أيا … لو تعلمين بحالي !
حيّان سليم حيدر
وذهب لبنان منذ ربع قرن إلى مؤتمر باريس الأول، لِيَنتقل على التوالي إلى الثاني والثالث. ولم يسأل اللبناني، ولَنْ، لماذا كانت هناك حاجة إلى مؤتمرات الديون هذه كلّها، لأنّها ديون كانت. ثم بلج فجر الأرز. فكان في العام 2018 مؤتمرٌ "غَيْرْ شُكْلْ" (باللكنة البعلبكية) أَسْموه "سيدر"، فقلنا عنه لا بدّ أنه سَيَدُرّ.. الخير من الديون.
وتتوالى نداءات "أمّنا الحنون"، مشكورة صدقًا، لحثّ اللبنانيّين، كلّ فترة، على التفاهم لتشكيل حكومة سمِّها ما شِئت لأجراء إصلاحات قصر الصنوبر (إنتبه !) والذهاب مجدّدًا إلى مؤتمر قد أُعِدَّ له للإستفادة من أموال "سيدر" التي ما زالت كما أُقِرَّت، يُقال، جاهزة، كما أُمّلنا… كما تأمّلنا.
ونحن، أي جماعة الأرقام، نتعجّب كيف أنّ لهذه المبالغ، مبالغ ذاك المؤتمر/الواعد كيف لها أن تبقى من دون أي تعديل أو تغيير، والعالم كلّه قد إنهارت أرقامه خلال هذه الفترة وتبدّلت بسبب كورونا أخيرًا إلى جانب إنهيارات أسعار النفط من جهة والتجارة العالمية وكبريات المعاهدات وغيرها من الأمور من جهات متلاطمة أخرى. هذا، ولبنان كان قد إنهار، علنًا هذه المرة و"فجأةً"، غير مُفاجِئة، في تشرين 2019 ومن ثمّ تبعها كورونا وكارثة إنفجار مرفأ بيروت. كلّ هذه التطورات السلبية زادت في عجز لبنان العاجز أصلًا بمقدار "هَرَيان" ثلاثة أعوام إضافية رافقها تهريب الأموال وإنهيار الليرة (غير المعتمدة أصلًا) إلى 20% من قيمتها الإسمية/الشرائية مصحوبة (كلمة غير موفّفة هنا) بتضخّم في الأسعار عشوائيًّا، أو بالأحرى لبنانيًّا، بأَضعاف النسب التي كان يمكن تبريرها علميًّا أو عالميًّا. حصل هذا كلّه بسبب "نَمَطية" الفلتان، سِمَة إقتصاد لبنان وسياسته وسياسيّيه، مُحَمّلين ب"خدمة" الدين (كلمة غير موفّقة بتاتًا) لسنوات ثلاث إضافيات أي بما يفوق 15 مليار$ وليس آخرها ما نشأ من إحتياجات لبنان لإعادة إعمار خراب إنفجار المرفأ والتي تقدّر بما يفوق 10 مليار$. تغييرات هائلة حدثت في الأرقام، وبقيت أرقام "سيدر" على وعد 11مليار$ لمدة "سنين ومرّت"، بقيت هي هي، صامدة، لا تتغير، لم تتغيّر فبقيت بتقدير المانح الأكبر كافية للنهوض بالبلد. هناك لا شك أمر غير منطقي في ضوء ما سبق من وقائع. فإنّ الإصرار على المضي في هذا كلّه بات مريبًا بل مشبوهًا، يعزّز هذه الشكوك، عودة فرنسي تلو الآخر، مشكورين نكرّر وبصدق، ليُحذّر ويُقرّع ويُوبّخ ويُبهدل اللبنانيّين إلى آخر المعزوفة والتي أمست "بايخه"… وفي النهاية يستجدي، الفرنسي يستجدي، توافقًا لبنانيًّا للإسراع في تأليف حكومة ينتظرها "المجتمع الدولي"، هذا الساهر الليل حتى هناء اللبنانيين، والدول الداعمة، هذا الصديق عند صياح الديك، ينتظرون حكومة "مَهَمّة" من إختصاصيّين، ، يسمّي الفرنسي، فيها، وهو، بكلّ براءة، يسمي وزراء ومنهم وزيرًا للطاقة ومن.. وما أدراك، ومن هو ذاك المُحَلِّل العبقري الذي ربط بين شركة توتال وشركة ألفاريز، وما هو المشتَرَك بينهما في إنسحابهما من عقود العمل مع لبنان؟
هذا مع الدولة الكبرى الأم، التي أطلقت اليوم بالذات "مؤتمر الترميق" للبنان، أي أنّه كلّما وصل لبنان إلى الرمق الأخير نزوّده بجرعة من أمواله التي هرّبها فاسدوه "شحادةً" كي يستمر… في أدنى مستويات البقاء. أما الدولة العُظمى (الأخت)، فتقوم بدور الوسيط النظيف، دور "صديق بعقوبات كثيرة"، كَمُسمّى… عقوبات محصّنة بتهديدات.
لا أعلم لماذا يذكرني هذا السرد، غير الشيّق، برواية "العصفور والبقرة والقطة"(1).
قد يكون شعب لبنان عصفور الرواية، وثروة لبنان البقرة والدول المانحة القطة… قد تكون هكذا وقد يكون العكس… أو غير ذلك تمامًا !
لا أعلم لماذا يذكّرني هذا بذاك. ولكن، قطعًا، وعملًا بالعِبْرة المستقاة من القصّة (أدناه) فيصلح القول: "إذا بُليتم بالمعاصي.. فاسْتَتِروا".
كفانا "زقزقة" !
بيروت، في 2 كانون الأول 2020م. من سلسلة "ما قَلّ وذَلّ" – 4
قُلْتُ، وقد ناحت… ، أيا … لو تعلمين بحالي !
(1) كان يا ما كان .. عصفور عنيد قرّر من دون العصافير الإمتناع من الهجرة إلى الجنوب في فصل الشتاء.. و سرعان ما أصبح الطقس باردًا جدًّا فسقط في حقل وهو على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة من شدّة البرد.
في هذه الأثناء توقفت بقرة بجوار العصفور وأفرغت ما في جوفها على الطائر الصغير .. ظنّ العصفور أنها النهاية.. ولكن سخونة روث البقرة أذابت الجليد عنه، ومنحه الشعور بالدفء سعادة بالغة لدرجة أخذ معها يزقزق وهو في كومة روث.
صوت الزقزقة هذا لفت إنتباه قطة ضالة كانت في الجوار فذهبت لاستطلاع الأمر… أزاحت الروث ولدهشتها وجدت العصفور ما زال يزقزق فرحًا.. فالتهمته على الفور !
العبر والدروس المستقاة من القصة:
أولًا: إن كلّ من يلقي الروث عليك ليس بالضرورة عدوًّا لك !ّ
ثانيًا: إن كلّ من يزيح عنك الروث ليس بالضرورة صديقًا لك !
ثالثًا: إن كنت غارقًا في كومة من الروث فاخرس ولا تفتح فمك !