إكتشافات جديدة ومُذهلة قد تشكّل ثورة حقيقية لدى مرضى السكّري المُصابين بأمراض القلب
١-مقدمة:منذ بداية أستعمال تقنيات البالون لتوسيع الشرايين التاجية للقلب، اي في سنة ١٩٧٦ (الثورة الأولى في علاج هذه الأمراض) ، حصلت ثورات أخرى متتالية في علاج هذه الأمراض والتي كان أوّلها إكتشاف دعّامات او روسّورات عادية اي غير مطلية بالدواء،
وهذا ما شكّل الثورة الثانية في علاج هذه الأمراض كما ذكرنا في مقالات سابقة، وكان ذلك سنة ١٩٨٦.ثم تمّ إكتشاف وتطوير الروسورات المطّلية بالدواء في سنة ٢٠٠١ وهذا ما شكّل الثورة الثالثة في هذا المجال وهي ثورة مُستمرة في تداعياتها وتطوّراتها حتى تاريخ اليوم. وهذه الروسورات لاتزال تستعمل بأعداد كبيرة حتى تاريخ اليوم ،وقد طوّر اطباء القلب اجيالا متنوّعة، منها الجيل الأول والثاني والثالث الذي يُعتبر الأكثر إستعمالاً حالياً في معظم الدول المتقدمة.
وقد سبق وشرحنا في مقالات سابقة كيفية تطوير هذه الأجيال المُتعددة من الروسورات ومن الممكن الرجوع الى تلك المقالات لمعرفة كل التفاصيل دون إعادة تكرارها). و تُعتبر هذا الروسورات من الجيل الثاني والثالث ، تقريباً الخبز اليومي لأطباء القلب والشرايين حيث أنّ نسبة إستعمالها تزيد عن ٩٥% في مُختلف دول العالم، ما عدا بعض الدول الفقيرة التي لاتزال تستعمل الروسورات العادية غير المطلية بالدواء بسبب كلفتها الزهيدة، وكذلك قد نضطر لإستعمالها في لبنان عند بعض المرضى غير القادرين على تغطية كلفة الروسورات الأكثر تطوّراً .
بعد ذلك حصلت الثورة الرابعة في علاج هذه الأمراض سنة ٢٠١٠ مع إكتشاف وتطوير الدعامات البيولوجية أو المتآكلة تدريجياً في داخل جسم الإنسان، لكنّ تطوير هذه الدعامات تعرّض لإنتكاسة كبيرة مع ظهور مشاكل متأخرة بعد مرور سنتين أو ثلاث على زرعها داخل الشرايين التاجية للقلب، تمثلت بحدوث ذبحات قلبية حادة وخطيرة أدّت إلى حالات وفيّات مُتأخرة جداً، وأدّت فيما بعد إلى سحب بعض أنواع هذه الدعامات من الأسواق بسبب حجم وضخامة وخطورة هذه الظاهرة.
لكنّ الشركات المُتخصّصة في تطوير الروسورات أو الدعامات لم تفقد الأمل حتى اليوم من تطوير هكذا نوع من الدعامات البيولوجية بسبب كونها حلاً سحرياً لتفادي وضع اي معدن داخل الشريان، ممّا يُعرّض المريض لوجود جسم غريب داخل هذا الشريان ويُعرّضه بالتالي لأن يكون عنده -بشكل دائم ومدى العمر-بؤرة للإلتهابات ولتجمّع الخلايا المسؤولة عن المناعة ولِتكوّن المرض من جديد مع إحتمال حصول احداث ونوبات قلبية قد تكون خطيرة ايضاً.
٢-أين كان مكمن المشكلة؟
منذ تسويق الروسورات المَطّلية بالدواء في سنة ٢٠٠١، واجه أطباء القلب مُعضلة أساسية هي في النتائج السلبية نسبياً التي كانوا يحصلون عليها عند المرضى المُصابين بمرض السكري، حيث كان هؤلاء المرضى يعانون من مُعاودة إنسداد الشرايين التاجية للقلب بِنسب مُرتفعة نسبياً أكثر من عند المرضى غير المُصابين بمرض السكري.وكما شرحنا في مقالات سابقة، فإنّ هناك عائلات مُختلفة من الأدوية التي تمّ إستعمالها في الروسورات الذكيّة المَطليّة بالدواء في كل التجارب والإستعمالات السريرية السابقة. وكانت النتائج عند المُصابين بمرض السكري تُظهر دائماً تفوّق عائلة الأدوية من عائلة الليمس على الأدوية من عائلة الباكليتاكسل ، لكن المُقارنات لم تكن دقيقة بشكلٍ كبير لأنّها كانت تُقارب وتُقارن أنواع وأجيال مُختلفة من الروسورات بأشكال وسماكة وتجاديل او تقطيعات مُختلفة وايضاً معادن مُختلفة .و مؤخراً ظهرت معطيات علمية قوية ودامغة تُشير إلى أهمية دور دواء الإيفيروليميس في المرحلة الحالية وفي السنوات الخمس التي سبقت ذلك ، وأثبتت هذه الدراسات تفوّقه على الأنواع الأخرى من الليميس وهي مجموعة من الأدوية التي تحارب وتمنع تكاثر الخلايا ويوجد منها في الأسواق حالياً ستة او سبعة ادوية تُستعمل في تركيبة الروسورات المُسوّقة حالياً في مختلف انحاء العالم ما جعل أطباء القلب يُفضّلون استعمال الروسورات التي تحتوي على هذا الدواء عند المرضى المُصابين بالسكري كلما كان ذلك مُمكناً.
