ماري ناصيف الدبس – الحوارنيوز
في 24 آب / أغسطس 1991، قرر البرلمان الأوكراني بما يشبه الاجماع تقريبا الانفصال عن الاتحاد السوفياتي والتخلي عن الاسم السابق لبلاده( جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية) والاكتفاء باسم جمهورية أوكرانيا.
في ذلك الاجتماع، اتخذ أيضا قرارا آخر مهم يتلخّص بأن أوكرانيا “تعلن رسميا نيتها في أن تكون دولة محايدة على الدوام وألا تشارك في أي حلف عسكري”. هذا الاعلان لم يدم طويلا، خاصة مع التدخلات الألمانية والأميركية على وجه الخصوص، التي أسفرت، أولا، عن تغيير كامل في السياسة بعد وصول قوى سبق لها أن وقفت إلى جانب النازيين في الحرب العالمية الثانية، وثانيا عن بدء مفاوضات للدخول إلى الاتحاد الأوروبي ومن ثم إلى حلف شمال الأطلسي.
رب قائل أن هذا الانجرار إلى حلف معاد لروسيا، وعلى حدودها وخاصة ضمن “مياهها الدافئة”، لا يجب بأي حال من الأحوال أن يقابل بالحرب والتهديد باستخدام السلاح النووي، غير أن التاريخ يذكّرنا بما جرى يوم حاول الاتحاد السوفياتي نشر صواريخه في كوبا، وكيف حلّت الأزمة بحيث تم التوافق على سحب الصواريخ السوفياتية وتقليص الوجود العسكري الأطلسي في تركيا. كما يذكّرنا بأن هذه المحاولة الأميركية – الأطلسية ليست الأولى من نوعها منذ العام 1991، فقد سبقتها محاولات أخرى في جمهوريات البلطيق السابقة وكذلك في جورجيا. كما سبقها الاستيلاء على جزء كبير من أوروبا الوسطى والشرقية وتفتيتها إلى دويلات إثنية تارة ودينية تارة أخرى… ولا ننسى أن التصعيد العسكري الروسي، الذي أتى على وقع اقتراب الحلف الأطلسي من إحكام الحصار على الأرض والمياه الروسية، يقابل اليوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإعلانات عن مد الجيش الأوكراني بالأسلحة، رغم بدء المباحثات الأوكرانية – الروسية للوصول إلى حل سياسي للأزمة ورغم المواقف التي اتخذت من قبل العديد من ممثلي الدول الكبرى، ومنها الهند والصين، في مجلس الأمن الدولي.
لذا، ندعو شعوب أوروبا كلها، من غربها إلى شرقها، من بريطانيا إلى روسيا، ومعها كل الأفرقاء المتواجدين في أحلاف أو تكتلات عسكرية هنا وهناك في العالم، إلى التحرّك السريع، قبل فوات الأوان، لوقف طبول الحرب، ومعها التحاليل الهمايونية التي تطلق في وسائل الاعلام، وللضغط على حكامهم من أجل إعادة النظر في السياسات العسكرية المتبعة والعمل على العودة إلى الحل الذي اتبعته أوكرانيا في العام 1991، أي الحياد، مرفقا بإعادة نظر أخرى تتعلّق بضرورة استمرار الأحلاف العسكرية الباهظة الكلفة، بما يفسح في المجال أمام توفير آلاف المليارات من العملات الأميركية والأوروبية والأسيوية والأفريقية لكي توضع في خدمة البحث في كيفية الخلاص من الفقر والجوع والأمراض المستعصية.
تقول إحدى أنشودات المعادية للحرب ما يلي: “عندما يذهب الجندي إلى الحرب، يعتقد أنه سيعود بعصا الماريشالية، غير أنه في نهاية الحرب لن يجد في جعبته سوى بعض الثياب الوسخة”؛ هذا إن بقيت ثياب وبقي وجود إنساني على الأرض في حال استمر الصراع بين الطغم الرأسمالية على السيطرة على الأرض وما تزخر به من ثروات…
زر الذهاب إلى الأعلى