إستشراف لمعالم المرحلة المقبلة مع الباحث السوري في شؤون الشرق الاوسط محمد صالح الفتيح
حوار محمد هاني شقير -الحوارنيوز
ما هي معالم المرحلة في منطقة الشرق الأوسط بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
ما يمكن توقعه في حال تجديد ولاية الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب أو فوز منافسه جو بايدن؟
ما هو تأثير ذلك على اتفاقيات التطبيع بين عدد من الدول العربية وبين كيان العدو حيث تهرول لها أنظمة الاستسلام، وعلى مفاوضات ترسيم الحدود الجارية في شوطها الثاني اليوم، بين الكيان الصهيوني من جهة وبين لبنان من جهة ثانية، بإشراف الامم المتحدة والوسيط غير النزيه الولايات المتحدة الاميركية؟
هذا بالاضافة الى قضية سلاح حزب الله وسمات الحكومة الجاري العمل على تظهيرها برئاسة سعد الحريري.
هذه المقابلة مع الاكاديمي السوري محمد صالح الفتيح* المقيم في المملكة المتحدة،تحاول استشراف المرحلة المقبلة وقراءة معالمها:
س: هل تعتقدون أن جو بايدن في حل فوزه سيستمر في نهج ترامب لجهة مواصلة سياسة الضغط على دول منطقتنا؟ وهل تنصحون القيميين النظر جيدًا بما تمليه الادارة الاميركية على السودان، فهل نحن نسير في طريق إلزامي نحو أي شكل من أشكال التطبيع مع العدو؟
ج: بالرغم من أن جو بايدن قد نشر بيانه السياسي في 11 تموز/يوليو وتطرق فيه لبعض ملامح سياسته الخارجية في حال توليه الحكم، إلا أنه اكتفى بخطوط عامة، احتوت على انتقادات لسياسات ترامب أكثر مما احتوت بياناً واضحاً بالأهداف وسبل تحقيقها. وفيما يخص المنطقة فمن المرجح أن نشهد تغييراً في توزيع الضغط الأميركي إن جاز التعبير. فمن المستبعد أن يفرض بايدن المزيد من الضغوط على إيران ، ويحاول فتح بعض القنوات الدبلوماسية معها بغرض جس نبض إمكان العودة للمفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. ولكن مع استبعاد حصول تقدم على هذا المسار، إلا أنه من المستبعد أن يفرض بايدن المزيد من العقوبات تجنباً لتلقي الاتهام بأنه يكرر سياسات إدارة ترامب. ولكن في ما يخص سورية فمن المرجح أن تزداد الضغوط الأميركية على سورية على عدة مسارات. فمن ناحية أولى، كان الديمقراطيون هم من ضغط لعدة سنوات لإقرار قانون عقوبات قيصر ،إلا أن الجمهوريين في عهد دونالد ترامب عرقلوا إقرار هذا القانون وذلك لتجنب قطع شعرة معاوية مع موسكو ولترك المجال مفتوحاً أمام بعض الصفقات في المجال السوري. ولهذا لم ينفذ سوى الجزء الأقل أهمية من قانون عقوبات قيصر – وهي العقوبات على بعض الشخصيات الرسمية والاقتصادية – فيما لم تطبق العقوبات على المصرف المركزي السوري. ولهذا فمن المرجح في حال فاز بايدن، واستكمل الديمقراطيين السيطرة على الكونغرس فمن المرجح أن يتم تطبيق المراحل المؤجلة من قانون عقوبات قيصر ،وهذا ما سيكون له تأثيرات قاسية على الاقتصاد السوري، وذلك قياساً بما حصل مع الاقتصاد الإيراني منذ أن طبقت العقوبات على المصرف المركزي الإيراني في أيلول/سبتمبر 2019. [حيث كان سعر الدولار مقابل الريال مستقراً منذ أيار/مايو 2018 عند مستوى 110 إلى 120 ألف ريال ولكنه قفز منذ تطبيق العقوبات على المصرف المركزي ليصل حالياً إلى مستوى 320 ألف ريال تقريباً].
أما في ما يخص العلاقات مع إسرائيل فهناك اختلافات محدودة بين ترامب وبايدن. الأخير بارك اتفاقات التطبيع الأخيرة وهو معروف بامتلاكه علاقة جيدة مع نتنياهو. وفي حين أنه من المستبعد أن يضغط بايدن بشكل مشابه لما فعل ترامب إلا أنه من المستبعد أيضاً أن يقوم بعرقلة الزخم الحالي لاتفاقات التطبيع ومن المرجح أن نشهد في العام المقبل توقيع المزيد من الاتفاقات.
أما من حيث حتمية السير باتجاه التطبيع فيجب دراسة حالة السودان بشكل جيد. فالتطبيع بين السودان وإسرائيل بدأ في عهد البشير واستمر بتأثير نفس العوامل التي قادت لانطلاقه وهي الوضع الاقتصادي المتردي في السودان، فتراكمت ديون زادت على 60 مليار دولار، والعقوبات الدولية التي تحول دون قدرة السودان على الاستفادة من المساعدات المالية الدولية ومن برنامج صندوق النقد الدولي لمساعدة الدول الأكثر فقراً في مواجهة الديون هو ما وضع السودان على حافة المجاعة. وهو ما ساهم في انخفاض سعر الجنيه السوداني أمام الدولار من حوالي 50 جنيهاً في كانون الأول/ديسمبر إلى حوالي 260 جنيهاً منتصف تشرين الأول/أكتوبر. ما يجعل التطبيع حتمياً هو الفشل بإدارة الاقتصاد والفشل بالقيام بالتغييرات اللازمة لإنقاذ الاقتصاد. وهذا ما يشترك به السودان مع عدد من دول المنطقة ومنها لبنان والعراق وسورية.
ولهذا ليس من المستغرب أن يتم النظر إلى انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل على أنها مقدمة للتطبيع، أو أن يتم إثارة قضية التطبيع خلال جولة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظم في أوروبا الأسبوع الماضي، أو أن تخرج تحليلات إعلامية تتساءل عن قرب التوصل إلى اتفاق سلام بين سورية وإسرائيل. المشترك بين البلدان الثلاثة هو كونها تواجه أزمات اقتصادية غير مسبوقة ولا حلول سهلة لها. وحتى الحديث عن التوجه شرقاً هو مجرد شعار غير قابل للتطبيق لأن الدول الثلاث تبحث عمن يقدم لها هبات بعشرات مليارات الدولارات والصين أو غيرها مما يوصف بالقوى الصاعدة في آسيا لم تعتد تقديم مثل هذه الهبات. فالصين، على سبيل المثال، قدمت خلال منتدى التعاون بين الصين وأفريقيا 2018 (وهو منتدى يعقد كل ثلاث سنوات)، حزم منح ومساعدات وقروضا بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 60 مليار دولار ،وهذا المبلغ لثلاث سنوات ولأربع وخمسين دولة ولحوالي 1.3 مليار نسمة، في حين يحتاج كل من سورية ولبنان والعراق لأكثر من هذا المبلغ فقط لكي يغطوا عجوز الانفاق لبعض سنوات لكل منهم.
س:هل تتوقعون أن يكون هذا الطريق ممهدًا أم ستعترضه عدة عراقيل؟
ج:حتمية السير نحو التطبيع سيحددها عاملان: الأول هو الاقتصاد والثاني مدى تأثير قوى العرقلة التي ستعتبر أن اتفاقات التطبيع تتجاهلها، وهنا تحديداً أشير لكل من إيران وتركيا. ولكن بالرغم من كل الجهود التي يمكن أن تبذلها إيران وتركيا فإن السؤال الرئيسي سيبقى قدرتهم على دعم اقتصادات القوى التابعة لكل منهما. وفي الوقت الحالي، وعلى المدى المنظور لا يبدو أن القدرات الاقتصادية لكل من إيران وتركيا قادرة على تقديم الدعم الكافي. وبطبيعة الحال التطبيع هو لعبة انتظار. ومن ينتظر بشكل سلبي أي بدون تطوير خيارات سياسية أو اقتصادية سينتهي به الحال ليس إلى التطبيع بل إلى تمني التطبيع.
س:هل تؤشر مفاوضات الترسيم بين لبنان واسرائيل الى التأسيس لمرحلة جديدة في منطقتنا؟ لا زالت القوى السياسية في لبنان تتأرجح في مسألة تشكيل الحكومة، فهل أعطي الحريري الضوء الاخضر لتشكيلها، ولا سيما وان اي نهايات ايجابية للمفاوضات مع العدو تفترض توقيع السلطات اللبنانية كلها، رئيس جمهوري وحكومة ومجلس نيابي؟
ج:مفاوضات ترسيم الحدود حصلت في الدقائق الأخيرة من المباراة – إن جاز التعبير – ولهذا لا أراها ستقود إلى نتائج مادية ملموسة. لو كانت هذه المفاوضات قد بدأت في نهاية العام 2019 لكان من المرجح أن تقود إلى تغيير عميق في المنطقة ولكن في توقيتها الحالي ونظراً لتعقيدات ملف الحدود البحرية وقياساً بتجربة ترسيم الحدود البرية المتعثرة منذ أكثر من عقدين فلا يوجد مؤشر على أنها يمكن أن تنجز تقدماً كبيراً خلال الأشهر المقبلة.
