ثقافةكتاب

إيران- مصر: مقاربات مستقبليّة

 

عرض سلوى فاضل –  الحوار نيوز

وسط أنباء عن قرب إعادة افتتاح سفارة تهران في القاهرة يتجدّد الحديث عن العلاقات الإيرانية-المصرية التي إلتهبت منذ ما قبل “كامب ديفيد” بكثير، أي منذ حكم الشاه، نظرا لعلاقته الجيدة جدا مع واشنطن، والتي كانت على العكس منها علاقة مصر مع واشنطن خلال حكم جمال عبدالناصر، وما إن خُلع الشاه وحلّ النظام الإيراني الإسلامي، المُعادي للغرب، وللنظام الأميركي بالتحديد، حتى إنقلب الحكم في مصر فبات مؤيدا لإسرائيل ولـ”كامب ديفيد” الشهيرة.

هذا التبدّل والتحوّل المتعاكس لدى الحكومتين جعل العلاقة في توتر دائم، إلى أن وصل محمد مرسي “الإخواني”، الذي لم تسلم سياسة تهران من سهامه، رغم حاجته لحليف قوي له، وهو الذي كان يُراعي الدول الخليجية الداعمة للإخوان المسلمين بوجه السلفية الوهابيّة، التي ظلّت وراءه حتى انتقل سريعا إلى السجن وتوفي فيه،وهو صورة مصغّرة جدا عن العلاقات المصرية-الإيرانية الحديثة، هذا إن لم ننتقل إلى التاريخ المُوغل في القدم، والذي يُعيدنا إلى “قمبيز” الذي دخل مصر عام (525 ق.م)

 

التوافق الشعبي

 

كانت وما زالت إيران ومصر مركزين مهمين من مراكز الحضارة في تاريخ البشرية، وقد لعبتا دوراً مهماً في التقدّم الحضاري والتطور الإنساني، وقد أبدى كل من الشعبين المصري والإيراني رغبة واضحة في بناء العلاقات بينهما، مذ كانا مهداً للحضارة وحتى عصرنا هذا، على الرغم من منع السلطات عبر التاريخ من قيام هذه العلاقة في بعض المحطات نتيجة الشعور بالتنافس والصراع بين الحكّام، إلا أن ذلك لم يمنع من التواصل وتحسين العلاقة في مراحل معينة.

إنّ دراسة التاريخ المُشترك لكل من تهران والقاهرة، خاصة في مرحلة ما بعد الإسلام، تكشف للباحث عن الصلات العميقة التي تربط بينهما ماضيّا وحاضرا. ويؤكد تعدد الصلات ووثاقتها اشتراكهما في عدد من المواقف حول عدد من القضايا الإقليمية.

أما الشعبان المصري والإيراني، فما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرّقهما ،سواء موقفهما من الكيان الإسرائيلي الغاصب أو غيره من المُشتركات المرتبطة بالمصالح الإقتصادية، إضافة إلى الحكم الفاطمي الذي هو حكم ميّال لآل بيت النبوة، أي قريب دينيّا من الحكمين الصفوي والقاجاري اللذين سادا في إيران طويلا ولعقود، وإن كان الصراع الأموي في أوجه.

 

نظرة إلى المستقبل

 

يُعالج هذا الكتاب الكبير “إيران-مصر: مقاربات مستقبلية” (414 صفحة) تاريخ العلاقة بين تهران والقاهرة، من خلال إلقاء نظرة على الماضي للانطلاق نحو المستقبل وتخطيّ العوائق، لما لذلك من أثر على وضوح الرؤية فيما يخصّ العلاقات المستقبلية.

 

الفصول

 

يضم كتاب “إيران-مصر: مقاربات مستقبلية” بين دفتيه 12 فصلا، وكل فصل مستقل عن الآخر.

الأول: الأبعاد التاريخية والثقافية في العلاقات الإيرانية-المصرية، بقلم السيد هادي خسروشاهي.

الثاني: العلاقات الإيرانية-المصرية والنظام الدولي المعاصر، بقلم الدكتور حميد أحمدي.

الثالث: جوانب من الصلات الثقافيّة بين مصر وإيران، بقلم الأستاذ الدكتور محمد نورالدين عبدالمنعم.

الرابع: المؤثرات الثقافية في العلاقات المصرية-الإيرانية، بقلم محمد عباس ناجي.

الخامس: العلاقات الإقتصادية المصرية-الإيرانية للكاتب ممدوح الولي.

السادس: الواقع والمعوّقات في العلاقات الإقتصادية بين مصر وإيران، بقلم مجدي رياض.

السابع: العلاقات المصرية-الإيرانية: تطبيع القطيعة، بقلم بشير عبدالفتاح.

الثامن: البعد الإقليمي في تأزيم العلاقات المصرية-الإيرانية، للدكتور السيد عوض عثمان.

التاسع: ترشيد الخطاب الإعلامي والسياسي والمذهبي، للكاتب ممدوح الشيخ.

العاشر: العلاقات المصرية-الإيرانية: متغيّرات الخطاب في 10 سنوات، للكاتب جورج المصري.

الحادي عشر: العلاقات المصرية-الإيرانية: مستقبل التعاون العسكري، بقلم اللواء الدكتور محمد جمال مظلوم.

الثاني عشر: العلاقات الإيرانية -المصرية بين تحديات وفرص المُحدد الطائفي، بقلم الدكتور محمد السعيد إدريس.

توفيق شومان

لا بد ما الإشادة بجهود الباحث اللبناني توفيق شومان في اختيار عناوين الأبحاث التي تضمنها الكتاب، وهذا يُدلل على الوسيط اللبناني الثقافي المهم بين البلدين، خاصة أن الكتاب صادر عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” تحت عنوان “سلسلة الدراسات الإيرانية-العربية”.

واللافت أنّه من بين كتّاب الأبحاث الإثني عشر ليس هناك سوى شخصية إيرانية واحدة مُشاركة، في حين أنّ الفصول الإحد عشر الباقية كتبها وأعدّها كُتّاب عرب ومصريون.

ومن المُلفت أيضا أنّ العديد من الشخصيات اللبنانية الدينية لعبت دورا مهما في سبيل ترميم العلاقة المصرية-الإيرانية خلال حكم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وما قبله بفترات وما بعده أيضا خلال تسلم الرئيس محمود أحمدي نجاد الحكم لفترتين رئاسيتين.

 

التوتر والاتفاق

 

تنّقلت العلاقة المصرية-الإيرانية بين الاتفاق والاختلاف، وذلك بحسب سياسة الحلفاء والأصدقاء: الأميركي والسوفياتي وقبلهما تاريخيا العثماني والصفوي… حيث لعبت المحاور الدولية دورا بارزا في رسم هذه العلاقة، وقد استعرت المحاور والتشنجات مع المد القوميّ بين شعوب البلدين الكبيرين الإقليميين، إضافة الى الصراع الحضاري لكل منهما كونهما كانتا مركزين مهمين من مراكز الحضارة البشرية، والتي لا تزال تتميّز كل واحدة منهما باستعراض هذه الحضارة المُوغلة في التاريخ. وكانت تتسم بسمات الصراع المذهبي الذي كانت مصر بعيدة عنه نسبيا بسبب التاريخ الفاطمي لمصر السمح تجاه الشيعة الإثني عشرية بشكل عام.

 

الخطاب الإعلامي

 

تفضح دعوات الترشيد للخطاب الإعلامي الخلاف المذهبي بين المسلمين أنفسهم بحسب ممدوح الشيخ، وهو كاتب وباحث مصري، يُدين الكتابات التحريضية والدراسات المحرّضة.

ويلفت حازم غراب في كتابه “صورة إيران في محيطها العربي” إلى أن تقديم إيران لنفسها على أنها إيران الثورة التي أطاحت بالشاه تُثير في نفوس العرب المقموعين الكثير من الفوقية، اضافة إلى تقديم نفسها كدولة أحيت الإسلام ودعمت الثورة الفلسطينية، ولا ينسى المواطن العربي أن الجمهورية الناشئة لم تتوقف يوما عن الممارسة الديموقراطية عبر الانتخابات البرلمانية والبلدية بانتظام، وردا على هذه الانتصارات الإيرانية وقف العرب مع الأنظمة التي حاصرت الجمهورية الناشئة كالعراق.

ولا يمكن للمهتم أن ينسى الخلاف المذهبي بين النظامين الإقليميين، لكن رغم ذلك عمدت تهران إلى التقرّب من التيارات الإسلامية المصرية وخاصة الإخوان المسلمين.

ورغم اندفاعة النظام الإسلامي الجديد باتجاه العرب والحكومات العربية إلاّ أن الأنظمة العربية نظرت بتحفظ وخوف من هذا النظام الانقلابي الثائر، فلم تبادل مصر تهران أي حيوية إعلامية، بل تعاملت معها بخوف وقلق ربما من انتقال العدوى.

وكانت الساحة اللبنانية هي الساحة الإعلامية المواجهة للقاهرة العريقة باعلامها والتي اختارت تهران اللعب فيها. فكانت الاصدارات الدينية التي تخرج من لبنان ردا على اصدارات القاهرة قوية جدا في ظل انتشار الكتب المذهبية المضادة.

والغريب أن الفرد الإيراني الذي يعيش في البلاد العربية لم يندمج بمستوى عال مع الأجواء العربية المائلة إلى التقليدية، فظل كالفرد الغربي شبه منعزل عن المجتمع العربي بعادراته وتقاليده رغم أن يعيش في الخليج بأعداد جيدة نسبيا كالإمارات والكويت والعراق….

لكن إيران دخلت من الباب العريض إلى الإعلام العربي عبر نجاحات المقاومة الإسلامية في لبنان وتحرير الجنوب المحتل عام 2000، مما أكسب صورة تهران الكثير من الاعجاب. مع مقارنة ذلك بتخاذل الأنظمة العربية عن دعم الفلسطينيين في هذا الاطار.

ولعبت السياسة الاعلامية الغربية في الترويج السلبي للبرنامج النووي الإيراني، لكن ذلك كان يتم فضحه عبر ضرب إسرائيل بالأسلحة المحرمة دوليا للجنوب اللبناني ولغزة المُحاصرة منذ عقدين من الزمن تقريبا وصمت واشنطن حيال ذلك.

وغالبا ما ترتبط عملية تغيير النظرة إلى هذا البلد المترامي الأطراف والكبير العدد سكانيا بمبادرة من هنا وهناك لزيارات اعلامية وكأن الاعلام الإيراني والسياسة الإيرانية تعمل على العكس من النشاط الإعلامي!

ومن الملاحظ أن جميع أبحاث هذا الكتاب هي باتجاه تهران لا العكس ،لعل ذلك يعود لعالمية القاهرة ودورها التاريخي على كافة الأصعدة حيث يعتبرها العرب باجماع مركز العروبة تاريخيا وحاضرا.

لذا، من المهم ومن الذكاء التحرك الإيراني تجاه القاهرة في عملية تسهيل المهمة في التواصل والتشابك والتبادل التجاري، وإن كانت بيروت ما قبل 2019 قد لعبت دورا إعلاميّا مهما لتهران.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى