كتب حلمي موسى من غزة:
لا حديث في هذه الأيام داخل إسرائيل سوى عن الحرب وعواقبها وأثر ذلك على علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة وعواقب الحرب الاقتصادية داخليا. وضمن هذه القضايا تطفو على السطح مسألتا صفقة التبادل والعملية العسكرية الإسرائيلية التي يكثر الحديث عنها في رفح. ويدهش كل متابع للإعلام الإسرائيلي عند معرفة مقدار التخبط في القرارات وطبيعة الألاعيب الدائرة من جانب نتنياهو وغيره ،للالتفاف على التناقضات القائمة داخل الحكومة والمجلس الوزاري المصغر، وحتى داخل كابينت الحرب وبين القيادتين السياسية والعسكرية.
وهكذا مثلا تناولت أغلب وسائل الإعلام خبر المشادة الكلامية داخل كابينت الحرب بين نتنياهو ورئيس الأركان هرتسي هاليفي بسبب خطط احتلال رفح. وأشار موقع “والا” في هذا السياق إلى أن نتنياهو سأل هاليفي عن معنى تسريح قوات احتياطية في وقت تطاللب فيه الحكومة بتسريع الخطط لعملية برية في رفح. وكان جواب هاليفي أن تسريح القوات كان بناء على خطة أقرتها الحكومة بكامل أعضائها. وعمد نتنياهو إلى إظهار خلاف بينه وبين قيادة الجيش عندما طالب بالإسراع في إنجاز العملية البرية في كل من المعسكرات الوسطى ورفح في أقرب وقت.
ورد هاليفي على كلام نتنياهو بأن العملية العسكرية التي يطالب بها لا يمكن اتمامها من دون إجلاء السكان في هذه المناطق من جهة، ومن دون تجنيد قوات احتياطية بعد تسريحها. وهنا أبدى نتنياهو تفاجأه من رد هاليفي متسائلا عن كيفية تسريح القوات الاحتياطية. فرد هاليفي عليه بأن تسريح القوات تم بناء على خطط أقرتها الحكومة. فطلب نتنياهو من رئيس الأركان العودة إلى خطة تجنيد القوات الاحتياطية من جديد لإتمام المهمة. فرد رئيس الأركان أن تجنيد القوات الاحتياطية من جديد يستغرق وقتا ،خصوصا وأن هذه القوات كانت مجندة لوقت طويل وأنهكت في المعارك.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى أن جوهر الخلاف هو إصرار نتنياهو على أن يظهر للجمهور الإسرائيلي أنه يطالب الجيش ويصر على تحقيق الانتصار الكامل، لكن المشكلة ليست عنده وإنما في الجيش. وهكذا صار يصدر الأوامر لللجيش عبر وسائل الإعلام مثل حديثه عن أنه أصدر تعليماته للجيش بإعداد الخطط بسرعة لتدمير كتائب حماس الأربعة الباقية في رفح. ولكن الجيش عبر رئيس الأركان لا يزال يصر على أنه ينبغي توفير شروط محددة قبل البدء بأي عملية، سواء في المعسكرات الوسطى أو في رفح. ويشدد هاليفي مثلا على أن أي عملية عسكرية في رفح تستدعي تفاهمات مسبقة مع مصر قبل أي فعل لإعادة احتلال محور فيلادلفي. ويقول هاليفي أن الجيش لا يمكنه الشروع بعملية برية في رفح من دون إخلاء المدينة ومحيطها من السكان.
وبحسب تقرير في القناة 13، قال نتنياهو لهاليفي: “إذا قمت بتسريح القوات الاحتياطية، فعليك العودة لتجنيدهم مرة أخرى لصالح العملية”. أجاب هاليفي: “سنعرف كيفية التعامل مع أي مهمة يتم تكليفنا بها ، ولكن هناك جوانب سياسية هنا يجب تنفيذها قبل العمل، والتي لا يمكن التعامل معها إلا على المستوى السياسي. نحن بحاجة إلى أن نقرر ما يجب القيام به مع هذه المهمة. 1.3 مليون من سكان غزة الموجودين في رفح، وينبغي أيضًا تنسيق المسألة على المستوى السياسي مع المصريين”.
وكانت أحاديث كثيرة قد أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية التي يزداد ضيقها من نتنياهو والحرب على غزة، لم ترق لها أحاديث نتنياهو عن عملية في رفح خلال اسبوعين. ويتحدث نتنياهو في الغرف المغلقة عن وجوب تفكيك كتائب حماس في رفح قبل حلول شهر رمضان قريبا. ويقول إن هامش الوقت المتاح لإسرائيل بات ضيقا ما يستدعي تسريع الخطوات لإغلاق هذا الملف.
ورغم ما يبدو من خلاف بين نتنياهو وهاليفي، إلا أن الجيش في نهاية المطاف مضطر لتكييف نفسه مع مطالب القيادة السياسية. كما أن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية معني بإظهار أن نتنياهو يقود خطا واضحا وأنه يحاول التأكد من خطط الجيش لهزيمة حماس وتحقيق أهداف الحرب. ويرفض الديوان الأحاديث عن خلافات ويقول إن الحوارات بين نتنياهو وهاليفي دارت بروح إيجابية داخل كابينت الحرب. ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مصادر مطلعة أن نتنياهو يتوقع أن ينفذ هاليفي خطة الحكومة قبل أن تتخذ اسرائيل قرارات سياسية ستؤثر على العملية العسكرية. ولا بد في هذا السياق من أخذ مهلة الشهر في المحكمة الدولية في اتهامات الإبادة الجماعية ومن الجلسة المتوقعة في 19 فبراير الجاري في المحكمة ذاتها لمناقشة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. وتشكو هذه الجلسات عوامل ضغط معنوي وسياسي وإعلامي لا يمكن لإسرائيل تجاهلها.
وبديهي أن كل جلسات كابينت الحرب والمجلس الوزاري المصغر تشهد مناقشات عاصفة حول كل صغيرة وكبيرة. وهذا ما يدفع نتنياهو لتجنب مناقشة القضايا في اجتماع الحكومة للحيلولة دون الاضطرار لاتخاذ قرارات يمكن أن تقود إلى تفككها. وبين هذه القرارات ما يتعلق أيضا بصفقة الأسرى.
وفي جلسة المجلس الوزاري المصغر الأخيرة قال وزير الدفاع يوآف غالانت إن “الضغط العسكري سيحقق نتائج، والسنوار يتصرف مثل إرهابي مطلوب”. وكان وزير الأمن القومي بن جفير تساءل غاضبا: “لماذا لا تتم ممارسة المزيد من الضغوط؟ يجب وقف تدفق المساعدات الإنسانية”.
وانضم إليه الوزير إيلي كوهين: “نحن بحاجة إلى إظهار الجدية في الضغط العسكري، وهذا ما سيجلب السنوار إلى الصفقة”. وأضافت الوزيرة ميري ريجيف: “هذا هو الوقت المناسب لضغوط عسكرية أقوى، لجعله يركض خلفنا، وليس أن نركض خلفه”.. “هذه هي فرصتنا. مزيد من الضغط قبل شهر رمضان مباشرة. وكما تلقينا الضربة خلال عيد سمحات توراة (7 اكتوبر)، فمن المؤكد أنه في رمضان لا ينبغي لنا أن نكون أكثر لطفا ورحمة معهم”.
كما انتقد وزير العدل ياريف ليفين الخطوط العريضة للصفقة: “نحن بحاجة إلى إعادة جميع المختطفين وليس بعضهم فقط. إن الخطة المتسارعة ليست في صالحنا. نحن لسنا في وضع جيد. يجب ألا نتفاوض من أجل الخروج من الاتفاق”. وشدد رئيس الوزراء نتنياهو على أن “مفاتيح التبادل الإنسانية الأولى لم تتغير بالنسبة لإسرائيل. سيكون من 1 إلى 3.”
وفي سياق الحديث عن مفاوضات التبادل ورغم ما حاولت إسرائيل الإيحاء به من تمنعها عن المشاركة في اجتماعات القاهرة ومحاولة وضع شروط لمشاركتها، إلا أنها ستشارك في الاجتماع الرباعي مع كل من مصر وأمريكا وقطر لتحريك مفاوضات تبادل الأسرى. وكانت إسرائيل في البداية قد طالبت بالضغط عى حماس للتخلي عن مطالبها الرئيسية، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء “الثقيلين”. والطموح الإسرائيلي هو الإبقاء على نسبة 3 أسرى مقابل كل مخطوف
وبحسب “يديعوت أحرنوت” فإنه رغم أن إسرائيل رفضت رد حماس وقالت إنها “ليست بداية”، إلا أن هناك مفاوضات سرية ومكثفة تجري خلف الكواليس، حيث يحاول الوسطاء تحسين اقتراح حماس ، ووضع الخطوط العريضة التي ستكون نقطة انطلاق للمفاوضات. وتجري المفاوضات للتوصل إلى اتفاق، والوسطاء هم رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، ورئيس وزراء قطر محمد بن عبد آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل.
وفي الوقت الحالي هناك فجوة ضخمة بين رد حماس وبين ما تحدده إسرائيل كنقطة انطلاق محتملة للمفاوضات. ومن المقرر أن يصل رئيس وكالة المخابرات المركزية إلى القاهرة يوم الثلاثاء، بهدف تضييق الفجوات بحلول ذلك الوقت. ثم يتوجه إلى مصر وفد إسرائيلي برئاسة رئيس الموساد ديفيد بارنيع. وحسب يديعوت فإنهم في إسرائيل يؤكدون أنه إذا لم يتم تضييق الفجوات فإنها لن تصل إلى طاولة المفاوضات، وهذا الموقف أكده مجلس إدارة الحرب مساء الخميس بعد مناقشة متعمقة لرد حماس، وفي المناقشة كان هناك إجماع كامل. وأنه لن يكون من الصواب الدخول في مفاوضات في القاهرة قبل تضييق الفجوات.
وتصر إسرائيل على أنه سيتم في المرحلة الأولى من الصفقة، وهي المرحلة الإنسانية، إطلاق سراح 35 امرأة وكبار السن والمرضى، مع الاحتفاظ بمفتاح الصفقة السابقة: ثلاثة أسرى فلسطينيين مقابل كل أسير، دون الإفراج عنهم. السجناء “الثقيلون”. ستقوم حماس بإلغاء جميع المطالب التي لا علاقة لها بقضية المختطفين، بما في ذلك المطالبة بتحسين ظروف اعتقال الأسرى، ومنع هجرة اليهود إلى الحرم القدسي. في غضون ذلك، تم الاتفاق في مجلس الوزراء الحربي على أنه في حال حدوث انفراج في المحادثات مع الوسطاء، مما يسمح بفتح المفاوضات، فإن الأمر سيأتي لموافقة المجلس السياسي الأمني قبل مغادرة وفد إسرائيلي إلى القاهرة .
وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل اتصالاتها الهادئة مع الأمريكيين ومصر، لضمان تنفيذ العملية العسكرية المخطط لها في رفح بالتنسيق مع المصريين، ولضمان إخلاء المدنيين من مناطق الخطر قبل بدء العملية. . الذي يفترض أن يصادق على العملية في رفح هو مجلس الوزراء الذي يقر الانتقال من مرحلة إلى مرحلة في الحرب. وفي جلسة مجلس الوزراء مساء الخميس، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه أمر بتوسيع الأنشطة في رفح، حيث يعمل الجيش الإسرائيلي بالفعل.
وقال ديوان رئيس الوزراء يوم الجمعة: “من المستحيل تحقيق هدف الحرب المتمثل في القضاء على حماس وبقاء أربع كتائب تابعة لحماس في رفح. ومن ناحية أخرى، من الواضح أن عملية قوية في رفح تتطلب إجلاء السكان المدنيين من رفح”.. “مناطق القتال. ولهذا السبب أصدر رئيس الوزراء تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية بتقديم خطة إلى مجلس الوزراء، سواء لإخلاء السكان أو لتفكيك هذه الكتائب”.