أي اقتصاد يناسب “سوريا الجديدة”؟(عماد عكوش)
بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
تعيش سوريا اليوم أياما حساسة جدا من تاريخها، وربما هذه الايام سترسم لها مرحلة جديدة قادمة ولفترة زمنية قد تطول وتمتد لعشرات السنوات المستقبلية .
ففي هذه المرحلة، المفترض تهدئة الحالات الشعبية والبدء بالتفكير ووضع الاستراتيجيات والخطط لإعادة البناء الاقتصادي عبر إعادة بناء البنية التحتية التي تضررت وبشكل كبير خلال الحرب، وإعادة استخدام الموارد بشكل افضل، سواء الموارد الزراعية او الصناعية والخدمية ، كما ايضا المطلوب إعادة البناء السياسي انطلاقا من مرحلة انتقالية تمهد لإعادة بناء نظام سياسي جديد وحديث يتطلع له كل أبناء سوريا ، نظام لا يميز بين أبنائه ، يمنع احتكار السلطة من قبل أفراد أو مجموعات ، يتجدد بشكل دائم ، ويكون القانون هو الحكم بين الجميع .
سوريا التي نعرفها مرت بتجربة إقتصادية ممتازة قبل الحرب. فحتى 2011 كانت سوريا تمتلك اقتصادًا ناميًا متنوعًا يعتمد على الزراعة، الصناعة، والخدمات، مع مساهمة ملحوظة من صادرات النفط والغاز ، وقد كانت المؤشرات الاقتصادية ايجابية جدا رغم الحصار الذي كان يلفها بسبب موقفها المقاوم للكيان الاسرائيلي .
لقد كانت سوريا في مرحلة نمو كبيرة قبل الحرب، لكن مع الحرب تراجع هذا النمو فتراجع الناتج القومي بشكل كبير الى ان وصل الى حدود تسعة مليارات دولار، بعد ان كان يتجاوز الستين ملياار في نهاية العام 2010 .
كما انه في الوقت الذي كانت سوريا تنعم بملف نظيف في موضوع الدين العام وصل الى حدود الصفر قبل الحرب، استمر هذا الدين على حاله خلال الحرب. وقد كانت سوريا مميزة في المنطقة بهذا الموضوع قياسا الى الدول المحيطة بها او حتى الدول الغنية البعيدة عن حدودها .
وفي موضوع الاكتفاء الذاتي حافظت سوريا على أكتفائها الذاتي وبنسبة تزيد عن تسعين بالمئة في معظم المجالات، وكان هذا الامر ملفت وخاصة في الميدان الصناعي والغذائي ، كما كانت مصدرة في هذا المجال وخاصة بالنسبة للسلة الغذائية سواء منها القمح او الخضار .
سوريا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي حافظت بشكل كبير على ميزان مدفوعاتها بشكل إيجابي، وعلى استقرار عملتها في الوقت الذي كانت معظم الدول المحيطة تعاني من ميزان مدفوعات سلبي وبتراجع سعر عملاتها وبشكل أدى الى ارتفاع نسب التضخم ومؤشرات الاستهلاك لديها .
سوريا تملك نقاط قوة كثيرة وتستطيع النهوض اذا ما توافرت لها اسباب النهوض. فهي تملك الاراضي الزراعية الواسعة والكبيرة ، وتملك الانهار الكبيرة والسدود والتي من خلالها تروي الكثير من مزروعاتها ، وتملك الخبرة الكبيرة عبر العصور في الزراعة ، كما انها تملك الموارد الطبيعية الكثيرة في باطنها ومنها الغاز والنفط والفوسفات ، فسوريا قبل الحرب كانت تنتج 385 ألف برميل يومياً واستهلاكها المحلي لا يزيد عن 200 ألف برميل يومياً، وبالتالي يمكنها تصدير نحو 200 ألف برميل يومياً إذا أعيد ترميم الآبار وخروج (قسد) منها.
إعادة بناء الاقتصاد السوري بعد الحرب يتطلب جهودًا محلية ودولية منسقة في المجالات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. وعلى الرغم من التحديات الضخمة، فإن الموارد الطبيعية والبشرية لسوريا يمكن أن تكون ركيزة أساسية لتحقيق التعافي والازدهار في المستقبل .
هناك تحديات عديدة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي في سوريا ، ومن تلك التحديات ما نشر في تقرير صادر عن البنك الدولي في مايو/أيار 2024 حول مستوى الرفاه للأسر السورية، من أن نسب الفقر بين السوريين تصل إلى 69% من إجمالي السكان، وأن الفقر المدقع بلغت نسبته 27%. يضاف ذلك إلى متطلبات إعادة الإعمار التي قدرها البعض بنحو 300 مليار دولار.
يبقى الموضوع الاساسي هو أي خيار ستتخذه السلطة الجديدة بموضع اختيار اي اقتصاد يناسب سوريا ، هل هو اقتصاد السوق ، او الاقتصاد الموجه جزئيا ، او الاقتصاد الموجه كليا كما كان معمولا به قبل نظام بشار الاسد .
ان عملية الاختيار ليست سهلة خاصة في دولة تعود أهلها على نمط معين من الحياة والممارسة الاقتصادية، وبالتالي لا بد من الاخذ بالاعتبار تاريخ سوريا الاقتصادي حتى لا يحصل لها ما حصل مع التحاد السوفياتي سابقا ، او ما حصل مع مصر من بيع وبأرخص الاثمان لأصول الدولة والتي ما زالت تملك الكثير ، وبالتالي صعود طبقة جديدة من المواطنين التي يمكن ان تسيطر على السياسة من خلال مقدراتها الاقتصادية الجديدة، وبالتالي تحول النظام السوري من نظام حكم الاشخاص الى نظام حكم رأس المال .