رأي

..وماذا بعد رفح ؟ (جواد الهنداوي)

 

د. جواد الهنداوي – الحوار نيوز

 

السؤال عنوان المقال يفترضُ معرفتنا واطلاعنا  على ما حدثَ وجرى من وقائع ومواقف قبلَ رفح ، ليس فقط بين الكيان المحتل والمقاومة في غزّة ولبنان ،و انما ايضاً  في المنطقة وفي العالم وفي اروقة الامم المتحدة .

عَرفنا ،بكل تأكيد ،و أَطّلعنا ،ولكن هل استوعبنا وأدركنا واستخلصنا نتائج وعِبرْ ، وحدّدنا  ،على ضوء ما استنتجنا ، المواقف السياسية والميدانية والمطلوب تبنيها تجاه إسرائيل و تجاه المقاومة ؟

لنُبيّن ، وعلى عجالة ، استنتاجاتنا عن مرحلة ” قبل رفح ” :

 لنْ أُكرّرْ ما كُتِبَ وقيل عن صمود وانتصار للمقاومة ، ولا عن فشل أمريكي -إسرائيلي واضح في انجاز ايّ هدف مُعلن وغير مُعلنْ عن الحرب . سأتناول ما يستحق الإفصاح او التذكير .

اولاً ، مارسَ الكيان المحتل و معه امريكا والغرب الخداع والتضليل والكذب على المقاومة وعلى وسطاء التفاوض ،  و العالم ،طيلة مدة حرب الابادة ، في التفاوض من اجل وقف الحرب ،و نواياه ( اي نوايا الكيان ) او نواياهم هي في استمرار جرائم القتل و ارتكاب المجازر وكسب الوقت . طيلة مدة مرحلة المفاوضات وهو يرتكب ،كل يوم عشرات المجاز ، ويخطط لاقتحام رفح . للأسف ،أهملت الدول ومنظمة الامم المتحدة و مجلس الامن جرائم الابادة والحرب وضّدْ الإنسانية واستهتار الكيان ، و بدلاً من محاسبة الكيان او تهديده لانتهاكاته وجرائمه ، توسّلوا اليه بعدم اقتحام ” رفح” ،حتى أُختِزلت ْ قضيّة فلسطين وجرائم غزّة ومجاز غزّة ب ” العمل لمنع الكيان المحتل بشّن هجوم برّي على رفح ” ، وكأن نتنياهو سيكافئ العالم الرسمي حين يمنع جيشه وحكومته من شّنْ الهجوم على رفح ! بَيدَ ان القصف الجوي لم يتوقف عن القطاع وعن رفح ، و ازدات وتيرته منذ يوم امس ،وكشّرَ نتنياهو عن انيابه لقضم رفح بالكلام وبالفعل . ولكن ، ” يمكرون ويمكرُ الله و الله خيرُ الماكرين ” ، حيث وجّه طلبة الجامعات الأمريكية والاووربية صفعتهم وركلتهم للكيان المحتل ولأمريكا جزاء استمرارهم في العدوان والقتل وجزاء كذبهم و خداعهم ،حيث أصبحَ ذكر إسرائيل خطيئة ، و كياناً منبوذاً .

ثانياً ، بذلَ وسطاء التفاوض جهداً ووقتاً من اجل الوصول إلى هدنة او انهاء حرب الابادة ، و تمنينا لو أنّهم و الدول  والكبرى ، وخاصة امريكا ، وكذلك تركيا ، ومنظمة الامم المتحدة، مارسوا الضغط الدبلوماسي و السياسي والاقتصادي على نتنياهو و حكومته بقدر الضغط الذي مارسوه على قادة حماس وعلى  المقاومة الفلسطينية والإسلامية .

ثالثاً ، ونستنتج ايضاً بأنَّ ارادة القتل الصهيونية مضت في المسار الذي رسمته منذ منتصف شهر اكتوبر الماضي ، ووفقاً للمراحل الزمنية و العسكرية الميدانية ،غير مكترثة لا بقوانين دولية ولا بمطالبات أمميّة او دولية او شعبيّة ، مستقويّة بالدعم السياسي والعسكري الأمريكي والغربي .

 ان مدّة سبعة شهور من قصف وقتل مرّوع للمدنيين المحاصرين في غزّة هي مُدّة  غير قصيرة ،والمُستغرب هو غياب اي ارادة سياسية او عسكرية او أُممّية سارعت إلى وقف المجازر ، كانت ارادة نتنياهو والكيان المحتل فوق ارادات المجتمع الدولي ودول العالم ، وهذه ظاهرة خطيرة حيث يحظى مرتكب جرائم الابادة والحرب بحصانة دولية وأمميّة ،ونأمل من محكمة الجنايات الدولية ان تتولى تصحيح هذا الانحراف الخطير ، الذي يقود العالم نحو تبني شريعة الغاب .

مرحلة ما بعد رفح ،

يبدو انها بدأت ،واستهلّتها قوات الاحتلال بالسيطرة على معبر رفح ،حسبما تشير بعض التقارير الصحفية ، كما تعتزم سلطات الاحتلال تكليف شركة أمريكية لإدارة المعبر البري لرفح . غداً او بعد غد سيحاول  جيش الاحتلال دخول المدينة ، وتهجير اكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني ،وستضاف جريمة التهجير القسري للجرائم الثلاث التي ارتكبها الكيان ( جريمة الابادة والحرب وضد الانسانية). دخول رفح ستتعدى تداعياته حدود غزّة لتشمل الامن القومي المصري وأمن واستقرار المنطقة والعالم .

الصمت الدولي عن نتنياهو هو بمثابة تواطؤ وتشجيع له بالتمادي بالعدوان ، لاسيما تهديده وحكومته بنقل الحرب ،بعد غزّة ،نحو جنوب لبنان .

العجيب والغريب هو موقف الدول العظمى ،والدائمة العضويّة في مجلس الامن ،والتي تتشبث و تؤكد ليل نهار على ان امن واستقرار المنطقة هو مهم لأمن واستقرار العالم ،ولكن ،على ما يبدو ، تتغاضى الدول العظمى عن امن واستقرار المنطقة وأمن واستقرار العالم  ،ويختفي المصطلح من أخبارها و تقاريرها عندما تشّنْ إسرائيل الحروب هنا وهناك و ترتكب ابشع الجرائم ، وتهدّد فعلاً أمن العرب وأمن المنطقة ، وغير آبهة باتفاقيات سلام عقدتها مع دول عربية ، حَسِبتْ أن هذه الاتفاقيات والعلاقات ستكون أساساً لسلام عادل في المنطقة وضامن لحقوق الشعب الفلسطيني وفق ما قرّرته الشرعية الدولية و قرارات مجلس الامن .

*سفير عراقي سابق. رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /في ٢٠٢٤/٥/٨.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى