إقتصاددولياتسياسة

إيران تخنق نفسها لأجل فلسطين..فهل تعيد النظر في سياستها الخارجية؟(عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

 

تعاني إيران من أزمة اقتصادية خانقة تتفاقم بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عليها منذ قيام الجمهورية الاسلامية وان اختلفت الاشكال ، كما فرضت على الدول الاخرى والشركات الكبرى وقف التعامل مع الجمهورية الإسلامية. هذا الامر أدى إلى شبه عزلة دولية عليها .

هذه العقوبات ، التي بدأت منذ عقود وتصاعدت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، استهدفت قطاعات حيوية مثل النفط، والقطاع المالي، والتكنولوجيا. ونتيجة لذلك انخفضت صادرات النفط الإيرانية من أكثر من 2.5 مليون برميل يوميًا إلى أقل من مليون برميل في بعض الفترات ، وتجمدت الأصول الإيرانية في الخارج ما أدى إلى نقص حاد في العملة الصعبة ، وتدهور سعر الريال الإيراني ما رفع معدلات التضخم لمستويات قياسية تجاوزت 50%..

إلى جانب العقوبات والإنفاق الخارجي ، تعاني إيران من مشكلات هيكلية داخلية ، أبرزها سياسات الدعم العشوائية ما أدى إلى نقص في السلع الأساسية مثل الغذاء والأدوية والمحروقات في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال يبلغ سعر تنكة البنزين حوالي 0.60 دولار اميريكي وهي الادنى عالميا .

شهد الاقتصاد الإيراني تحولات كبيرة منذ انتصار الثورة حتى اليوم ، متأثرًا بعوامل سياسية واقتصادية متعددة . فمن ناحية تطور الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قبل الثورة في إيران 7,622.34 دولارًا أمريكيًا ، ما يعكس اقتصادًا قويًا نسبيًا في تلك الفترة.  بعد الثورة الإسلامية عام 1979 والحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، تعرض الاقتصاد لانكماش ملحوظ. وفي عام 1980، بلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 90.39 مليار دولار، مع نصيب فردي قدره 2,290 دولارًا. وفي التسعينيات شهدت هذه الفترة بعض التعافي الاقتصادي ، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي تدريجيًا مع انتهاء الحرب وبدء جهود إعادة الإعمار . وقد استمر النمو الاقتصادي، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 401.50 مليار دولار في عام 2023، مع توقعات بوصوله إلى 428.02 مليار دولار في عام 2025.

أما لناحية سعر العملة الايرانية فما قبل الثورة في 15 مارس 1978، كان الدولار الأمريكي يعادل 71.46 ريالًا إيرانيًا .  بعد الثورة والحرب تدهورت قيمة الريال بشكل ملحوظ بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية ، ومع فرض عقوبات اميركية على إيران، خاصة في العقدين الأخيرين، شهد الريال انخفاضًا حادًا في قيمته. وفي يناير 2018، وصل سعر الصرف إلى 44,650 ريالًا مقابل الدولار الأمريكي ، واستمرت العملة في الانخفاض نتيجة التضخم والعقوبات، ما أثر على القوة الشرائية للمواطنين.

من ناحية أخرى شهدت صادرات النفط الإيراني تحولات كبيرة منذ عام 1979 حتى اليوم ، متأثرة بعوامل سياسية واقتصادية متعددة . ويعتمد تصدير النفط الإيراني بشكل رئيسي على جزيرة “خرج” في الخليج العربي، حيث يتم تحميل حوالي 90% من النفط المصدر عبر هذا الميناء.

 مع فرض العقوبات الدولية ، لجأت إيران إلى أساليب مثل تغيير ملكية وأعلام الناقلات ، وتغيير منشأ الشحنات ، واستخدام عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى في مياه دولية ، لتمويه المصدر الحقيقي للنفط. وقد بلغت صادرات النفط الإيرانية ذروتها في منتصف السبعينيات ، حيث وصل الإنتاج إلى 6 ملايين برميل يوميًا في عام 1974، ما يمثل أكثر من 10% من الإنتاج العالمي آنذاك.

الفترة 1979-1988  :بعد الثورة الإسلامية عام 1979 والحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، تراجعت الصادرات بشكل حاد بسبب الاضطرابات الداخلية والصراع المسلح .

الفترة 1990-2010: شهدت الصادرات تقلبات نتيجة العقوبات الدولية والاتفاقيات النفطية، مع محاولات لزيادة الإنتاج والتصدير.

الفترة 2011-2015: مع تشديد العقوبات الدولية على خلفية البرنامج النووي، انخفضت الصادرات إلى مستويات متدنية، حيث وصلت في بعض الأشهر إلى أقل من مليون برميل يوميًا.

 الفترة 2016-2017: بعد الاتفاق النووي في 2015، شهدت الصادرات انتعاشًا ملحوظًا، حيث ارتفعت إلى حوالي 2.5 مليون برميل يوميًا.

 الفترة 2018-2020: مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018 وإعادة فرض العقوبات، تراجعت الصادرات مرة أخرى، لتصل في بعض الفترات إلى حوالي 500 ألف برميل يوميًا أو أقل.

  الفترة 2021-2025: على الرغم من استمرار العقوبات، تمكنت إيران من زيادة صادراتها تدريجيًا، حيث وصلت في الأشهر الأخيرة إلى حوالي 1.7 مليون برميل يوميًا، بفضل الطلب القوي من الصين.

