إقتصادمحليات لبنانية

إعادة الإعمار في لبنان: الرؤية الغائبة والأرقام..وخطيئة الاعتماد على الخارج (زينب عوالي)

 

كتبت زينب عوالي- الحوارنيوز

يشكل مشروع إعادة الإعمار في لبنان أزمة لدى الحكومة اللبنانية، حيث هرعت وزارة المالية اللبنانية لطرق أبواب الخارج للمساعدة في إعادة الإعمار وتغطية التكاليف، لتظهر لبنان عاجزا عن تغطية أدنى متطلبات سكان المناطق المتضررة أو المدمرة، سواء في الجنوب، البقاع، أو الضاحية الجنوبية لبيروت.

ولطالما لجأت الدولة لمد يدها إلى الخارج لتغطية أدنى متطلباتها. دائماً ما يتم التسويق للبنان على أنه بلد مفلس، عاجز، وفاشل، لكن في الواقع تستطيع الدولة أن تقوم بعدة خطوات أولية للمواطن إذا كانت لديها نية حسنة للإعمار فعلا. 

 

تقدّر كلفة إعادة الإعمار ما بين 7 إلى 7.5 مليارات دولار وفق تقديرات «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق»، و11 مليار دولار وفق البنك الدولي. وتحتفظ الدولة بودائع لدى مصرف لبنان بقيمة تصل إلى 8.2 مليارات دولار. ووفقاً لوزير المالية العامة ياسين جابر في مقابلة مع صحيفة «الأخبار»،فإن هذه الأموال مودعة بالليرة اللبنانية، وأن ضخّها في السوق قد يؤثر على سعر الصرف. إلا أن التقديرات تفيد بأن ثلث هذا المبلغ مودع بالدولار، حسب ما ذكر الكاتب محمد خنسا في مقاله في موقع صفر.

 كما يمكن للدولة أن تزيد من مدخولها من الداخل من خلال وسائل عدة من شأنها  أن تعزز الاقتصاد المحلي. ومن أبرز الوسائل التي تساهم في تعزيز الإقتصاد هي الوسائل الضريبية المدروسة إجتماعياً، وبناء شراكة مع القطاع الخاص وحثه على الإستثمار داخل البلد، وتسهيل طرق الاستثمار من حيث المعاملات والأوراق. 

أما بالنسبة لإعادة الإعمار فتستطع الدولة أن تعفي أصحاب المشاريع والبيوت المدمرة من الضرائب، وتسهّل المعاملات المتعلقة برخص الإعمار لتشجّع المواطن على الترميم، وتأمين مواد أولية بكلفة منخفضة، وتأمين وحدات سكنية أو دعم الجمعيات القيّمة على الموضوع، حيث شاهدنا تقديم جمعية “وتعاونوا” للمساعدات لأهالي القرى المدمرة من وحدات سكنية إلى بعض المواد الغذائية نتيجة تلقي الدعم من بعض المغتربين. 

وبعد مرور عام ونيف على الحرب، عُقد يوم الثلاثاء الماضي أول لقاء تنسيقي نحو إعادة الإعمار بدعوة من رئيس مجلس النواب نبيه بري بحضور عددٍ من الوزراء والنواب من كتلتي حزب الله وحركة أمل، وممثلين عن بعثات أممية ودولية، وهيئات ومؤسسات محلية وعسكرية، حيث جرى عرض للأضرار التي خلفها العدوان الإسرائيلي على لبنان، والخطط والحاجات والأولويات التي يمكن السير بها.

وشكل المؤتمر الذي عقد في “مجمع نبيه بري الثقافي” في المصيلح، المبادرة الأوسع والأكثر جدية منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024، وهدف اللقاء إلى تحفيز الحكومة للنظر إلى المناطق المنسية في لبنان. 

 

وخلال المؤتمر عرض رئيس مجلس الجنوب هاشم حيدر أضرار العدوان والتكاليف، وقد بلغ مجموع الوحدات السكنية وغير السكنية المهدمة كلياً أو جزئياً 57730 وحدة، والمتضررة 185717 وحدة، وتقدّر كلفة التعويض عليها 5 مليارات و300 مليون دولار. كما قام “المجلس” بمسح أولي لأضرار البنية التحتية، وتقدّر الكلفة بـ500 مليون دولار، وهي لا تشمل الأضرار الزراعية. أما في ما يتعلق بإزالة الركام عن المباني المهدمة، فقد أنجز أكثر من 60% من الأعمال، والكمية الباقية تقع في قرى غير آمن العمل فيها، بل محظور العمل فيها، وهي 18 بلدة، 7 في قضاء صور، و8 في قضاء مرجعيون و3 في قضاء بنت جبيل”.

وذكر وزير الصحة ركان ناصر الدين أن أضراراً كبيرة أصابت القطاع الصحي والبنية التحتية الصحية، مشيراً إلى أن عدد المستشفيات المتضررة خلال الحرب بلغ 38 مستشفى، مقسّمة بين الخاص والحكومي. وتبعاً لتقديرات وزارة الصحة بعد التقييم الميداني مع المستشفيات، فإنّ الحاجات على صعيد المعدات والمنشآت والضرر الجزئي، تصل إلى 10 ملايين و280 ألف دولار. 

ووفقاً لما قاله رئيس الحكومة نواف سلام فإنّ إعادة الإعمار تمثّل أولوية وطنية للحكومة برمّتها. وأضاف “أن الحكومة لا تنتظر القرض الخارجي حصراً، بل تواصل العمل بجهودها الذاتية من خلال مشاريع تنفّذها الوزارات المعنية”.

كلام لطالما افتقد إلى رؤية شاملة لإعادة الاعمار وللنهوض الاقتصادي على حد سواء.

الجدير بالذكر وبحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أمنت المنظمات الدولية خلال الأشهر الأولى من الحرب، 60,874 ألف بطانية موزعة على منطقة النبطية والجنوب، و241,789 ألف وجبة غذائية على المآوي الجماعية في صور وصيدا، و150 خيمة للنازحين، وقدمت الخدمات الصحية لـ 14,233 نازحاً. وحصل نحو 16 ألف اسرة ولمرة واحدة على مساعدات مادية نقدية، وتوقفت هذه المساعدات منذ كانون الثاني 2024، بينما لم تتحرّك الدولة اللبنانية إلا بعد مطالبتها من الأحزاب المحلّية بالقيام بواجباتها، فانحصر هذا التدخل بصرف مبلغ 300 مليار ليرة لبنانية لمجلس الجنوب لدفع تعويضات للمتضرّرين من الحرب.

وفي النهاية يمكن القول إنَّ إعادة الإعمار في لبنان لا يمكن أن تتحقّق عبر المسكّنات أو انتظار المعونات الخارجية، بل من خلال رؤية إصلاحية بنيوية شاملة تُعيد للدولة دورها الحقيقي كضامنٍ للاقتصاد والمواطن معاً. فالطريق إلى التعافي المالي يبدأ من الداخل، من إعادة الثقة بين المواطن والدولة، ومن اعتماد سياسات إنتاجية عادلة بدل الارتهان للمساعدات الخارجية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى