كتب حلمي موسى من غزة:
يستغرب كثيرون كيف تدار الأمور في إسرائيل في ظل حكومة تحوي كل هذه التناقضات. ويزداد الاستغراب، خصوصا في زمن الحرب، من حدة الاختلاف والتناقض أحيانا بين القيادتين السياسية والأمنية. ووصل الأمر مؤخرا، وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية،إلى اتخاذ قرار، مثلا، بعدم إطلاع وزير الأمن القومي ايتمار بن جفير على تقارير استخبارية خشية تسريبها. كما صرخ رئيس الأركان هرتسي هاليفي في وجه وزراء أثناء جلسة للحكومة جراء حملتهم عليه وعلى الجيش بسبب طول الحرب على غزة وعدم تحقيقها الأهداف المعلنة. وإذا لم يكن هذا كافيا فإن الصراع بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن، على الأقل إعلاميا، دخل مرحلة جديدة كشف عنها بايدن في مقابلة مع مجلة “نيويوركر”.
وكان الخلاف بين المستويين السياسي والعسكري قد انفجر بأشد الأشكال حدة أثناء الحرب، ولكنه دخل مرحلة جديدة مؤخرا عند مناقشة مشروع قانون تجنيد “الحريديم” (المتدينين). واعتبر كثيرون أن الصراع داخل الليكود وداخل الحكومة بلغ أشده بإعلان وزير الحرب يؤآف غالانت أنه لن يقبل عرض مشروع قانون التجنيد إذا لم توافق عليه كل كتل الائتلاف الحكومي. وشكل هذا الإعلان فرصة لتقاطب حاد داخل الحكومة برره غالانت بأنه بموقفه كان يدافع عن الجيش وعن قيمه في وجه من لا يريدون مساواة في تحمل عبء التجنيد.
وقد انفجر الصراع عنيفا في الحلبة السياسية الإسرائيلية جراء الصراع على التجنيد وبسبب الحرب. ورفعت أحزاب المعارضة المستوى في هجومها على نتنياهو، في اليوم الـ 150 للحرب. وقال زعيم المعارضة يائير لابيد إن “حلم أعدائنا هو حكومة الكوارث”. وقال رئيس إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان إن “حلم أعدائنا هو حكومة الكوارث. هذه هي “حكومة الأصفار”.
قال لابيد في بداية المعهد الديني لفصيل “يش عتيد” إن “نتنياهو قال هذا الأسبوع إن الانتخابات الآن هي حلم أعدائنا. اعكسها يا سيدي، اعكسها”.. “أمامنا خياران: حكومة سيئة وخطيرة ومتفككة وسامة، أو انتخابات تؤدي إلى حكومة جيدة ستعيد الأمن لشعب إسرائيل. ليس هناك ما يخيف السنوار وهنية أكثر من وجود حكومة فعالة، حكومة إسرائيلية ذات توجه أمني هنا، بدعم من العالم واقتصاد فعال”.
وأضاف لابيد أن “هذه الحكومة ليست مؤهلة لقيادة حملة سياسية. لقد فقد الأمريكيون الثقة في هذه الحكومة. لقد فقدوا الثقة في قدرة نتنياهو على قيادة الحملة”.. “هذه الحكومة ليست مؤهلة لإدارة اقتصاد الحرب. فهي تواصل تحويل المليارات إلى أحزاب الائتلاف. ولا تزال لديها مكاتب حكومية غير ضرورية ووزراء لا يفعلون سوى الضرر. وتبذل هذه الحكومة كل جهد لإحباط تجنيد اليهود الحريديم. يقول الجيش: ليس لدينا ما يكفي من الجنود. نحن نجبرهم، لكن هذه الحكومة مهتمة فقط بالسياسة والمصالح.
وقبله تحدث رئيس حزب إسرائيل بيتنا ليبرمان الذي قال : “أدعو رئيس الكنيست إلى إلغاء العطلة. عندما تنظر إلى ما يحدث مع الأسرى، الشمال والجنوب والميزانية – لا أفهم كيف سيذهبون إلى العطلة خلال شهر. الكنيست بحاجة إلى أن تكون قدوة، وهناك الكثير للقيام به، بما في ذلك التشريع وقانون التجنيد وقانون الميزانية وأشياء أخرى كثيرة”.
وقال ليبرمان: “الحرب؟ الحرب انتهت”.. “الآن نحن نعود. هل تتحدث معي عن رفح؟ انظر كم من الوقت استغرقنا في خان يونس. يمكن لكل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع اللذين يتحدثان عن النصر الكامل الاشتراك في مهرجان الحكايات. إنها مجرد خلط الأوراق، وما نراه في غزة هو حرب، نحن ندفع ثمناً باهظاً لأن الحكومة لا تفي بوعودها للشعب”.
ومعروف أن الجيش الإسرائيلي وخصوصا بعد 7 أكتوبر يعيش حالة قلق شديد جراء تدني معنويات قادته الكبار والصغار إثر الفشل في مواجهة هجوم 7 أكتوبر. وقد نشر الكثير عن آثار هذا الفشل على القيادات الاستخبارية والميدانية وعن الرؤوس التي ستسقط في ظل سقوط هيبة الجيش. ولم يغير من واقع الحال مدى الوحشية التي استخدمها الجيش في حربه التدميرية ضد غزة، إذ ظل العنوان هو وجوب إجراء تحقيق شامل ومعمق في الفشل الذي منيت به المنظومات الدفاعية والأمنية الإسرائيلية في 7 اكتوبر وما بعدها.
وبحسب موقع “واينت” فإن الكثير من الضباط من مختلف الرتب توجهوا لتلقي المشورة من النائب العام العسكري استعدادا للتحقيقات في فشل 7 أكتوبر. ولم يقتصر الأمر على كبار القادة في هيئة الأركان وقيادة المنطقة الجنوبية وإنما تعداه إلى وحدات النخبة التي تأكد أن مقاتليها يتلقون أيضا المشورة من محامين. وقد بدأت هذه العملية بعد أن قرر رئيس الأركان توزيع أمر تحقيقات الحرب في نهاية هذا الأسبوع، والذي سيتم تسليمه إلى كل الأجنحة والأسلحة، وخاصة شعبة المخابرات وقيادة الجبهة الجنوبية. وسيتم تلخيص النتائج الرئيسية لهذه التحقيقات بحلول شهر مايو.
يتيح الدفاع العسكري للضباط والجنود الذين سيتم استجوابهم في جميع الأجنحة والأسلحة والقوات، محامي الدفاع العسكري الاحتياطيين والنظاميين، الذين سيرافقونهم طوال العملية. وهذا تحرك غير عادي في نطاقه وطبيعته، وينبع من الخوف من تورط الضباط في النسخ التي سيقدمونها لكبار الضباط، الذين سيتعاملون مع التحقيقات في الظروف والتصرفات التي أدت إلى الأحداث. 7 أكتوبر، السلوك في اليوم الذي بدأت فيه الحرب وتتحرك إدارة الحرب بعد ذلك. وتثير التحقيقات العسكرية في الفشل مخاوف الكثيرين من أن يتحولوا أمام الرأي العام إلى أكباش فداء خصوصا أن تحقيقات الجيش قد تشكل أرضية لأي تحقيق قضائي مستقل قد تقرره الدولة لاحقا.
وواضح أن هذه التحقيقات تخلق توترا على الصعيد الشخصي في كل مستويات الجيش وخصوصا العليا. وربما أنه في هذا السياق أتى نشر القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي لخبر صراخ رئيس الأركان على عدد من الوزراء في اجتماع الحكومة. وقالت القناة إن رئيس الأركان هاليفي صرخ على بعض وزراء الحكومة واتهمهم بالظلم، بعد أن انتقدوا إنجازات الجيش خلال الحرب. وأضافت أنه في أثناء أحد الاجتماعت الحكومية الأخيرة قام عدد من الوزراء بانتقاد الهجوم البري، معتبرين أنه لا يدار بشكل جيد، وأن معدل تقدمه بطيء. وحمل هؤلاء الوزراء أيضا على قرار الجيش ترك الهجوم على رفح إلى النهاية واعتبروا ذلك خطأ. وحينها بدأ هاليفي بالرد والصراخ على الوزراء قائلا: “أذكركم بأنكم لم ترغبوا أصلا بهذا الهجوم البري على الإطلاق”. وأضاف أيضًا أنه “لو كان الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية لا يريدون ذلك، ما كنا عملنا في قطاع غزة على الإطلاق”.
وفي ظل خشية المؤسسة الأمنية من انفجار الوضع في مناطق 48 والضفة الغربية جراء ترك أمر القدس والحرم القدسي بيد بن جفير والمتطرفين، جرى إرسال رسالة من المؤسسة العسكرية للحكومة. وفحوى هذه الرسالة، وفق صحيفة “إسرائيل اليوم” أنه من المهم توفير حرية العبادة لعرب 48 والفلسطينيين من الضفة ضمن قيود أمنية . ويضيفون أيضاً أن الموقف سيتم طرحه على المستوى السياسي. هناك سيتم الانتهاء منه. وفي ما يتعلق بقبول الفلسطينيين من الضفة الغربية في الحرم القدسي، يقال إن الجيش الإسرائيلي سيصوت لصالح قضيتين رئيسيتين: الأولى هي القيود المتعلقة بالسلامة والأمن، والثانية الخليط الذي سيكون بين العرب الإسرائيليين والفلسطينيين من الضفة في شهر رمضان.
وإذا لم يكن هذا كافيا فإن الرئيس الأمريكي الذي لا يتورع عن إعلان نفسه صهيونيا، والذي اعتبر أفضل رئيس لإسرائيل في تاريخها، صار يشعر بالخيبة من نتنياهو وحكومته. وفي مقابلة مع مجلة نيويوركر أفصح عن شعوره بالاحباط من سلوك إسرائيل في الحرب. ووفقا له، عندما طلب من أعضاء الحكومة المحدودة التصرف بحذر أكبر في قطاع غزة، أجابوا: “أمريكا أيضا دمرت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية”. وأشار بايدن إلى أنه قال لهم ردا على ذلك: “لهذا السبب أنشأنا الأمم المتحدة وجميع القواعد المصممة لتجنب حدوث شيء مثل هذا مرة أخرى”.
