د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
يعيش العالم خلال الفترة الانتقالية في أميركا، بين نهاية حكم الديمقراطيين واستلام الجمهوريين “الترامبيين “الأكثر تطرفا من الجمهورين “البوشيين”،يعيش إرهاصات فوضى عالمية شاملة، تتسارع مؤشراتها ،بشكل غير مسبوق وزيادة التوترات والحروب في غزة ولبنان واسرائيل واوكرانيا وروسيا واليمن(مع التحضير لسوريا والعراق)، لتتمدد الى دول اخرى تأتي في مقدمتها “إيران” التي تُعلن عدم رغبتها بالحرب وجنوحها نحو السلام والتهدئة، حتى وصلت الامور لتوجيه مستشار رئيس الجمهورية الإيرانية “محمد جواد ظريف” رسالة سلام وتودّد لليهود في العالم مبدياً حسن النوايا الإيرانية تجاههم، واستعداداً للتعاون وحصر عدائه بالصهيونية العلمانية، مخاطباً إياهم ب “شالوم” ،ومذكراً أنه كأمة “فارسية” قد حضن اليهود الهاربين من البابليين قبل 2000عام واليهود الفارين من النازيين!.
خلال أسبوع واحد، ومن خارج السياق، ظهرت على الساحة العالمية ثلاثة قرارات ساخنة ومفصلية ،ستزيد حالة التوتر والتصعيد العالمي ومناطق النزاع الإقليمية، وستستدرج دولاً أخرى للحرب ،ما يضعنا أمام فوضى عالمية شاملة تختلف عن الحرب العالمية الأولى والثانية، لجهة الميدان او الوسائل ،أما صواعق التفجير للفوضى فهي:
– القرار الأميركي بالسماح لأوكرانيا باستعمال صواريخ باليستية بعيدة المدى في حربها مع روسيا، والتهديد الروسي في المقابل بتعديل تشغيل المنظومة النووية والبدء باستخدام الصواريخ الباليستية “الفرط صوتية” ،وتهديد الروس لدول ” الناتو” بسبب دعمها لأوكرانيا ،ما أدخل الحرب الأوكرانية-الروسية في مرحله جديدة،أوسع جغرافياً واكثر خطورة تجاه استعمال الأسلحة الاستراتيجية وإمكاني إنزلاق دول “الناتو”الأوروبية في الحرب .
– قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي “نتنياهو” ووزير دفاعه السابق “غالانت” وإدانتهما بجرائم الحرب ،وإصدار مذكرات اعتقال بحقهما. والملفت إصدار القرار اثناء مناقشة نتنياهو مع الموفد الأميركي “هوكشتاين” لوقف النار في لبنان …والسؤال هل كان توقيت القرار مصادفة مع الإجتماع،أم أنه كان مقصوداً، لنسف الموافقة على وقف النار؟
– القرار الثالث المفاجئ والذي صدر بعد ساعات قليلة من قرار المحكمة الجنائية الدولية، هو قرار الوكالة الدولية للطاقة الذريّة ضد إيران وإنتقادها لعدم التعاون، ومطالبتها بالإلتزام بالمطالب والقيود التي تضعها الوكالة الذرية، والذي أستدرج ردا ايرانيا سلبياً والتهديد بزيادة النشاط النووي !
ان هذه القرارات لا يمكن صدورها دون ايعاز او موافقة الإدارة الأمريكية ،ما يطرح السؤال :هل ان الحزب الديمقراطي يريد ألقاء الجمرة الملتهبة بيد “ترامب” وتسليمه عالماً متفجّراً قبل شهر من إستلامه للحكم؟
وهل ان الحكومة العالمية العميقة التي تدير العالم ،بدأت مشروع “تغيير معالم العالم” كمرحلة متقدمة ومكمّلة، لمشروع “تغيير معالم الشرق الاوسط “الذي أعلنه “نتنياهو” بدعم أميركي؟
إن مناطق التوتر تتوسّع ،لإعتقاد أميركا بأنها تحرز تقدماً ونجاحاً ،لاستعادة سيطرتها على العالم ونظام القطب الأميركي الواحد المسيطر على مراكز الطاقة الموجودة في الشرق الاوسط وحصار مراكز الطاقة في روسيا مع احتفاظها بورقة إستراتيجية ضد إيران وروسيا تتمثل بحركة “طالبان” في أفغانستان التي أستلمت الحكم بإتـفاق مع اميركا ،لإستغلالها في الوقت المناسب.
أن الساحة اللبنانية ،جزء من ساحة الصراع والمواجهة بين إيران وأميركا، وبالتالي ستنعكس هذه المواجهة على مشروع وقف النار، وفق إختلاف وجهتي النظر الإسرائيلية والأميركية،لناحية الأسلوب مع وحدة الهدف . فوجهة النظر الأميركية ،تقول بوجوب وقف النار، لسلب إيران أحد اوراق القوة عبر تحييد المقاومة في لبنان، ووجهة نظر إسرائيلية تقول ان التحييد يجب ان يكون نهائيا غير مؤقت عبر هدنة او وقف نار. ولذا لابد من استمرار الحرب وفق نموذج غزة ،خاصة وان الطرف الاسرائيلي يعتقد انه نجح في غزة بتعطيل المفاوضات حتى أوصل “حماس” للموافقة على تسليم السلطة الفلسطينية الحكم في غزة بالشراكة معها، وعلى الموافقة بإتمام صفقه الاسرى دون إصرار على بند وقف الحرب في المرحلة الأولى!
يرتكب محور المقاومة والطرف الروسي وبعض الدول المؤيدة ،خطأً استراتيجياً، بالقتال المنفرد لمواجهة التحالف الاميركي العالمي ،ما جعل امريكا تتحكم بساحات القتال وعزلها عن بعضها البعض، لإسقاطها واحدة تلو الأخرى، بعد تحييد الصين للتوجه اليها بعد تصفية الساحات الأخرى.
هل تفرض اميركا وجهة نظرها لوقف النار في لبنان، أم ستتمرّد إسرائيل عليها وتماطل؟
هل ينجو لبنان من هذه الفوضى عبر منفذ وحيد واساسي يتمثل بالصمود في الميدان والموضوعية والحكمة والعقلانية بالتفاوض بالتلازم بإنزال ضربات نوعية بالبر والداخل الإسرائيلي، والذي استطاعت المقاومة خلال 60 يوما من تحصيل بعض نقاط القوة لصالح المفاوض اللبناني؟