رأي

إسرائيل ومعادلة الغرب المستعمر في الشرق الأوسط( فرح موسى)

 

أ .د فرح موسى – الحوار نيوز

 

حينما ألف ثيودور هرتزل كتابه”الدولة اليهودية”،ذكر فيه حاجة الغرب إلى إنشاء كيان لليهود في فلسطين يجسّد روح الحضارة الغربية في مواجهة البربرية الشرقية.

وقد تسنى لهذا الكيان أن يبصر النور بفعل التآمر الدولي على شعب فلسطين،ويذكر لنا أهل التأريخ كيف أن الصهيونية العالمية تفاعلت مع السياسات الغربية لتحويل حلم هرتزل إلى حقيقة في ظل انهيار منظومات الحق العربي والخلافة الإسلامية.وكانت النتيجة ولادة هذا الكيان الذي جمع له شتات الأرض،وشذّاذ الآفاق،ليكون قاعدة استعمارية متقدّمة للغرب في فلسطين،تكون أولى مهامه الفصل في الجغرافيا تمهيدًا للقطع في التاريخ،وقتل روح الانبعاث في أمة العرب والمسلمين.

فإذا كان الغرب المستعمر قد تمكن من تنفيذ وعوده في إقامة هذا الكيان،وحقق أهدافه في تشكيل القوة العسكرية المناسبة لأطماعه في الشرق الأوسط،وجعل المنطقة العربية أسيرةً لهذه القوة بما تمكن من فعله،حربًا وغزواً،وتهجيرًا،واحتلالًا للأرض،فهل هذا الكيان بعد ستة وسبعين عامًا من الدعم والتسليح ما يزال قادرًا على القيام بوظيفته التي أنشيء لأجلها؟

سؤال يطرح في أجواء معرفتنا بحقيقة ما ناله هذا الكيان وحظي به من دعم أوروبي وأمريكي طيلة عقود من الزمن،تعاقبت فيها أمبراطوريات من بريطانيا العظمى إلى أمريكا الأعظم على القيام به، لتكون له امتدادته الحيوية على مساحة الأمة العربية كلها،ولسنا نبالغ بقولنا:إن هذا الكيان أعطي من الدعم ما منحه فرصة أن يكون العالم الإسلامي كله امتدادًا له.

 فهذا الكيان اليوم يقف أمام معادلة جديدة لم يعهدها من قبل،فهو مأزوم في داخله،وقد أحاطت به المقاومة من كل اتجاه،ولم يعد الغرب المستعمر الذي أنشأه ينظر إليه بذات النظرة التأسيسية،التي استفاد فيها الغرب من أكاذيب المظالم اليهودية في أوروبا. فكم هو الفرق كبير بين ما كان عليه عالم التأسيس للدولة اليهودية،وبين ما هو عليه عالمنا اليوم من ظهور حركات الوعي والمقاومة لجب هذا الكيان عن تطلعاته،وحرمانه من سطوة أفكاره،سواء في الغرب ،أو في بلاد العرب والمسلمين؟ إنه فرق جوهري ومؤثر في صياغة الرؤيا الاستراتيجية المنبثقة عن أفكار وتطلعات الأمة الجديدة الواعية بقضية فلسطين،فلم يعد ممكنًا للغرب ولأسياد هذا الكيان التعامل مع الواقع الجديد من وحي فرضياته التاريخية،بل لا بد من التحول في استيعاب الظروف وفق رؤى جديدة متوّلدة من تحولات في فكر الأمة العربية والإسلامية،كان لها أثرها وفعلها في  جعل الكيان على قلق كبير في وجوده رغم كل ما يمتلكه من دعم غربي.فكل المعادلات تغيّرت في الشرق الأوسط،إذ في الوقت الذي كان يسعى فيه هذا الكيان للتطبيع مع أعراب المسلمين،ويبني أمجاده الأمبراطورية في استقطاب مراكز الثقل الاقتصادي والمالي،ويعد أوروبا والهند وكل المستعمرين بالمزيد من العظمة اليهودية.فإذا به يترهل على أبواب غزة فلسطين،ويطارد في البحار لإغراق سفنه،ويستحضر كل سفن الغرب المستعمر وبوارجه،طلبًا للحماية،وخوفًا من أن يُغرق في المتاهة والمهانة..

فأي معادلة جديدة تفرض اليوم على وقع متغيرات التاريخ والجغرافيا؟فهذا الكيان الصهيوني لم تغنه كل  عقود التسلح والتطور،بل انكشفت خدعته التاريخية أنه واحةُ للحضارة،ومقدمة لطلائع الغرب.فلم يبقى له إلا أن يعلن عن خوائه في ظل ما يتعرض له من هجمات مقاومة تنذره بانسداد كل أفق غربي أمامه.ولسنا ندري ما إذا كانت معادلات الغرب الجديدة تقضي بأن تخاض الحروب،وتدّمر اقتصاديات الدول،وتنهار بورصات المال،لأجل أن ينعم هذا الكيان بالمزيد من أيام القلق الوجودي.؟وهل ستبقى سفن العالم محبوسةً ومتأهبةً لحماية هذا الكيان بعد علمها بتفلّت البحار من بين أيديها،كما يجري لها في البحر الأحمر،فماذا هم فاعلون أمام امتداد معادلات القوة المقاومة الممتدة على مساحة ملايين الكيلومترات المربعة؟

إن المعادلة الحاكمة اليوم تختلف عن وضعيات العالم القديم،وتفرض تحولات جوهرية على السياسات العالمية،فإذا كان الهم الغربي قديمًا قد احتكم إلى منازع الصهيونية المجرمة في غصب أرض فلسطين وتهجير أهلها،فهذا الهم اليوم يخرج عن كونه همًا ليصبح قلقًا وجوديًا على الغرب نفسه،فإسرائيل هذا الكيان المتوّلد من رحم أزمات الغرب،لم تعد له صلاحية البقاء،ولا منافع الاقتصاد،طالما أن محور المقاومة قد أيقظ في الغرب نفسه حقيقة ما تعنيه الصهيونية من حرب وقتل وإجرام،وهذا ما تبدى لنا مما حفلت به جامعات الغرب قبل شوارعه في ما عبرت عنه من رؤى وأفكار والتزامات اتجاه الحق الفلسطيني.

فإسرائيل ككيان غاصب ومحتل دخلت في عين الإعصار،ولم يتبق أمامها سوى الانكشاف عن فكرتها المزيفة، والتسليم بمعادلة الحق التي تفرضها تحولات ووقائع الشرق الأوسط الجديد في ظل انهيار موازين الردع التي تكسّرت على أبواب غزة فلسطين،فبان الحق وزهق الباطل،وما هي إلا أيام وترى عجائب الحق في ما ستؤول إليه حالة هذا الكيان من قلق وخوف وضمور وغروب.

لقد تغيّرت المعادلة بانزياحات في التاريخ والجغرافيا،وهذا ما ينبغي لحاظه في ما يجريه الغرب من مراجعات حول حقيقة وجدوى دعمه لهذا الكيان الغاصب..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 * رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى