إسرائيل والانتخابات الرئاسية: الطموح إنتاج سلطة معادية لحزب الله
الحوار نيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب علي حيدر في صحيفة الأخبار:
تقارب إسرائيل متغيّرات الساحة اللبنانية من زاوية تأثيرها على مصالحها الأمنية. وانطلاقاً من التوصيف الرسمي الإسرائيلي لحزب الله على أنه تهديد استراتيجي خطير على أمنها القومي، فإن معيار تقويم أي متغيّر داخلي وخارجي واتخاذ موقف منه ينبعان من تقدير تل أبيب لما ينتجانه من فرص أو تهديدات لموقع الحزب في المعادلة اللبنانية، وما إذا كان ذلك يساهم في تقييد خياراته العملياتية ضد كيان العدو. وقد تمّ التعبير عن ذلك تكراراً في مواقف قادة العدو على كل المستويات، فضلاً عن التقديرات الاستراتيجية التي تصدر عن المعاهد التي تُعنى بالأمن القومي.
من أبرز الأمثلة في هذا المجال وصف بنيامين نتنياهو أحداث تشرين الأول 2019 بأنها «هزة أرضية» في منطقة تتمتّع فيها إيران بنفوذ، ما يجعلها فرصة لإسرائيل.
ومنذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، تعزَّز اهتمام المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل بالساحة الداخلية اللبنانية، بعد فشل محاولات إسرائيلية مباشرة وغير مباشرة لسحق حزب الله أو إضعافه أو تقييده بمعادلات تمنعه عن المبادرة والرد… وكان في كل مرة يخرج أكثر قوة وخبرة وتصميماً وتطوّراً.
هذه التحولات وما نتج عنها أدّت إلى مزيد من الاهتمام بالساحة الداخلية اللبنانية في إسرائيل، باعتبارها جبهة خلفية يمكن من خلالها الالتفاف على الحزب، مع استغلال وجود أرضية داخلية تتقاطع مع كيان العدو في الرؤية والموقف من المقاومة.
السيناريو الأكثر خطورة على لبنان والأمثل لكيان العدو يتمثل في إنتاج سلطة سياسية في لبنان معادية للمقاومة، تملك من التهور ما يدفعها إلى ترجمة هذا العداء بخطوات عملية تحت كثير من العناوين. وفي هذا الإطار، يندرج اهتمام إسرائيل بهوية رئيسَي الجمهورية والحكومة وخياراتهما، وبموازين القوى البرلمانية والحكومية. وليس هذا الاهتمام وليد الأشهر الأخيرة. فقد سبق أن أوصى معهد أبحاث الأمن القومي بضرورة انضمام إسرائيل إلى المساعي «لتقوية القوى الإيجابية المعارضة لحزب الله ومنع سيطرته المطلقة على مؤسسات الدولة (…) من دون التخلي عن الجهود السياسية والعسكرية لإضعافه». ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى مقاربة استباقية ترى في التطورات في لبنان فرصة للتأثير في مستقبل هذه الدولة.
في المقابل، تدرك إسرائيل بأن لا قوة عسكرية على الساحة اللبنانية قادرة على تشكيل تهديد وجودي لحزب الله، لكنّ خياراتها غير محصورة بين القضاء على الحزب أو التسليم بوجوده وتعاظمه. ولذلك كان من الطبيعي أن تتبنّى أهدافاً أقل طموحاً، لكنها ليست أقل خطراً على لبنان.
من هذه الأهداف، محاولة حرف أولويات حزب الله عبر إشغاله بتحديات مستجدّة في الداخل اللبناني. ويكمن الرهان الإسرائيلي، بالحد الأدنى، في أن ينعكس ذلك سلباً على تفرغ الحزب لمواجهة الاحتلال، واستنزافه في أزمات داخلية وصولاً إلى سيناريو الصراعات الدموية الداخلية. وفي هذا المجال سبق أن أوضح تقدير صادر عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، أيضاً، بأن هناك رؤية في إسرائيل ترى أنه «كلما ازدادت المصاعب الداخلية في هذه الدولة (لبنان)، غرق حزب الله في مواجهة مشكلات هذا البلد، وسيكون من الصعب عليه التفرغ للمواجهة مع إسرائيل، وسينتهج نهجاً أكثر انضباطاً حيالها».
كلما ازدادت المصاعب الداخلية في لبنان غرق حزب الله في المشكلات
إلا أن اللافت أن حزب الله استبق كل هذه التطورات والمخاطر في جبهته الخلفية في وقت مبكر جداً، فتشدّد في موقفه بالمشاركة في الحكومات بعدما كان يتجنّب ذلك، ونسج تحالفات داخلها للحفاظ على الاستقرار الداخلي قدر الإمكان. والأهم أن هذه المشاركة كانت ولا تزال جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى حماية ظهر المقاومة والحؤول دون طعنها بما يضطرها للدفاع عن نفسها بالقوة (ناهيك عن ضرورات لا تقل إلحاحاً للمشاركة في الحكومة تتصل بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي). من هنا، تصبح واضحة خلفية إصرار الجهات المعادية في لبنان وخارجه على تشكيل حكومة من دون حزب الله في أكثر من محطة، كما خلفية محطات عديدة استهدفت طعن المقاومة في جبهتها الخلفية.
وإلى الاعتبارات الداخلية المحض، يشكل انتخاب رئيس الجمهورية إحدى أهم المحطات التي تخضع للتجاذب بين المقاومة وخصومها في الداخل وأعدائها في الخارج، كونها تشكل محطة مفصلية في بلورة معادلات سياسية داخلية تشكل ترجمة لمخطط استهداف المقاومة، تراوح بين إشغالها واستنزافها وإغراق لبنان في سيناريوهات تشكل تهديداً للسلم الأهلي، ويمكن استحضار العديد من المحاولات والمساعي التي واجهها لبنان في هذا المجال. ولا يحتاج العدو الإسرائيلي إلى التواصل المباشر مع خصوم المقاومة في الداخل اللبناني لبلورة المخططات وتنفيذها ضد المقاومة، فمن يتكفل بهذه المهمة أطراف إقليمية و/ أو دولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولا يخفي القادة الإسرائيليون خططهم هذه في كثير من الأحيان، وإن كانوا يلتزمون الصمت في أحيان أخرى لئلا يؤدي ذلك إلى إرباك المخطط الذي يستهدف تطويق المقاومة عبر الساحة الداخلية اللبنانية. وضمن السياق نفسه يأتي ما ورد أيضاً في توصيات سابقة لمعهد أبحاث الأمن القومي للحكومة الإسرائيلية، بضرورة «الاستمرار في الجهد المستمر لإضعاف حزب الله، سواء من خلال خطوات سياسية – دعائية لتشويه صورته في الساحة الداخلية اللبنانية أو عسكرياً. وعلى المستوى العسكري، بالإضافة إلى الحاجة إلى مواصلة الاستعداد لاحتمال المواجهة على الحدود الشمالية، المطلوب فحص ما إذا كانت الأزمة في لبنان تشكل فرصة لإسرائيل للمسّ بقدرة حزب الله بقوة» (22/7/2021).
بعيداً عما إذا كان العدو سيحقق أهدافه، إلا أن المؤكد أن من سيدفع ثمن هذه المغامرات هو الشعب اللبناني، فبعض التطورات الداخلية قد تغري العدو وتُنتِج لديه آمالاً وتستدرجه إلى تقديرات وخيارات خاطئة فيتورّط ويورّط لبنان في سيناريوهات تفاقم من أزماته وتُعمق من التحديات التي يواجهها شعبه.