تحدد شركة النفط الوطنية الإيرانية أسعار بيع النفط شهريًا، معتمدة على مؤشرات عالمية مثل “برنت” و”دبي/عُمان”. على سبيل المثال، في فبراير 2025، تم تسعير النفط الخام الخفيف الإيراني للعملاء الآسيويين بزيادة 1.95 دولار للبرميل فوق متوسط سعر خامي عُمان/دبي.  بسبب العقوبات والحاجة لجذب المشترين، تقدم إيران خصومات على نفطها. في بعض الصفقات، تم بيع النفط الإيراني بخصومات تصل إلى 25 دولارًا أقل من سعر “برنت” للبرميل.

تُعد الصين المستورد الرئيسي للنفط الإيراني، حيث تستورد المصافي الصينية الخاصة كميات كبيرة، مستفيدة من الأسعار المخفضة.  بالإضافة إلى الصين ، تستورد دول مثل الإمارات ، وفنزويلا النفط الإيراني، وإن كانت الكميات أقل وبطرق غير رسمية في بعض الأحيان.

نتيجة للعقوبات ، ونتيجة لبيع النفط بخصومات مرتفعة فقد خسرت ايران حوالي 1200 مليار دولار من بيع النفط خلال أكثر من عقد من الزمن بسبب العقوبات . مع الأخذ في الاعتبار أن حجم الاقتصاد الإيراني في عام 2025 يبلغ حوالي 400 مليار دولار، فيما كان يمكن ان يصل الى 1000 مليار دولار ، وهذا يعني فقدان 600 مليار دولار من حجم الاقتصاد الإيراني خلال هذه الفترة.

في عام 2012، أظهر تقرير بريطاني أن الاقتصاد الإيراني كان يخسر أكثر من 42 مليار دولار سنويًا بسبب العقوبات، خاصة مع إعلان دول مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان والهند عن خفض أو توقف استيراد النفط الإيراني بنسب تصل إلى 20% على الأقل.  كما تسببت العقوبات في تجميد الأصول الإيرانية في الخارج، ومنعت البنوك الإيرانية من الوصول إلى النظام المالي الدولي، ما أعاق التجارة والاستثمار. اضافة الى ذلك أدت العقوبات إلى تراجع حاد في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تجنبت الشركات الدولية التعامل مع السوق الإيرانية خوفًا من التعرض للعقوبات.

نتيجة للعقوبات وتراجع الإيرادات، شهدت إيران معدلات تضخم مرتفعة وانخفاضًا كبيرًا في قيمة الريال الإيراني. في نهاية عام 2024، وصل سعر الصرف إلى 821,500 ريال مقابل الدولار الأمريكي، بانخفاض قدره 40% مقارنة ببداية العام.

لكي تتمكن من الاستمرار وتجنب المزيد من الانهيار، تحتاج إلى تبني استراتيجية متعددة الجوانب تشمل الإصلاحات الاقتصادية ، والانفتاح السياسي ، وتغيير سياسات علاقاتها الخارجية،ومنها:

تنويع الاقتصاد : يجب أن تقلل إيران اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للدخل من خلال تطوير قطاعات أخرى مثل الزراعة، التكنولوجيا، والتصنيع.

جذب الاستثمارات الأجنبية : يمكن تحقيق ذلك عبر تحسين بيئة الأعمال، وإعطاء ضمانات قانونية للمستثمرين، وخفض البيروقراطية والفساد.

تحرير السوق الداخلية : تشجيع القطاع الخاص وتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد سيزيد من كفاءة السوق ويخلق فرص عمل جديدة.

إصلاح النظام المصرفي : يجب تحسين الشفافية المصرفية والالتزام بالمعايير الدولية لمنع عزل إيران عن النظام المالي العالمي.

شراء الوقت وإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي : بدلاً من سياسة المواجهة ، يمكن لإيران أن تعيد التفاوض مع القوى الكبرى للحصول على تخفيف للعقوبات مقابل تقديم تنازلات حقيقية بشأن برنامجها النووي والصاروخي . فالولايات المتحدة الاميركية لن تبقى متربعة على عرش العالم الاقتصادي، وجميع المحللين الاقتصاديين يؤكدون على ان العام 2030 هو عام حاسم بالنسبة للولايات المتحدة خاصة لناحية تمكنها من ضبط الدين العام وارتفاع كلفته السنوية وتأثيره على العجز في الموازنات .

إعادة بناء العلاقات مع الجيران: تحسين العلاقات مع الدول الخليجية وتركيا قد يساعد في فتح أسواق جديدة ويساعد في تجاوز الحصار الاقتصادي.

اتباع سياسة خارجية أكثر براغماتية: يمكن لإيران التركيز على بناء تحالفات اقتصادية تعزز نموها الداخلي، ولا سيما من خلال تعزيز دورها في مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي .

تحسين مستوى المعيشة: يجب اتخاذ تدابير فورية للحد من التضخم، ودعم الفئات الأكثر فقراً، وضمان توفر السلع الأساسية بأسعار معقولة.

مكافحة الفساد: الفساد المستشري في المؤسسات الإيرانية يعيق التنمية ويؤدي إلى فقدان ثقة الشعب بالنظام.

السؤال المطروح، هل ستقوم ايران ببعض الخطوات التي تمكنها من الصمود والاستمرار ، أم انها ستصر على سياستها الايديولوجية نفسها، وبالتالي تحمل العواقب هذه المرة بشكل مباشر بعد خسارتها للكثير من الاوراق من سوريا ، الى لبنان ، والى العراق ؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى