كتب حلمي موسى من غزة:
في افتتاح الاجتماع السنوي في القدس لـ “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أمريكا”، تحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مساء أمس، مكررا موقفه بأنه لن يوافق على إملاء دولي يحاول الاعتراف بشكل أحادي الجانب بدولة فلسطينية. وجاء هذا الإعلان بعد أن أقرت حكومته صباح أمس على اعتراضها على هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، في ظل الخطة السريعة التي تتحدث التقارير أن الإدارة الأمريكية تروّج لها.
وقال نتنياهو في كلمته: “صيغتنا بسيطة، إطلاق سراح الرهائن يمكن أن يتم من خلال عمل عسكري قوي ومفاوضات صعبة”. وأضاف: “الموقف الصارم يجب أن يضغط، ليس على حماس، بل على من يستطيع الضغط عليها، وقبل كل شيء قطر التي تستضيف قادة حماس. قطر تدعمهم ماليا، لذلك أدعو للضغط على قطر وحماس للإفراج عن الرهائن “. وقال: “آمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق قريبا، ولكن سواء أبرمنا اتفاقا أم لا ، فيجب الانتهاء من العمل لتحقيق النصر الكامل”.
وأشار نتنياهو إلى الخطة السريعة لإقامة دولة فلسطينية التي تروج لها إدارة بايدن، وقال: “يمكننا أن نتفق على أشياء كثيرة، لكن إسرائيل لا تستطيع أن توافق على مبادرة دولية تحاول من جانب واحد أن توافق على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفرض دولة فلسطينية على إسرائيل بشكل أساسي بعد فظائع 7 أكتوبر. إن مواطني إسرائيل متحدون للغاية في رفض هذا الأمر.
وقرأ نتنياهو أمام الحاضرين من مشروع القرار التصريحي الذي قدمه هذا الصباح في جلسة الحكومة، والذي بموجبه تعارض إسرائيل هذا الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية: “إن إسرائيل ترفض رفضا قاطعا المادة الدولية المتعلقة بالاتفاق مع الفلسطينيين. اتفاق، وإذا تم التوصل إليه، فسيتم من خلال المفاوضات بين الطرفين دون شروط. فإسرائيل تعارض الإكراه، ومثل هذا الاعتراف في ضوء المجزرة سيكون بمثابة مكافأة غير مسبوقة للإرهاب، وسيمنع أي فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام حقيقي.
وبحسب نتنياهو، “لقد تم إقراره بالإجماع في الحكومة اليوم، وسيتم إقراره غدًا في الكنيست، وآمل أن يتبنى المؤتمر الرسالة”.
وكان السفير الأمريكي في تل ابيب، جاك لو قد سبق نتنياهو في الحديث أمام المؤتمر نفسه عما تريده أمريكا في الوقت الراهن. وبعد تكرار الحديث عن وجوب عدم المساس بالمدنيين وقت الحرب قال السفير الأمريكي: ” سياستنا هي أنه يجب أن تكون هناك عملية أبعد من الأفق، ويجب أن تكون إسرائيل جزءا أساسيا منها. الآن هي لحظة في الوقت الذي توجد فيه إمكانية حقيقية، والتي تشمل إجراء مفاوضات مع المملكة العربية السعودية وعملية إصلاح السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح يمكنها العيش إلى جانب إسرائيل في سلام. لكن سيتعين على إسرائيل أن تتخذ هذا القرار، وأن تجد توازنا بين مختلف الأمور المهمة التي تثير القلق”.
وينص القرار التصريحي، الذي وافقت عليه الحكومة بالإجماع صباح أمس، على أن “إسرائيل ترفض رفضا قاطعا الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين. والتسوية، بالقدر الذي يتم التوصل إليه، لن تكون إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، من دون شروط مسبقة؛ وسوف تستمر إسرائيل في معارضة الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية. ومثل هذا الاعتراف في أعقاب مذبحة السابع من أكتوبر من شأنه أن يمنح مكافأة ضخمة غير مسبوقة للإرهاب ويمنع أي تسوية سلمية في المستقبل”. وقد تم قبول مسودة القرار، التي طرحها نتنياهو، بالتنسيق مع الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت.
وكان الوزير غانتس، عضو كابينت الحرب، قال في المؤتمر: “بعد مذبحة 7 أكتوبر، لم تعد الإجراءات الأحادية الجانب مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية هي الطريق إلى الاستقرار الإقليمي والتسويات السياسية. يجب أن نعمل على المدى الطويل، عمليات من شأنها إنشاء بنية إقليمية ضد المحور الإيراني وتعزيز التسويات السياسية التي من شأنها تحسين حياة جميع السكان في المنطقة وتعزيز السلام.
ويشهد خطاب غانتس على أن من يجري تسويقه على أنه الزعيم المقبل لإسرائيل، لا يحمل حتى الآن رؤية تختلف عن رؤية نتنياهو واليمين الإسرائيلي. لكن من المؤكد أن هذا ليس الحال في الأوساط الفكرية والإعلامية التي ترى كارثة في التصادم مع الرؤية الأمريكية لحل الدولتين. ويناقض هذا الموقف المعلن ما نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم” المقربة من نتنياهو واليمين حول أن نتنياهو يفكر فعلا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل التطبيع. وقالت الصحيفة أمس أن نتنياهو يفكر بالتسليم كأمر واقع بالنية الامريكية للاعتراف بدولة فلسطينية، مقابل اختراق تاريخي مع السعودية. ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي مطلع أن إسرائيل تقول لأمريكا إنها تعارض اعترافها من طرف واحد بالدولة الفلسطينية، وتصر على أن خطوة كهذه يجب أن تكون نتيجة مفاوضات مباشرة بين الطرفين. ومع ذلك فإن التسليم بالرؤية الأمريكية يهدف إلى “احداث اختراق سياسي تاريخي مع السعودية”.
ومعروف أنه منذ نشرت “واشنطن بوست” أن إدارة بايدن تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية في غضون بضعة أسابيع، تبارى وزراء إسرائيل في إبداء اعتراضهم وانتقاد ادارة بايدن، بدعوى أن إقامة دولة فلسطينية تعرض إسرائيل للخطر بعد هجوم 7 أكتوبر. وبحسب “إسرائيل اليوم” فإن رد نتنياهو والصيغة المحدودة التي تم اختيارها يعبران عن التفاهم الذي تبلور مع الإدارة الامريكية والذي في اطاره، وان كان نتنياهو يعرب عن المعارضة للاعتراف احادي الجانب، الا انه سيعرب عن موافقته على مفاوضات مع الفلسطينيين على تسوية مستقبلية وبدون شروط مسبقة.
ومن خلال هذه الصياغة، يأمل نتنياهو في أن يتمكن الامريكيون من اقناع السعوديين بان إسرائيل اجتازت شوطا هاما في المسألة الفلسطينية. ومقابل ذلك يكون استعداد الرياض لاعتراف تاريخي بإسرائيل. يشار الى ان نتنياهو لم يقرر نهائيا بعد في هذا الاتجاه، لكنه يدرسه بجدية مع الوزير رون ديرمر الذي يقوم بالنيابة عنه بالمحادثات مع الأمريكيين.
وكان الباحث في الشأن الإيراني في مركز أبحاث الأمن القومي، داني سترينو بيتس قد كتب في “معاريف” “ان الاستراتيجية الإسرائيلية كانت تركز في الماضي على التهديد الإيراني، في ظل “القفز” عن المسألة الفلسطينية، وذلك على ما يبدو انطلاقا من التفكير بان القوة الإسرائيلية تجاه ايران تقدرها دول المنطقة التي تخاف هي منها، وانه سيكون ممكنا التقدم في العلاقات معها على أساس هذه القوة، ودون تقديم تنازلات ذات مغزى في المسألة الفلسطينية.
وأضاف: لكن “احداث 7 أكتوبر تفرض على إسرائيل إعادة التفكير في هذه الاستراتيجية، وذلك لان الهجمة الاجرامية للمنظمة الإرهابية حماس اعادت المسألة الفلسطينية الى مركز الطاولة. هذه الحقيقة والمعركة في غزة في اعقاب هجمة حماس، جعلتا القدرة اليوم على مواصلة مسيرة التطبيع، واساسا مع السعودية، دون أي تقدم في المسألة الفلسطينية، تتآكل بشكل كبير، وذلك دون أي صلة بخطوات إسرائيل تجاه ايران، ودون أي صلة باستعدادها لبرنامج نووي على الأراضي السعودية”.
وأشار إلى أن إيران تدير معركة لمنع إسرائيل من أن تكون جزءا من الشرق الأوسط، وتخشى من موطئ قدم لها في دول الخليج، ولذك فإنه “بعد سنوات من محاولة دحر المسألة الفلسطينية في الزاوية، فان الطريق الإسرائيلية الى الرياض، في ظل استياء طهران تمر عبر التنازلات في المسألة الفلسطينية. سيتعين على إسرائيل أن تنهي المعركة في القطاع، تقبل عودة السلطة الى غزة بهذا الشكل او ذاك، وان تبدي أيضا استعدادا (علنيا على الأقل) للتقدم في مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية. لهذه الخطوة توجد بالطبع فضائل ذات مغزى أخرى، كتحرير المخطوفين، وقف القتال في غزة وفي الشمال (وإمكانية اعادة السكان الى بيوتهم)، وتعزيز الشرعية الدولية لإسرائيل (بما في ذلك في كل ما يتعلق بتشديد الضغط على ايران) وغيرها.
وخلص إلى أنه اذا كانت إسرائيل تسعى لان تضرب ايران، مشكوك أن تكون هناك خطة اهم من الوصول الى اتفاق تطبيع مع السعودية. لكن بخلاف الماضي، فان الوصول الى اتفاق كهذا يستوجب تنازلات سياسية للفلسطينيين”.
“دون هذه التنازلات فان نافذة التطبيع ستغلق بما يرضي طهران والمحور كله. للتنازلات للفلسطينيين توجد اثمان باهظة، وسيتعين على حكومة إسرائيل ان تقرر اذا كان من الصواب دفعه هذه الاثمان لاجل الحصول على المكاسب المرافقة لها، بما في ذلك تشديد الضغط على ايران وصب الاهتمام الدولي عليها”.
“دون هذه التنازلات فان نافذة التطبيع ستغلق بما يرضي طهران والمحور كله. للتنازلات للفلسطينيين توجد اثمان باهظة، وسيتعين على حكومة إسرائيل ان تقرر اذا كان من الصواب دفع هذه الاثمان لاجل الحصول على المكاسب المرافقة لها، بما في ذلك تشديد الضغط على ايران وصب الاهتمام الدولي عليها”.
أما المعلق السياسي في “معاريف” بن درور يميني، فكتب أن “الولايات المتحدة تريد الأفضل لإسرائيل، لكن المشروع السياسي الكبير لليوم التالي – ولعل القضية الأهم لمستقبل إسرائيل – هو التخطيط من دون الحكومة الإسرائيلية. وليس من المهم في الوقت الراهن إذا كانت الرؤية الأميركية، التي تتضمن التطبيع، مع المملكة العربية السعودية وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، والتي ستحكم أيضًا قطاع غزة، أمر ممكن أم لا. المهم هو أن سلوك السيد إستراتيجية والسيد أمن، السيد بنيامين نتنياهو، يحط من شأن إسرائيل إلى مستوى سياسي غير مسبوق. فهو يرفض الحديث عن اليوم التالي. لذا فإن الولايات المتحدة تتحدث. هو لا يريد رؤية سياسية. لذا فإن الولايات المتحدة تقدمه.ا
وأشار إلى “أن استعداد إسرائيل للتوصل إلى تسوية تاريخية من شأنه أن يضع إسرائيل في وضع سياسي أفضل كثيراً. والثمن هو وقف توسيع الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة. إنه ليس “ثمناً” بالضبط، لأن الولايات المتحدة تخشى، تماماً مثل محبي إسرائيل، خارج إسرائيل وداخل إسرائيل، من أن الحكومة الحالية تسرّع رؤية كابوس الدولة الواحدة، من البحر إلى النهر. غريب بعض الشيء. وعلى نتنياهو أن يقرر ما إذا كان يقف إلى جانب اتفاقيات إبراهيم والتحالف الإقليمي المدعوم من الولايات المتحدة، أم إلى الجانب الذي يرقص على أنغام حماس، سواء كان مع الدولة اليهودية، أو مع الدولة ثنائية القومية. وعندما يحذر نتنياهو، الذي وافق مرارا وتكرارا على الدولة الفلسطينية، من الدولة الفلسطينية، فإنه يعلن في الواقع دعمه لرؤية كارهي إسرائيل المتمثلة في إقامة دولة واحدة، من البحر إلى نهر الأردن”.
وخلص بن درور يميني إلى أن “إسرائيل تقف على مفترق طرق. فمن ناحية، رؤية لتحالف استراتيجي إقليمي، بدعم أميركي، يشمل معظم الدول العربية. وهذا تحالف يقوي إسرائيل ضد إيران وضد الإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى، رؤية كابوسية تؤدي إلى دولة واحدة ثنائية القومية، مع تعميق العداء بين إسرائيل والعالم الحر بأكمله بشكل عام، وفقدان الدعم الأمريكي بشكل خاص. وبعبارة أبسط، ما دام نتنياهو رئيساً للحكومة، عليه أن يختار بين الاتجاه الأميركي، رغم كل عيوبه، وبين تحقيق رؤية حماس في تعميق الصراع. لقد هُزمت حماس في المعركة. لقد هُزمت إسرائيل وهي تُهزم على الجبهة السياسية. لا يزال بإمكانك الفوز في المعركة. ولكن من المشكوك فيه أن يكون نتنياهو، الذي نجح في جعل وضع إسرائيل الدولي أسوأ من أي وقت مضى، هو الرجل القادر على تحقيق النصر في المعركة الانتخابية .