أُعطوها فرصة..
لم تكد تصدر مراسيم تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة حتى انهالت عليها أحدث أساليب الهجاء اللبنانية ،المحلية والمستوردة ،خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
ربما الناس على حق..فالحكومة بشكل عام تحمل في طياتها كل أسباب ومسببات الهجاء بعد تسعة أشهر من الانتظار والمماح واللف والدوران ..
فهي حكومة أمينة لهذا النظام السياسي الطائفي الذي هو أصل العلة في هذا البلد ،ولا يرتجى من هكذا حكومة أن تعالج كل المشاكل التي يعاني منها لبنان ..ومع ذلك من حقها أن تُعطى فرصة كي يتبين خيطها الأبيض من خيطها الأسود.
هي حكومة فُصّلت على قياس الطوائف والمناطق والأحزاب والقوى السياسية والاقتصادية ،تماما كسابقتها التي أخفقت في معالجة أبسط الأزمات المعيشية للناس ،وهي غنية عن التعداد…ومع ذلك أعطوها فرصة !
هي حكومة العهد الثانية واقعا،لكنها الأولى افتراضا،وليس سرا أن السنتين الأوليين من عمر العهد لم ترض العباد ولا رب العباد.ومع ذلك فلنفترض أن عمر العهد قد بدأ اليوم في الأول من شباط 2019،فلنعطه ونعطها فرصة ،ولو مائة يوم وفقا للحسابات الدولية التقليدية المعروفة.
هي حكومة الوعود البراقة ،من مجمل أقطابها ،بعد أن ساءت أمور البلد الى حد بات فيه بعض النخب يرتجي الانهيار ،لعلّ القيمين على لبنان يرعوون في ما ذهبوا اليه ،فنبدأ من الصفر في بناء وطن يحفظ مستقبل أولادنا وأحفادنا .ومع ذلك فلنكن ساذجين لبعض الوقت ،فنصدق الوعود ،ونعطي الحكومة فرصة علها تتمكن من إصلاح بعض أحوالنا ،لأننا لا نأمل بحلول جذرية لأزمة البلد ..فالطمع بالدِين فقط.
هي حكومة لم يشهد لبنان من قبل أحمالا ثقيلة على أكتافها كالأحمال الملقاة على عاتقها ،والتي تنوء تحتها الجبال.فهي تحمل تركة مزمنة ومرهقة ،بعضها مسؤول عنه من أصبحوا بجوار ربهم ،وبعضها الآخر من صنع أقطابها.ومع ذلك فلنعطها فرصة!
أعطوها فرصة ولو محدودة..
فماذا لو لم نعطها هذه الفرصة؟..وماذا يملك الناس لمعاندتها سلفا غير الصراخ والعويل والنحيب والشتائم؟ وهل يملك اللبنانيون المعترضون زمام إعلان ثورة لا تُبقي ولا تذر؟ وهل كانت ثورات الربيع العربي الا نموذجا أسوأ لأحوال بلدانها؟ وهل حقق الحراك المدني اللبناني نتائج باهرة تشجع على انطلاقة جديدة مماثلة؟
ليس من باب المغالاة القول إن خمسة وتسعين بالمائة من اللبنانين غاضبون جراء أحوالهم المعيشية .ومع ذلك هم على دين ملوكهم ،يؤيدون أحزابهم المنضوية بمجملها في هذه الحكومة،وكل فريق منهم يلقي تبعات أوضاعنا على الفريق الآخر.
في الخلاصة،
انها ليست دعوة لليأس والإحباط والاستسلام للواقع المضني.ولكن فليأخذ اللبنانيون الغاضبون بدورهم فرصة للتفكير والتدبير واجتراح أساليب جديدة لمواجهة المستقبل في حال أخفقت هذه الحكومة في تيسير شؤونهم ،شرط أن تكون هذه الأساليب بعيدة كل البعد عن العنف والرهانات الخاطئة..
أعطوها فرصة ،ولا حول ولاقوة الا بالله !