إحتلال أراضي روسيّة يضعُ بوتين امام ثلاثة تحديات(جواد الهنداوي)
بقلم السفير الدكتور جواد الهنداوي – الحوار
بعد مرور اسبوع على دخول القوات الاوكرانية، في الأراضي الروسيّة وتوغلها في اقليم كورسك ، يبدو الرئيس بوتين امام ثلاثة تحديات : التحدي الاول واقعي و مادي ،والتحدي الثاني والثالث ،تحديات افتراضية ومعنويّة ،ولكنها لاتقل اهمية عن التحدي الاول ،و لربما يعول عليهما الرئيس بوتين في مواجهة التحدي الاول .
التحدي الاول هو تحرير الأراضي الروسية ، ولأول مرّة ومنذ بدء الحرب ،نتحدث عن احتلال أوكراني لاراض روسيّة ، وعن تحرير الأراضي الروسيّة ، وللأمر ،بطبيعة الحال تداعيات كبيرة في سلبياتها على القيادة الروسيّة وعلى الشعب الروسي ، وعلى مكانة وهيبة روسيا .
الاختراق الاوكراني للأراضي الروسيّة يضعُ المتتّبع لمسار الحرب بينهما ، وخاصة الدول ،امام تساؤلات و استنتاجات : خلل في الأسلحة الدفاعية الروسية او في القدرات الدفاعية الروسية ؟ ام سلاح نوعي هجومي متفوق لدى القوات الاوكرانية ، والذي هو (واقصد السلاح ) أمريكي و ألماني ؟
هل خُدِعتْ القيادات الروسية (السياسية و العسكرية ) بخطاب الرئيس الاوكراني في منتصف شهر تموز ،والذي تميّز بخطاب تصالحي ،بل بخطاب مُستسلمْ ؟ و بمسعى أوكرانيا تجاه الصين وتوسلها لايجاد حلْ للحرب ،مسعى تجسّد بزيارة وزير خارجية أوكرانيا ،في نهاية أواخر شهر تموز إلى الصين ؟ هل ظّنت روسيا باستحالة جرأة وقدرة الجيش الاوكراني ، والذي يواجه قلّة في العديد ،و شحّ في المعدات ، وتصريحات غربية وناتويّة بتقليص المساعدات المالية والعسكرية ،الاقدام على الهجوم والنجاح بتوغل مهم في عمق الأراضي الروسية ؟
ثُّمَ كيف تفكّر الصين ،اليوم ، بما اقدمت عليه أوكرانيا من عمل عسكري ،يتناقض تماماً مع هدف زيارة وزير خارجيتها إلى الصين ، لطلب توسطها في انهاء الحرب ؟
ربّما ،تتفهم الصين وتقتنع بما ستقدمّه أوكرانيا إليها ، في ساعة العتاب ، من ذريعة وقول ” نريد تحسين شروط المفاوضات بيننا وبين روسيا ” !
إستخدمَ زيلينسكي خدعة “التفاوض و وقف الحرب و السلام الخ …” وهو في ذات الوقت يعد العّدة لهجوم بري و اسع للتوغل في الأراضي الروسية ، ذات الأسلوب المُتبعْ من قبل امريكا و إسرائيل في تعاملهما في حرب الابادة في غزّة ،يوهمون العالم والرأي العام بأنهم يسعون للتفاوض وعقد صفقة وقف الحرب ،ولكنهم في ذات الوقت يرتكبون المجازر الشنيعة ،الواحدة تلو الأخرى .
ثلاثي ينهلُ ،و بامتياز ،من العقيدة الصهيونية و النازية .
مَنْ يحتل اراضي روسيّة ،الآن ،ليس أوكرانيا او الجيش الاوكراني فقط ، وانما امريكا و قوات الناتو ،اي خبرات و مشورات واسلحة ، وحتى مقاتلين من حلف الناتو .
