إسلام إلإرهاب و إسلام المقاومة :صناعتان ومشهدان و عِبرْ (جواد الهنداوي)
د .جواد الهنداوي – الحوار نيوز
مؤسف ان يجتمع النقيضان في عبارة : الإسلام والإرهاب ،الحق والباطل ، الخير والشر ، النور و الظلام ،الحياة و القتل . ولكنهما توافقا ،قهراً ، بإرادة الشيطان ، وهلّلَ و طبّل لتوافقهما عفاري او عفاريت وأصناف الجِنّ الخبيثة ،ومن اهداف هذا التوافق ، والذي سادَ وخرّبَ لأكثر من عقدٍ من الزمن ، ليس فقط تدمير شعوب ودول ،و انما الإساءة إلى الإسلام و تشويه صورته و مكانته ، والحيلولة دون انتشاره و توسّعه ، و خاصة في دول اوربا و العالم .
مقالٌ للكاتب المرموق عبد الرحمن الراشد ، في جريدة الشرق الأوسط ،بتاريخ ٢٠٢٣/١٢/٢٨ ، وبعنوان ” هذه هي الطريقة للتخلّص من حماس ” ، صفحة ١٥ ،صفحة الرأي ، قادني لاختيار الموضوع وعنوان الموضوع ” إسلام الإرهاب و إسلام المقاومة ” ، والذي يعني إسلام القاعدة وداعش ، إسلام الذبح والقتل الجماعي للأطفال والنساء ،و كان في الأمس على يد الدواعش وجبهة النصّرة و اخوانهم في العراق و سوريّة ولبنان ، واليوم على يد الصهاينة ومرتزقتهم وحلفائهم في غزّة ، من جهة ، و إسلام غزّة و المقاومة مِنْ جهةٍ أُخرى .
ينتقدُ الكاتبُ عبد الرحمن الراشد مقال نتنياهو ، المنشور في جريدة ” وول ستريت جورنال ” حيث يقترحُ نتنياهو ،في مقاله ، القضاء على حماس و استئصال التطرف في المجتمع الفلسطيني . و أنتقاد الكاتب الراشد ليس لمسعى نتنياهو لاستئصال حماس ، و انما لفقدان نتنياهو المصداقية داخل اسرائيل و خارجها ،ف ” نتنياهو لا يشبه من سبقه ،الذين على الاقل كانوا يتمتعون بشيء من المصداقية، رابين ،باراك ،أًولمرت . نتنياهو دمّرَ كلّ ما فعله الثلاثة ” ( انتهى الاقتباس ) .
لِعِلم القارئ الكريم، ايهود باراك ،رئيس وزراء الكيان المحتل الأسبق ، قادَ فرقة الاغتيال للشهداء الثلاثة ،قادة منظمة التحرير الفلسطينية ( كمال عدوان ، وكمال ناصر ، و ابو يوسف النجار ) ،في بيروت عام ١٩٧٣ ، وكان باراك مُتنكراً بزي امرأة . وبالمناسبة ، تمّرُ اليوم الذكرى الخامسة والخمسون على جريمة الاغتيال هذه . و لا نريد الخوض في التاريخ الارهابي والإجرامي للآخرين من قادة كيان محتل وغاصب و توسعي ، والذين أشادَ بمصداقيتهم الكاتب عبد الرحمن الراشد .
مقال الراشد هو عتاب لنتنياهو : لأنَّ نتنياهو ، وفقَ قلم الراشد ، سمحَ لحماس بالعيش والتمّدد على حساب السلطة الفلسطينية ،لأنَّ نتنياهو أراد ان يُظهِر للعالم بأن حماس ” تشبه القاعدة ، رجال ذوو لحى طويلة و نساء مُحجّبات ، و … ،نسخة لا تشبه الصورة النمطية للقضية الفلسطينية ،التي شاعت دولياً ،من ايام ياسر عرفات وليلى خالد وحنان عشراوي … الصورة التي سوقّها نتنياهو مستخدماً حماس الفلسطينيين جماعة ارهابية من امتدادات القاعدة وبن لادن والبغدادي و خامئني ونصر الله … ” ( انتهى الاقتباس ) .
صراحة ،كُلَّ عبارة كُتبتْ في مقال الكاتب عبد الرحمن الراشد تدعو للتوقف و التعليق و الاستفهام !
لا أعلمْ كيف سمح نتنياهو لحماس بالعيش والتمدّد ، و حركة حماس والشعب الفلسطيني في غزّة مُحاصران منذ سنوات طويلة ، و يعيشان بفضل الأنفاق ؟
لا أعلمْ ،متى كان لدى نتنياهو ولدى قادة الكيان ولدى الادارات الأمريكية المتعاقبة ،صورة نمطية مقبولة للقضية الفلسطينية ؟
و إلى اين قادت هذه الصورة النمطية ؟
أوليس جميع الفلسطينيين ارهابيين بنظر نتنياهو وليس فقط حماس ؟
ولماذا خلط الكاتب الحابل بالنابل و مرّرَ مقارنته لحماس بالقاعدة وداعش والبغدادي ،على لسان نتنياهو ؟
نتنياهو لم ولن يذكر داعش والارهابيين بسوء ، هم يقاتلون مع جيشه المهزوم الآن في غزّة .بين داعش و الارهابين وجيش الاحتلال مشتركات الفكر والعقيدة والاهداف .هم من ذات الصانع وذات الصنائع ، جرائم داعش في الأمس والتي أُرتكبتْ في العراق وسوريّة ولبنان ،تُرتَكبْ اليوم وبصورة رسميّة واوسع وبمشاركة الصانع في غزّة .
وهل يستوي المرابطون والمقاومون عن حقهّم بالحياة والكرامة في غزّة وفلسطين ولبنان مع الدواعش والارهابيين الذين ذبحوا وقتلوا واغتصبوا من اجل الخلافة الإسلامية ؟
شُكرا لغزّة الشهادة و الصمود و النصر و العزّة ،و التي قدمّت نموذجاً للإسلام المقاوم و المدافع عن الحق . الصورة التي سوقتهّا غزّة بصمودها وصبرها واستبسال مقاتليها وشعبها للعالم هي ليست صورة ارهاب ،بل صورة مقاومة .هكذا فهمها الرأي العام وفي كل مكان .
تشير دراسات و تحقيقات إعلامية إلى ذهول و اعجاب شعوب العالم بصبر و بثبات اهل غزة و بقائهم ،رغم الابادة الجماعية التي يتعرضون لها ، فيبطلُ عجبهم حين يدركون ان سبب قوة وصبر وثبات اهل غزّة هو إيمانهم واسلامهم ، و استعانتهم بالله وبالصبر . هذا ما قدّمه إسلام المقاومة للعالم . صرخة المقاتل الغزاوي بعبارة ” الله اكبر ” حين يرمي عدوه ،هي ليست ذات ” الله اكبر ” التي ينطقها زوراً الدواعش و اتباعهم حين يجزون رأس إنسان برئ .
إسلام داعش و الإرهاب ،وصناعته أمريكية اسرائيلية،جعلت شعوب العالم تتوجس من الإسلام ،و إسلام غزّة ومصدره الايمان و القرآن والحق والعدالة والنضال جعلَ الكثير من غير المسلمين يعتنقون الاسلام .
* سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /٢٠٢٣/١٢/٣١ .