الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
الى أي مدى يمكن لإيران أن تتحمل الضربات “الاسرائيلية” على الرأس؟ من المحطات النووية الى الاغتيالات التي طاولت أدمغة فذة، مثل العالم النووي محسن فخري زاده والقائد العسكري محمد رضا زاهدي، دون أن نستبعد ضلوع “الموساد” في اغتيال قاسم سليماني.
الاغارة على القنصلية في دمشق، تعكس مدى الاستخفاف “الاسرائيلي” بالصيحات المدوية لأركان النظام في طهران، والتي يتوعدون فيها بازالة الدولة العبرية من الوجود، وهو الكلام الذي تم توظيفه عالمياً لتبرير همجيتهم.
نقول للإيرانيين الذين دأبوا، كما كوريا الجنوبية، على استعراض منتجاتهم الحساسة في التكنولوجيا العسكرية (هل يفعل “الاسرائيليون” ذلك؟)، ان صدقيتكم كأصحاب قضية على المحك. لا يكفي الاعتماد على الحلفاء في الرد، والكل في دول مفككة أو محطمة. كفاهم وصف الخصوم لهم بـ “أذرع إيران في المنطقة”!
ندرك دقة الخيارات الايرانية. “الاسرائيليون” ينتظرون أي صاروخ ينطلق من إيران للوصول بالرد الى حدوده القصوى. وإذا كان وزير التراث عميحاي الياهو قد دعا الى استخدام السلاح النووي في غزة، وهي بمثابة الزنزانة المحدودة جغرافياً وديموغرافياً، والتي تحيط بها الخوذات الفولاذية براً وبحراً وجواً، لا بد أن تكون الرؤوس النووية جاهزة للانقضاض على إيران بذريعة الدفاع عن الوجود.
لنذهب الى ما يقال في الأوساط الديبلوماسية الأوروبية من أن “الاسرائيليين” يريدون من آية الله خامنئي الاستسلام أمام الجنرال هرتسي هاليفي، مثلما استسلم الأمبراطور هيروهيتو أمام الجنرال دوغلاس ماك آرثر. كلام منطقي إذا رأينا بعيني زرقاء اليمامة ما حدث ويحدث في غزة، وإذا علمنا مدى تأثير الثقافة التوراتية في صناعة ذلك النوع الهجين من الذئاب.
الايرانيون لن يخوضوا أي حرب قبل الوصول الى التوازن النووي. وهذا يبدو مستحيلاً بعدما تناهى اليهم من بلدان صديقة: “اذا امتلكتم القنبلة، لن يكون الجنون النووي “الاسرائيلي” فحسب، بل ان الأميركيين سيحولون الدول الحليفة في المنطقة (وما أكثرها!) الى “جبخانة نووية” في وجهكم”.
هكذا يبدو آيات الله أمام خيارات بالغة الصعوبة وبالغة التعقيد. إذا لم يثأروا، فقد لا يبقى من قائد ميداني ايراني واحد على الأرض السورية، ما يزيد في هشاشة الوضع العسكري، مع ما لذلك من تداعيات خطرة على أمن ما تبقى من الدولة السورية، والتي يظهر يوماً بعد يوم مدى انكشافها العسكري، ومدى انكشافها الاستخباراتي.
ولكن كيف وأين يكون الثأر، دون السقوط في المصيدة “الاسرائيلية”؟ مع إدراك إيران أن انفجار الصراع يستتبع تلقائياً، تدخّل الأرمادا العسكرية (الجوية والبحرية) الأميركية. لا بد من الحذر الشديد. الرد لاستعادة الصدقية مشكلة، وعدم الرد بفقدان الصدقية مشكلة أكبر.
ما هو مثير هنا ما يتردد أوروبياً من أن “الاسرائيليين” هم من منعوا دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا ومن العراق، لأنهم يراهنون على “الانفجار الكبير” كسبيل لإعادة تركيب الخرائط واعادة تركيب العروش، كما فرض مسارات استراتيجية على المنطقة تؤمن الحماية الأبدية للدولة العبرية، وبعدما كانت معاهد ابحاث أميركية و “اسرائيلية” قد لاحظت أن مفاعيل التطبيع لا بد أن تكون آنية، مع تنامي “القوى الراديكالية” أو “القوى الثورية” في العديد من المجتمعات العربية.
ماذا حين يكون مصير الشرق الأوسط في أيدي تلك الثلة المجانين؟ السؤال طرح حتى داخل وزارة الخارجية في واشنطن. “اسرائيل” ولدت لتكون أداة أميركية وأوروبية في المنطقة (الرجاء العودة الى رهانات تيودور هيرتزل). الآن، تبدو الولايات المتحدة ومعها البلدان الأوروبية، كما لو أنها ادوات “اسرائيلية”. ربما كان من أطرف ما يقوله الأميركيون تبريرا لمدّ “تل أبيب” في هذا الوقت بالذات بالطائرات الأكثر تطوراً وبالقنابل الأكثر فتكاً، أنهم يفعلون ذلك لإبقاء جنون “الاسرائيليين” في حدود معينة، حتى إذا شعروا بالضعف فلن يترددوا في جعل جدران الهيكل تسقط على الجميع.
وسط هذا المشهد السريالي، كيف يثأر الايرانيون؟ إذا لم يكونوا قد فعلوا ذلك قبل نشر هذا المقال، نقول لهم اثأروا لأن “الاسرائيليين” يراهنون على ازالة أي أثر لكم في بلدان المنطقة. الأميركيون يراوغون…