رغم خضوعه عام 2011 لإجراء عملية جراحية في رأسه من جرّاء إصابته بداء السرطان، واكتشف الأطباء خلالها انه تعرض لمرض ألمّ بعصب في الرأس مما جعله عاجزا عن النطق السليم والمرونة في حركة أصابعه ، لذا توقف عن عزف البيانو عام 2019 ، لكنه استمر في شغفه الموسيقي بقيادة فرقته الأوركسترالية الرائعة " الموسيقى سلوى وعزاء الألم" ، يديرها فنان لا يشبه أحدا ممن اعتدنا عليه في إدارة الفرق، يجمع ما بين الكلمة الحساسة التي إن نطق بها تحولت شعرا ، وحركة جسده التي تميل دون توقف وتعابير وجهه السابحة في فضاء موسيقي " تُعلمنا الموسيقى أهم مسألة موجودة ألا وهي الإنصات " ، ينقلنا إليها ومع شفافيته وينقل معه العازفين في فرقته بعصاه السحرّية دون أن يستعين بقراءة نص موسيقي ، وهذا أيضا ما ينفرد به عن الآخرين ، ما يستدعي استرجاع عبارة له في هذا الصدد ، هو الذي لا يفصل الواحدة عن الأخرى متلازمتين دوما في فلسفته " عندما أحرّك يدي أشعر كم هي الموسيقى حياة جميلة ".
هل كان سعيدا ؟
رد مرة :"ليس بوسعي القول أني سعيد ، إنما يمكنني القول أني أحتفظ بلحظات ضيقة للفرح ".
تركت مغادرته صدمة في إيطاليا بعدما استفحل مرضه، فهو إنسان ملؤه الحياة والإبداع ، تنسى الكرسي الجالس عليها عندما يدير السمفونيات وعشرات العازفين . قبيل أيام كانت له كلمات أخيرة وهو ينتظر نهاية وباء الكورونا المستجدة: "أنتظر نهايته كي أستلقي معرّضا جسدي لأشعة الشمس، وأول ما سأفعله عند خروجي من البيت معانقة شجرة !"
يبقى أيزيو بوسو.لن يرحل موسيقي علّم الموسيقى الشعر ، لأن الصمت كما يقول " له صوت ، آخر نوتة لا وجود لها لأنها عندما تعزفها آلة موسيقية تنقلك إلى نوتة أخرى !"