لم تخفْ الادارة الامريكية رضاها عن التوغل الاوكراني في الأراضي الروسية ،و اعتبرته حقاً مشروعاً للدفاع عن أوكرانيا ، وهذا الموقف الأمريكي و الغربي يستفز اكثر الرئيس الروسي ، ويدفعه إلى تنفيذ ما وَعَدَ به في حالة تعرض الامن الروسي و الأراضي الروسية والسيادة الروسية للخطر ،حيث هدّدَ ،عندما أعلنت الادارة الأمريكية قبل شهور عن نيتها بتزويد الجيش الاوكراني اسلحة استراتيجية نوعيّة ،باستخدام الردع النووي، وهدّدَ ايضاً بتزويد اعداء وخصوم امريكا بسلاح استراتيجي ،حال قيام امريكا بتزويد الجيش الاوكراني بسلاح استراتيجي . وهذان التهديدان ( الردع النووي ،وتجهيز اعداء امريكا في المنطقة بأسلحة استراتيجية ) هما التحديان امام الرئيس بوتين ، والذي وعدنا بهما او بأحدهما حين تعرض السيادة الروسية والأراضي الروسية للخطر . وهل اكثر من الاحتلال خطراً على السيادة الروسيّة ؟
أقدمَ الرئيس الروسي ، على ما يبدو ، على تنفيذ ما وعدَ به ،بتزويد خصوم امريكا في المنطقة ،بما يحتاجونه من سلاح يزعج الأمريكيين و اسرائيل . اوفدَ رئيس أركان قواته إلى ايران ،وأنباء تشير الى تجهيز إيران فعلاً بمعدات عسكرية استراتيجية و متطورة ، كما بدأت الفصائل المقاومة المسلحة في سوريّة بزيادة نشاطها و قصفها للقواعد الأمريكية و قوات قسد الموالية شرق الفرات في سوريّة .
اصبح التعاون بين روسيا و إيران استراتيجيا و في المجال النووي ،واصبحت المنشآت النووية الإيرانية تحت رقابة و حماية اجهزة الرصد و الدفاع الروسي . يمكننا الحديث الآن عن محور روسي -إيراني واسع يضّمُ الدول والحركات و الفصائل المعادية للصهيونية و الأطماع الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، و روسيا اليوم ، تكاد تكون اكثر أندفاعاً وتطلعاً حتى من إيران ،في بناء هذا المحور وتفعيله وتوسيعه .
من بين نتائج الاستدارة الروسية ،الكبيرة و السريعة، نحو محور المقاومة ،هو رفض رئيس حماس يحيى السنوار العودة إلى التفاوض مع الكيان المحتل ،ما اثار غضب امريكا قبل إسرائيل .ومحق جداً السنوار في رفضه للتفاوض ،وخاصة بعد مجزرة صلاة الفجر ،التي ارتكبها العدو و راح ضحيتها مئات الشهداء و الجرحى . لا يصّحُ الاستمرار في التفاوض و العدو الصهيوني مستمر بحرب الابادة وبالاغتيالات .
هل سنشهد جلاء سريعا للقوات الاميركية من شرق الفرات في سوريّة ،تحسّباً منها لما ستقدم عليه روسيا من دعم وتمكين للفصائل المسلحة التي تقاتل القوات الأمريكية و قسد ؟
هذا ما نشهده الآن و نتوقع زيادة ذروته في الايام القادمة .
ماذا يعني التوغل الاوكراني في الأراضي الروسيّة ،والذي لم يتم بدون الدعم والسلاح الأمريكي والغربي المتطور ، وفي هذا الظرف الذي يشهد توترا شديدا و ينذر بحرب اقليمية كبرى ؟
يعني ان كل ما تدعيه و تصرّح به امريكا من مسعى للسلام وخفض التوتر و التصعيد ،ما هو إلا كذب ونفاق وكسب وقت لتمرير جرائم الكيان المحتل ونتنياهو ، و كسب وقت لتحسين قدرات الجيش الاوكراني . مَنْ يهّمه السلام العالمي وخفض التصعيد لا يلجأ إلى تبني سياسة الدعم اللامحدود لإسرائيل ،وكذلك تمكين أوكرانيا ،التي فقدت ثلث أراضيها ،من الدخول في الأراضي الروسيَة ، وقد قالها الرئيس بوتين مُسبقاً إذا سمحت امريكا لأوكرانيا باستخدام أسلحتها المتطورة في التوغل والاعتداء على روسيا ،سنجهز اصدقاءنا و اعداء امريكا باسلحة مماثلة ، وهذا يعني حتماً المزيد من التصعيد ،والمزيد من النذر بحرب عالمية .
بين روسيا و أيران ومحور المقاومة تواصل يختلف في ابعاده و اهدافه عن ما كان بينهما قبل احتلال الأراضي الروسيّة ، هذا التواصل يطمئن المحور ويصّبُ في مصالحه ،ويُقلق اسرائيل كثيرا.
هل يعي نتنياهو تداعيات هذا التواصل ،ويجبرهُ على الاسراع في الاتفاق مع حماس وبشروطها ؟
لا أظّنُ ذلك . و قد تمادى و أسرف في جرائمه و أدمنَ على ارتكابها ،مستقوياً بدعم امريكا و الغرب ، وعجز المنظمات الاممية و الاسرة الدولية .