وفيما يتعلق بالجانب السياسي الداخلي فيجب أن أشير إلى أن كلاً من لبنان وإسرائيل يعاني من أوضاع داخلية معقدة. ففي إسرائيل هناك احتمال كبير بأن تحصل انتخابات عامة في نهاية هذا العام لتكون هي الرابعة خلال أقل من عامين. وفي تلك الانتخابات يبدو احتمال تغيير المشهد السياسي الداخلي كبيراً مع تراجع شعبية الليكود لصالح صعود شعبية حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينيت المتخاصم مع نتنياهو خصومة شبيهة لخصومة الأخير مع أفيغدور ليبرمان. وهذا ما سيعرقل تشكيل حكومة يمينية على نحو ما رأينا في السنوات الأحدى عشرة الماضية.
وفي الجانب اللبناني فإن الخلافات بين الرئاسات الثلاث حول مسألة ترسيم الحدود تنطلق من الخلافات حول إدارة الأزمة السياسية والمالية الداخلية، بمعنى أن مفاوضات ترسيم الحدود قد تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات وتسجيل النقاط بين الرئاسات الثلاث. ولكن المشترك بين الرئاسات الثلاث – بالرغم من حجم الخلافات – هو أن كل الحلول التي يمكن أن يقبل بها أي منهم ستعتمد على توفر جهات دولية مانحة وهذا ما لايزال مستبعداً. وقد رأينا حجم الدعم الضئيل الذي تمخض عنه مؤتمر المانحين الخاص بانفجار ميناء بيروت ،وكذلك تراجع مانحي مؤتمر باريس 2018 عن حوالي نصف المنح التي تقلصت من حوالي 12 مليار دولار إلى حوالي 6.4 مليار فقط.
س:ماذا عن حزب الله وإيران وقضية سلاح المقاومة؟ كيف ستسير تلك المسألة؟ وهل نتجه الى شكل جديد يحكم سلاح المقاومة؟ أم نعيش مراحل تقطيع الوقت بانتظار أمر ما؟
ج:مع وصول بايدن إلى الحكم من المرجح أن يتوقف التصعيد الأميركي. وإن كان هذا لا يعني بالضرورة حصول انفراجة إلا أنه سيمنح إيران فرصة للتأقلم مع العقوبات، خصوصاً من خلال المسارين الحاليين: إنجاز معاهدة استراتيجية مع الصين والتحول إلى المقايضة التجارية في مختلف القطاعات. وفيما يخص سلاح حزب الله فإن مصيره سيرسم من خلال معرفة مصير مؤسسات الدولة اللبنانية والانفلات المحتمل. ففي ظل التوقعات بأن قدرة الحكومة اللبنانية على سداد رواتب موظفيها ستنفذ خريف العام 2021 وأن قدرة المصرف المركزي على تمويل المستوردات ستنفذ مع مطلع العام المقبل، فإن احتمالات انفراط عقد بعض المؤسسات اللبنانية، خصوصاً الأمنية منها سيرتفع. وهذا ما سيفتح المجال على عدة سيناريوهات منها حصول فوضى وأعمال عنف بتأثير الوضع الاقتصادي الداخلي وصولاً إلى مرحلة من الاقتتال الأهلي. ومن ناحية أخرى من المرجح أن تظهر موجة جديدة من المهاجرين من المنطقة إلى أوروبا. هذا التطور الأخير سيدفع الدول الأوروبية لتكرار النموذج الليبي هو محاولة مراقبة السواحل اللبنانية وإجراء اتفاقات مع القوى الأكثر نفوذاً على الأرض لضبط عمليات الهجرة ومراقبة السواحل اللبنانية. في ليبيا عقد مثل هذا الاتفاق مع فتحي باشاغا وزير الداخلية في حكومة الوفاق، وفي الماضي عقد هذا الاتفاق مع الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع (المكونة من بقايا ميليشيات الجنجاويد). من المبكر الحديث عن الجهة اللبنانية التي يمكن أن تلعب مثل هذا الدور ولكن القوى الأوروبية براغماتية للغاية ومن المستبعد أن يكون لديها أي خطوط حمراء أو تحفظات حول الجهة التي يمكن أن تتعاون معها على الساحل اللبناني لمنع انطلاق موجات من المهاجرين.
* أكاديمي سوري مقيم في المملكة المتحدة. يعمل على إنجاز رسالة دكتوراه في اللغويات من جامعة "Essex" البريطانية. باحث في شؤون الشرق الأوسط. كتب مقالات تحليلية بانتظام في جريدة "السفير" اللبنانية وفي عدد من الصحف والمواقع الأخرى.