الطبيب الجراح الدكتور محمد طعان “يجترح” رواية جديدة تضاف الى روائعه السابقة في الرواية،تحت عنوان “إنها غلطة فلوبير”..
قد يبدو العنوان غريبا بعض الشيء،لكن فلوبير هو جوستاف فلوبير الكاتب الروائي الفرنسي وصاحب روايته الأشهر “مدام بوفاري”،ولكن ما علاقة فلوبير برواية محمد طعان التي تبحر في تاريخ مصر في زمن الخديوي عباس حلمي الأول حفيد محمد علي باشا.
لندع هذه العلاقة لقارئي الرواية ،لكن محمد طعان يقول في تعريفه للرواية:”لم أكن أتوقع وأنا أقرأ سيرة حياة كوتشوك هانم (العالمة المصرية في زمن عباس حلمي الأول) أنني سأكتشف مشروع رواية. فهذه الراقصة يفترض أنها من أجدادي (تخلى والد جدي عن كنية كوتشوك واستبدلها بطعان).
يضيف طعان:قراءة سیرتها فتحت أمامي ملفا لم أكن انتظره.. مسيرة عباس حلمي الأول حفيد مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا والذي بسبب اكتشافه لأطماع الفرنسيين و الغربيين عامة في مصر (خاصة شق قناة السويس) عمد إلى عزلهم عن المحروسة في مطلع حكمه الذي لم يدم أكثر من أربع سنوات. ولقد اكتشفت كم أن عباس الأول (باني مقامي سيدنا الحسين والسيدة زينب ) كان صاحب تعلق بأهل بيت الرسول من جهة ،واصلاح مصر من جهة ثانية.ولكن الفرنسيين ناصبوه العداء وسودوا صورته حتى غفلت كتاب التاريخ عنه .ثم من يكتب التاريخ سوى القوي المسيطر، يعني في هذه الحالة الفرنسيون.
يختم طعان:آمل أن تكون هذه الرواية رد اعتبار لهذا الإنسان المظلوم.
محمد طعان
الطبيب الروائي محمد طعان إبن الجنوب اللبناني غني عن التعريف بعد أن قدم للمكتبة العربية والعالمية أكثر من عشر روايات حتى الآن هي من عيون الأدب الروائي.ولكن لابد في هذه العجالة من إلقاء بعض الضوء على هذا الكاتب المبدع الذي يخط رواياته باللغة الفرنسية. هو طبيب جراح وأحد أهم الكتّاب الفرانكفونيين، حرص على نقل صورة صحيحة للواقع التاريخي والسياسي والديني للمجتمع العربي في قالب روائي وإعادة تقديمه بريئا من كل تشويه أصابه، وذلك بلغة الغرب المتشبع بأفكار خاطئة عن العالم العربي. نشأ د. محمد طعان في جنوب لبنان، درس في فرنسا الطب العام والجراحة، عاش طفولته في أبيدجان عاصمة شاطيء العاج، ثم شاءت الأقدار أن يعمل في وزارة الصحة المغربية كطبيب جراح. هُجِّر طعان قسرا إلى نيجيريا، واتجه لتمضية وقته بعد فراغه من العمل في كتابة السيناريوهات. أكثر من عشرين عاما قضاها، في كتابة السيناريوهات ثم الروايات فأثمرت عن العديد من الروايات، منها روايات “سيد بغداد، “رحلة بهمان”، “فول سوداني”، “الخواجا”، “صيف الجراح”، “ما باحت به سارة”، “لا جئو بيشاور”.
يطمع محمد طعان بتحويل رواياته الى السينما والتلفزيون ،وفي هذا الصدد يقول: قابلت أحد المنتجين وأكتشفت أنه مغرم برواياتي ودعاني للعمل سويا على أساس أني أعمل سينما بينما هو يرغب في عمل مسلسلات، ولكني رفضت، لكنه أقنعني بتحويل روايتين من رواياتي إلى مسلسلات تليفزيونية، ومنها رواية “سيد بغداد”.أنا أكتب بعيوني ومتحمس للسينما، وقال لي ذلك خيرى بشارة ووحيد حامد. المتعة التي أجدها للرواية هي ترك الأثر، أنا أكتب كل رواياتي مشاريع للأفلام، المشكلة في الإنتاج.
ويعلل محمد طعان اتجاهه للكتابة بالفرنسية، فيقول: السبب في ذلك أن اللغة الفرنسية توصل للأبعاد العالمية. أنا كنت أكتب للمتعة، كهاوٍ إلى أن قرأ أحد المخرجين، ونعتني بالجنون، فسألته لماذا فقال لي أنا قرأت سيناريو لك ولديك الحس السردي مما دفعني للكتابة بالفرنسية، فكتبت السيناريو بالفرنسية، وقال لىي المخرج التونسي فريد بوغدير لا بد أن تتحول لكاتب، وحولت السيناريو لرواية فكانت باللغة الفرنسية، والحمدلله أنا راض عن ما كتبته بالفرنسية، أنا متمكن من اللغة الفرنسية والعربية.
وعن روايته “سيد بغداد” التي كتبت عن الغزو الإميركي للعراق قال: أنا أكتشفونى بإيران. أنا اليوم عندي كتاب، صار 120 ألف نسخة بإيران، المهم تصور أنا لبناني وليس لى علاقة بإيران وكتبي تباع مثل الخبز بإيران فهم لديهم ثقافة. فمثلا رواية “لاجئو بيشاور” كانت تتحدث عن الأحداث بين باكستان وأفغانستان، كيف يتم صنع إسلام ظلامي تكفيري. هذه أحداث الرواية في 600 صفحة. “أنا لا أختار مواضيع كتبي، الموضوع يفرض نفسه عليّ، مثلا رواية “سيد بغداد” كنت أشاهد في التليفزيون محمد الدورى مندوب صدام حسين في مجلس الأمن كان يبكي بدموع حارة، ويقول لهم لا تقتلوا شعبي دعونا نحل المشكلة سلميا، وكان كولن باول وزير الخارجية الأميركي يلهو في عالم آخر، ولم يكترث لكلام المندوب العراقي، من هنا وجدت نفسي أكتب عن العراق، الموضوع هو الذي يفرض نفسه. ويرى محمد طعان أن أكبر أكذوبة يطلقها الغرب عندما يدعى أنه بلد الحضارة والتمدن والحريات. الرواية تم منعها لأنها تدعو للإسلام. في عام 2006 صدرت الرواية وباعت 4 آلاف نسخة، ولم يعد نشرها، وتم تهديد الناشر الفرنسي. لماذا منعت الرواية في فرنسا لأنها تخاطب العقل الغربي وتعرض الإسلام السلمي وحقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب حق الانسان في حريته. الرواية منعت في فرنسا بعد نفاذ الطبعة الأولى ومنعت أيضا من النشر في أميركا لأنها تبيض صورة الإسلام.
وعن روايته الجديدة “غلطة فلوبير” يوضح طعان: عباس حلمى حفيد محمد علي باشا، عندما قرأت عنه أكتشفت أنه مظلوم على الرغم من أنه كان من أعدل الحكام، ولكنه وقع في خطأ كبير، لأنه أستبعد الفرنسيين الذين كانوا مقربين من جده محمد علي والذي كان عاشقا للغرب، وأكتشفت شيئا عن عباس حلمي أنه كان يستيقظ ليلا ويذهب متنكرا لرؤية وتفقد أحوال الشعب. حاكم بهذا الشكل كيف يتم قتله بعد مرور أربع سنوات من الحكم؟ كل خطأه أنه استبعد الفرنسيين، ولكن كان في عهده الأمن ورغد في العيش من هنا أكتشفت أن الغرب قتله بسبب عدائه للفرنسيين.
*رواية “إنها غلطة فلوبير” صدرت مطلع العام الحالي عن “دار الثقافة الجديدة” في مصر في 264 صفحة من القطع الوسط ،وقد نقلتها الى العربية ميراي يونس.