إنه زمن السقوط..
سقوط مدو يشهده لبنان منذ السابع عشر من تشرين الأول المنصرم ،ويُخشى أن يستمر الجنوح نحو هوة ليس لها قرار.
سقطت المؤسسات الدستورية ،فلا مجلس وزراء ولا مجلس نواب، فيما الرئاسة الأولى تطل من فوق على هذا السقوط من دون أن تكون لديها القدرة على فرملة الانحدار.
سقطت الطبقة السياسية في عجزها عن اجتراح الحلول وترتيب التسويات الظرفية وتأجيل الحلول الجذرية التي تتجاوز المطالب التقليدية المعهودة نحو علة النظام السياسي.
سقطت الأحزاب التي صار بينها وبين الناس هوة عميقة بسبب تغاضيها عن لب المشكلة الحقيقية ،وتركيزها على المراهم والمسكنات بدل العمليات الجراحية لإنقاذ المريض.
سقطت المحرمات تحت هدير الشارع ،فلا حرمة لرئيس أو مؤسسة دستورية أو لمرجع سياسي أو طائفي .يُشتمُ رئيس الجمهورية كل يوم عشرات المرات بأقذع التعابير ،فيما القانون يحرّم النيل من رئيس البلاد ،ويقضي بتحرك النيابة العامة فورا لمحاسبة الفاعلين.
سقط الحراك الشعبي في لعبة الوقت ورهان السلطة على تفكك "الثوار"،بحيث لم تحقق "الثورة " خلال 35 يوما سوى انتصارات شكلية لم تدخل في لب المشكلة الحقيقية.
سقطت الليرة بعد صمود لنحو ثلاثة عقود حافظت خلالها على قيمتها الشرائية بحدود مقبولة ،فترك الوضع النقدي للصرافين في الشوارع يتصرفون فيه عرضا وطلبا.
سقطت المصارف في حالة العجز عن تلبية طلبات زبائنها بعدما سحب كبار المتمولين الكثير من أرصدتهم بالعملات الأجنبية،وحولوها الى الخارج تحت جنح الظلام، حتى من قبل أن تندلع الانتفاضة.
سقطت المعايير حيث ركب فاسدون بلا خجل "حصان الثورة" التي تطالب باستعادة المال المنهوب من جيوبهم وخزائنهم.
سقط الاعلام في فخ الخروج عن المهنية الصحيحة ،فصار المراسلون محللين ومنظرين وموجهين ،بدل ممارسة عملهم بحياد تقتضيه أخلاق المهنة ،وبات الكتاب والمغردون ينفثون أحقادهم المزمنة بعقلية ما قبل السابع عشر من تشرين الأول.
سقطت هيبة المعلمين والأساتذة في المدارس والجامعات بعدما نزل الطلاب الى الشارع وانخرطوا في اللعبة السياسية، وظنوا أنهم أرباب الساحات القادرون على تعطيل الحياة ،فكيف بالصفوف والدراسة ومن يشرف عليها،وكيف سيبقون عبيدا لمن يعلمهم الحرف .
في الخلاصة،
في زمن السقوط المدوي بات لزاما علينا التفتيش عن بلد جديد..عن لبنان جديد بثقافة جديدة ونظام سياسي جديد .وواهم من يعتقد أن النظام السياسي الحالي ما يزال قادرا بعد على إنتاج هذا البلد الجديد .
أما كيف؟..
تعالوا نجلس على الطاولة من أجل ذلك ،قبل البحث في أي مطلب ظرفي ،وقبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع ..ولات ساعة مندم!