٣- عوامل بيولوجية وسريرية مُختلفة تفاقم من خطورة مرض السكّري على القلب : أمّا العوامل البيولوجية التي تزيد أيضاً من خُطورة مرض شرايين القلب عندهم فهي معروفة أيضاً، وتتمثّل في أنّ مرضى السكّري لديهم إفراط وزيادة كبيرة في إفرازات عوامل تخثّر وتجلّط الدم وإفرازات كثيرة لمواد تتسبّب في وجود حالة إلتهاب دائمة في جدار الشرايين التاجية للقلب وغيرها من الشرايين. وهناك دور كبير لعوامل الإرتفاع المُزمن للسكري الذي يؤدّي الى تغيّرات كبيرة في بُنية الإنسجة ممّا يجعلُها أكثر عُرضة للتكاثر ولردّات الفعل غير المُتلائمة مع أي تحرّش او هجوم او اي جُرح ولو بسيط أو أي توسيع للشرايين حتى لو كان ذلك بواسطة البالون والروسور . كذلك يُوجد عِندهم إفرازات لمواد كثيرة تزيد من عوامل تكاثر ونمو الخلايا والكولسترول الضارّ جداً او المؤكسد لديهم خاصةً الكولسترول الضارّ الذي له ميزات تجعلُه أكثر خطورة . كذلك ولديهم إرتفاع في مستويات أخرى من دهنيّات أخُرى تُساهم في زيادة خطورة المرض.كل هذه العوامل السريرية والبيولوجية إضافة الى دور مادة الليبتين التي كما سنرى انها تساعد على تطوّر المرض بشكلٍ كبير تجعل من علاج مرض تصلُّب الشرايين التاجية للقلب عند المرضى المصابين بمرض السكّري تحدياً كبيراً يواجهه أطباء القلب بكل ما لديهم من أدوية فعالة و ذكية ظهرت في السنوات العشر الأخيرة.
٤- كيف تحقق الخرق الجديد؟
امّا التغيّرات التي تُعتبر ثورية ومُتطورة جداً في هذا المجال فقد قام بها فريقان، الأول هندي عندما قام بتسويق روسور مطلي بدواء السيروليميس مُعتمداً على تقنية جديدة موجودة ومُستعملة في الروسورات من الجيل الثالث التي ذكرناها في مقالات سابقة وهي تُدعى تقنيّة او طريقة طِلاء الجدار الخارجي للدعامة ، فقط أي ان الدواء والطِلاء المُستعمل في تثبيته على معدن الروسور ُيوجد فقط من الناحية الخارجية للرورسور وهي التي تلتصق بجدار الشريان فقط ، ولا يُوجد من الناحية الداخلية منه، وهي المنطقة التي يسيل فيها الدم .وقد إستعمل هذا الفريق الهندي ايضاً بالونا مطليا بالدواء أيضاً على طرفيه. وكان الهدف من كل هذه التقنية إيصال أكبر كميّة مُمكنة من الدواء في المكان الذي تمّ توسيع الشريان فيه. وقد أُجرِيَت هذه الدراسة الهندية على فترة خمس سنوات على ٨٥٩ مريضا مُصابا بالسكّري و ١٦٤١ مريضا غير مُصابين بالسكّري وجميعهم عندهم مرض تصلّب في الشرايين التاجية للقلب . وتمّت مُتابعتهم لفترة خمس سنوات في حوالي ٣١ مركزا في الهند . وكانت النتائج مُبشّرة جداً وتشير الى إمكانية تحسّن كبير عند المرضى الذين يعانون من مرض السكّري ممّا قد يؤدي إلى فتح أبواب جديدة في علاج هؤلاء المرضى بواسطة هكذا نوع من الروسورات، خاصةً عندما تكون الإنسدادات طويلة جداً أو عند المرضى الذين عندهم إنسدادات في الشرايين الصغيرة والتي تحمل إنسدادات متعددة، و خاصة على التفرّعات او المفارق الشريانية .
لكنّ الخرق او التطور الثاني الأكبر فقد جاء من شركة الفيمديكا الإيطالية-التركية التي كانت السّبّاقة لإجراء أبحاث على مرضى السكري عبر روسورها الأوّل الذي كان يُدعى الكري – ايت ، والذي كانت له منذ البداية ( اربع او خمس سنوات إلى الوراء تقريباً) نتائج إيجابية جداً عند المرضى المصابين بالسكري.وهذه النتائج الإيجابية شجعت هذه الشركة على تطوير روسور آخر أُطلق عليه اسم الكري – ايت نوفجو، وهو ايضاً مثل الجيل الأول الذي صنّعته هذه الشركة : روسور خالي من الطِلاء الذي يُستعمل عادةً لزرع الدواء ويحتوي على خليط خاص اسمه الأومفيليميس وهو مكوّن من مادة الكوبالت، و فيه خزّانات صغيرة او ثقوب جانية لناحية جدار الشريان ، ويوضع فيها هذا النوع من الدواء الذي يحتوي على مادة السيروليميس مخلوطة ببعض الحوامض الدهنية، مما يسمح بأن يتسرّب الدواء بشكل تدريجي وتراكمي داخل جدار الشريان وأن تكون كثافته كبيرة جداً في الوقت المطلوب لكي يمنع مُعاودة إنسداد الشريان في الأماكن التي تمّ توسيعها .وهناك حتى اليوم نتائج إيجابية جداً ظهرت مع الإستعمالات الأوليّة لهذا النوع من الروسورات. و هذا ما شجع المُساهمين في الشركة على إطلاق دراستين واسعتين جديدتين:
أ- الأولى تحت إسم ديابت-٨ وهي ستّقام في ٥٥ مركزا عالميا وستشمل ٣٠٤٠ مريضا سوف يحصلون إما على هذا النوع من الروسورات ( الكري – ايت نوفجو) او على نوع ثان من الروسورات يحتوي على مادة الإيفيروليميس .وسوف يكون كل المرضى في هذه الدراسة من المرضى الذين يعانون من مرض السكري.
و يستبشر الأطباء الذين يقومون بهذه الدراسة بأن تكون هذه الدراسة تحديداً هي الأولى من نوعها وأن تثبت أنّ هذا النوع من الروسورات له فعالية عالية جداً مقارنةً مع الروسورات التقليدية التي كانت تُسوَّق في الماضي في علاج مرضى السكري.وإذا ما صدقت هذه التّنبؤات فإنّ هذا الإكتشاف وتطوير هذا النوع من الروسورات سيكون له صدىً كبير في البيئة الطبية لأنّ تقديرات منظمة الصحة العالمية تُشير إلى أنّ عدد المصابين بمرض السكري هو حالياً بحدود ٤٨٠ مليون نسمة في العالم، ويتوقع الخبراء ان يبلغ حوالي ٦٢٨ مليون نسمة في حلول عام ٢٠٣٥.
ب- اما الدراسة الثانية المُهمة على هذا الروسور الجديد فهي أسبانية(سيجار ) وسوف تشمل أكثر من ٢٩ مركزا طبيا في أسبانيا وسوف يُدخَل فيها ١١٦٤ مريضا يعاني من مرض السكري، وسوف يُقارَن هذا النوع من الروسورات مع روسور آخر مغطّى بمادة الزواتاروليميس . والنتائج الأولية لهذه الدراسة سوف تظهر قريباً وهي مبشّرة جداً ايضاً.
٥- اهم خصائص هذا الروسور الجديد : هو يُعتبر من الجيل الرابع للروسورات لأنّه يسعى لمعالجة بعض المشاكل التي نجدها عند معظم او حتى كل المرضى الذين يُعانون من مرض السكّري. حيث أنه يؤمّن كميّات كبيرة جداً من المادّة التي تمنع تكاثر الخلايا في مكان الإنسداد (مريض السكري بحاجة إلى عشرة أضعاف من مادة الليميس لمنع تكاثر الخلايا لأن مرضى السكّري عندهم الكثير من العوامل التي تؤدي عندهم إلى تكاثر غير طبيعي للخلايا العضلية ولمختلف انواع الخلايا الأخرى الموجودة في جدار الشرايين التاجية مما يؤدي إلى مُعاودة إنسداد الشرايين بسرعة عندهم . كذلك أنّ أطباء القلب لاحظوا أنّ معظم المرضى الذين يعانون من مرض السكّري عندهم بدانة وتوجد عندهم إفرازات عالية من مادة الليبتين، وهو هرمون يزيد من تكاثر ونموّ الخلايا وله أدوار مُتعددة في تطوّر مرض تصلُّب الشرايين وبالتالي فهو له دور كبير في معاودة الإنسداد التي نشهدها عند المرضى الذين يُعانون من مرض السكّري لأنه يتسبب بحصول إلتهابات دائمة وحالة قريبة بحالة التخثّر و التجلّط الدائمة في مكان توسيع الشرايين. ولذلك أيضاً كان لا بدّ من زيادة المادة الفعّالة اي الليميس لإيقاف دور مادّة الليبتين التي تُؤدّي إلى تكاثر الخلايا.لذلك إبتكر الخبراء هذا الخليط الذي يدعى الأومفيليميس وهو خليط من مادة السيروليميس مع حوامض دهنية متعددة تؤمّن وصول كميات كبيرة من مادّة السيروليميس الى المكان الذي تم توسيعه
وذلك عن طريق المخازن الصغيرة الموجودة على الجدار الخارجي للروسور دون وضع طلاء معيّن. وهذا أيضاً له دور مهّم لأنّ كل الدراسات أثبتت ان وجود أي نوع من الطلاء على جدار الروسور يُساهم في استمرار عملية التفاعل والإلتهابات مع جدار الشريان ويؤدّي إلى زيادة إمكانية معاودة الإنسداد .كل هذه الميّزات جعلت من هذا الروسور الجديد روسوراً مُميزاً بكل معنى الكلمة. لذلك أطلقت الشركة المذكورة الدراستين الواسعتين اللتين دكرناهما.
٦- ودور ممكن ايضاً للأدوية الجديدة التي تمّ تطويرها مؤخراً لعلاج السكّري : وفي معرض حديثنا عن هذا الموضوع المُعقّد لا بد لنا ان نشير اخيراً ايضاً الى الأدوية التي ظهرت في الفترة الأخيرة، فهي تبشّر بإمكانيات فعليّة للنجاح في مقاربة علاج مرض تصلُّب الشرايين التاجية للقلب وغيره من التعقيدات والوفيات بسبب أمراض القلب والشرايين عند المرضى المصابين بالسكّري، خاصةً مع الأجيال الجديدة من الأدوية المُتطوّرة التي تعالج مرض السكّري والتي ظهرت في الخمس سنوات الأخيرة. وهناك دراسات عديدة أُجريت على هذه الأدوية الجديدة أثبتت فعاليتها في تخفيف نسبة الوفيات بأمراض القلب والشرايين عند هؤلاء المرضى، كذلك في تخفيف نسبة الإصابة بقصور عضلة القلب وإرتفاع الضغط الشرياني والدخول الى المستشفيات بسبب ذلك. ولا تزال هناك دراسات كثيرة جارية في هذا المجال على عدّة خطوط ولأول مرة في تاريخ علاج مرض تصلُّب الشرايين التاجية للقلب عند المرضى المصابين بالسكري، وظهرت منذ سنتين دراسة كورية تشير إلى أنّ المرضى الذين خضعوا لعمليات توسيع للشرايين التاجية للقلب مع زرع روسورات كانت نتائجهم أفضل بكثير على المدى البعيد(٥ الى ٧ سنوات)عندما كان مستوى مراقبة السكري متشدّدا أكثر عندهم (التخزين التراكمي للسكر أقل من ٧ بالمئة ، مقارنةً مع المرضى الذين كان مستوى السكُّري التراكمي عندهم مُرتفعاً والذين كانت النتائج عندهم سلبية نسبياً). وهذه هي المرة الأولى التي تُظهر فيها دراسة علمية جدّيّة مرتكزة الى مُعطيات علمية قوية، أنّ مراقبة مرض السكّري بشكلٍ مُتشدّد قد يكون له أثر إيجابي كبير على الإصابات الشريانية في الشرايين الكبيرة لأنّ كل ألدراسات السابقة كانت تُشير إلى إمكانية تخفيف الإصابات في الشعيرات الشريانية الصغيرة التي تتسبب في إصابات شرايين العين والكلى والأعصاب عند المرضى المصابين بالسكري. هذه إلدراسة الأخيرة قد تفتح كوّة كبيرة في جدار علاج مرض تصلُّب الشرايين التاجية للقلب عند مرضى السكّري نتيجة تفاعل عدة عوامل منها إستعمال الأدوية الجديدة التي من المؤكّد انها قد تفتح آفاقا جديدة في علاج أمراض تصلب الشرايين التاجية للقلب عند المرضى المصابين بمرض السكّري نتيجة تزامن التقدم في مجال الأدوية المُعالجة لمرض السكّري، وتطوير روسورات ذكية جديدة من الجيل الرابع لمنع معاودة الإنسداد عند هؤلاء المرضى.
*د .طلال حمود – طبيب قلب تدخلّي – هاتف 03832853