إدارة بايدن وطهران: من يخطو أو يخطئ أولا؟*
كتب علي هاشم
قد تكون الإدارة الأميركية الحالية الأكثر بين كل من سبقها إلى البيت الأبيض احتكاكا بالمسؤولين الإيرانيين. بايدن نفسه هو الرئيس الأميركي الأول الذي جالس مسؤولين إيرانيين حاليين وسابقين في مناسبات عديدة، بينهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ووزير الخارجية الأسبق كمال خرازي الذي يشغل حاليا مركز رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، إحدى الجهات الاستشارية للقائد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وزير الخارجية أنتوني بلينكن، رغم التقييم الأولى لكونه الأكثر تشددا في الإدارة الجديدة، ليس غريبا أيضا عن مسار التفاوض مع الإيرانيين وهو كان من ضمن الفريق الذي صنع الاتفاق النووي في العام ٢٠١٥.
في تراتبية الأهمية يأتي أيضا رئيس وكالة المخابرات المركزية سي آي إيه، وليام بيرنز، الذي كان يقود فريق الرئيس السابق باراك أوباما السري لفتح قناة تفاوضية مع إيران من خلال عمان، كما أنه أيضا صاحب مذكرة استعادة المبادرة الاستراتيجية تجاه إيران التي خطها في العام ٢٠٠٨ لوزيرة الخارجية حينذاك كوندوليزا رايس، وفيها أن عدم التواصل المباشر مع الإيرانيين مكلف للولايات المتحدة أكثر منه لإيران.
بايدن، بلينكن، وبيرنز، “فريق باء” الجديد الذي سيحل مكان “فريق باء” آخر، بحسب تسمية وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي كتب عشرات التغريدات مستخدما وسم #B_team ومتهما الفريق السابق بمحاولة صناعة ظروف لإشعال الحرب بين أميركا وإيران. ظريف كان يقصد مستشار الأمن القومي السابق للإدارة السابقة (جون) بولتون و(بي بي) ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنجامين نتنياهو، وولي عهد أبو ظبي (محمد) بن زايد، وولي عهد السعودية (محمد) بن سلمان.
خلف الفريق الأول يأتي جايك سوليفان، المرشح لموقع مستشار الأمن القومي، الرجل الذي افتتح مع بيرنز مفاوضات عمان في العام ٢٠١٢ والذي حقق في منتصف ثلاثيناته خرقا كبيرا على مستوى دوائر القرار بالدخول إلى نادي الموظفين الكبار، كذلك نائبة وزير الخارجية وندي شيرمان. التي كانت بمثابة كبيرة المفاوضين الأميركيين خلال المفاوضات النووية، وهي تعود إلى الدبلوماسية من بوابة جامعة هارفرد التي كانت تتولى فيها رئاسة مركز القيادات العامة. أما مسؤول ملف إيران ومبعوث الإدارة الجديد، يحل روبرت مالي، مدير مجموعة الأزمات، والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما والرجل الذي كان يتولى التنسيق في البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط والخليج.
ستكون الأنظار مشدودة إلى مالي خلال الفترة الأولى لرصد طريقة تعامله مع التحدي الإيراني، خاصة وأنه متهم من قبل المتشددين في واشنطن بأنه متساهل مع طهران. يستند هؤلاء إلى مقابلة له مع موقع انترسبت في العام ٢٠١٩ اعتبر فيها الشروط الإثني عشر لوزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو لإيران كانت نوعا من الالتفاف على إعلان صريح بالرغبة في تغيير النظام، كما أنه أوضح أن الإيرانيين لن يتفاوضوا على اتفاق نووي آخر.
سيكون على مالي نقل الرسائل الأميركية للإيرانيين أو للوسطاء الذين سيتولون إيصال الرسائل، هذا من جهة، من جهة ثانية سيكون على مالي وضع مسودة لكيفية التعامل مع السياسات الإيرانية وفي المقابل على الدول التي على علاقة بالملف والتي اعتادت خلال سنوات أربع ماضية على سياسة خارجية أميركية واضحة وصريحة وهجومية التعامل مع سياسة أكثر حذرا، أقل صدامية، تغلّب القوة الناعمة على القوة الصرفة.
لا يعني هذا أن السياسة الخارجية الأميركية ستنحى منحى مفاجئا في البراغماتية والتراجع عما سلف، العكس تماما هو ما قد يحصل، لا سيما إذا لم تلتق إيران وأميركا في منتصف الطريق. لهذا حذر وزير الخارجية بلينكن من أن على إيران أخذ الخطوة الأولى، رغم معرفته أن الظروف قد لا تسمح بذلك وأن الإيرانيين يحملون شعار المظلومية منذ إعلان خروج أميركا من الاتفاق في ٨ أيار/ مايو ٢٠١٨ ويبررون معظم تحركاتهم بأنها نتيجة للعقوبات والضغوطات الأميركية.
جايك سوليفان ومنذ اللحظات الأولى لتسميته مرشحا لمجلس الأمن القومي، صرّح في حديث مع فريد زكريا في سي إن إن الأميركية بأن على إيران التفاوض على برنامج الباليستي. ليس الأمر سرا أن الهدف الأميركي منذ زمن إدارة أوباما هو الوصول للحوار حول البرنامج الصاروخي، إلا أن الإيرانيين يعتبرون هذا الأمر شرطا تعجيزيا.
ما يحدث حاليا هو، إلى جانب حوارات القنوات الخلفية في غير عاصمة بعيدا عن الكاميرات، عملية انتظار طويلة لمن سيأخذ الخطوة الأولى كي يعطي الطرف الآخر المجال للرد بخطوة مقابلة. لكن هذا الانتظار قد يعني حصول أخطاء قد تجعل من الحل أمرا معقدا وصعبا.
ما لا يمكن تجاهله هو أن الإدارة الجديدة في أميركا، إلى جانب كونها ميالة بشكل كبير لاستعادة الاتفاق النووي، هي إدارة تصارع على أكثر من جبهة، داخليا وخارجيا، وسيكون عليها تقديم تبريرات لأي خطوة ناقصة قد تأخذها، أو حتى يجري التعبير عنها بشكل واضح من قبل الدبلوماسيين أو المسؤولين الكبار. لذلك هامش المناورة لديها سيكون محدودا بل وستكون بحاجة لقراءة قلق الحلفاء من أي خطوة تجاه طهران لا تراعي مصالحهم، وهذا الذي دفع بلينكن للقول إن واشنطن ستشاور حلفاءها عند الإقلاع لا عند الهبوط، أي قبل القيام بأي خطوة. ما تريده الإدارة الجديدة في واشنطن هو الدخول إلى ولايتها وهي تحيط مسارها بالطمأنينة بعد صخب السنوات الأربع للرئيس السابق دونالد ترامب.
إيران حذرت من هذه السياسة بشكل مباشر، ووزير خارجيتها محمد جواد ظريف خيّر واشنطن بين تبني “السياسات الفاشلة” لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أو الاستفادة من دروس الأعوام السابقة للبناء عليها وبدء مسار جديد تتعهد فيه طهران بالتطبيق الكامل للاتفاق النووي.
طهران ستكون في قلب المبادرة وهذا ما يجعلها تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه ما تقوله وما تفعله، فهي تملك فرصة للتغيير من خلال التعامل مع إدارة أكثر تفهما وأكثر استعدادا لصناعة فارق في العلاقات الأميركية الإيرانية، إلا أن كثرة التفاؤل قد تؤدي بصاحبها إلى سيناريوهات أحلاها مر. في المحصلة لن تكون طهران قادرة على الحفاظ على كل ما وصلت إليه خلال السنوات الماضي بدون مقدار من البراغماتية يسمح لها بالتعامل مع عودة الاعتبار لحكم المؤسسة بعد أربعة أعوام سادت فيهم بشكل كبير سياسات متأثرة برؤية الرئيس السابق. هذا ليس للقول إن الإدارة الحالية ستقدم تحفيزات غير مسبوقة للنظام في طهران، لكن العقلانية ستلعب دورا أكبر في إعادة رسم المشهد مع الأخذ بعين الاعتبار ديناميات جديدة على مستويات العلاقة بين واشنطن وحكومة نتنياهو في اسرائيل، وبينها وبين قادة الامارات والسعودية. ربما الاتجاه الذي عبّر عنه بلينكن لحذف اسم انصار الله الحوثيين عن لوائح الإرهاب الأميركية يبعث برسالة مفتوحة إلى الرياض.
*عن منصة جاده إيران