د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز – خاص
في مقال سابق ( ٢٠٢٣/٤/٧) ، وبعنوان ( الصين تدعو دول الشرق الاوسط الى الاستقلال الاستراتيجي ) ، تناولنا ما وجدناه جديداً ومعبّراً في تصريح لوزارة الخارجية الصينية ، وهي تستقبل وزراء خارجية كل من ايران والمملكة العربية السعودية ، الا وهو مصطلح ” الاستقلال الاستراتيجي “، وخَتمنا المقال بأمنيّة ، وهي ان تتلقف دول الاتحاد الاوربي هذه الدعوة الصينيّة نحو ” الاستقلال الاستراتيجي ” ، لا سيما و الرئيس الفرنسي ماكرون كان حينها في الصين ( زيارته بتاريخ ٢٠٢٣/٤/٥- لغاية ٢٠٢٣/٤/٨ ) .
لم يخبْ ظننا ، حيث عادَ الرجلُ وهو ، على ما يبدو مُعجب ويتغنى بمصطلح ” الاستقلال الاستراتيجي “، و يسردُ مرادفات اخرى للمصطلح كأن ” لا نكون كتلة مقابل كتلة ” ، ” ان لا نكون تبعيّة لا لأميركا و لا الى الصين” ، كذلك يدعو رفاقه الاوروبيين الى ترجمة المصطلح من خلال تبني سياسة اوروبية تنظرُ ،قبل كل شيء ،الى المصلحة الاوروبية .
الرئيس ماكرون ، وخلال حديثه مع صحيفة ” ليزيكو ” الاقتصادية الفرنسية ، وهو في الصين ، دعا الاوروبيين الى “الاستيقاظ” ، وقال ” ان اولوياتنا تتمثًل في الا نتكيّف مع اجندة الآخرين في مختلف مناطق العالم ” ، وقال ايضاً ” انَّ اسوأ شيء هو الاعتقاد اننا يجب ان نكون اتباعاً “!
تحدّث الرئيس ماكرون ليس فقط بإسم فرنسا، وإنما باسم اوروبا ، ووجه دعوته بالإستيقاظ لأوروبا وليس فقط لفرنسا .
ستستجيب أوروبا للدعوة ، وزيارة الرئيس ماكرون الى الصين ، وبهذا التوقيت، ما هي الاّ خطوة اساسية لخطة انقاذ اوروبا من ورطة الحرب في اوكرانيا ، ومؤشرات كثيرة على ذلك ،قد يكون اهمُها ( اهم المؤشرات ) هي إعجاب الرئيس ماكرون بالدواء الصيني “الاستقلال الاستراتيجي”.
يُعلّمنا مفهوم او مصطلح ” الاستقلال الاستراتيجي ” ثلاثة دروس في السياسة والعلاقات الدولية :
– كيف انَّ الصين تابعت و راقبت حروب و ازمات في العالم ،كان لأميركا دور اساسي في صيرورتها و استمرارها ، وادّى فشلها الى كوارث أصابت بضرر كبير الاطراف المتحاربة او اطراف الازمة ( ازمات و حروب الشرق الاوسط ، وحرب اوكرانيا ) ،وكذلك أميركا ذاتها .
ومن اسباب هذه الحروب و الازمات هو قبول الدول لفروض و إملاءات وإغراءات أميركا ، رغم انّ هذه الدول تملك من المقومات الكثيرة كي يكون استقلالها استراتيجي ،وليس صوري .
– اختارت الصين الوقت المناسب جداً لتسويق منتوجها الفكري ” الاستقلال الاستراتيجي ” ، كي يحظى بالقبول وبالتطوير وبالتبني من قبل دول أخرى ، وها هي فرنسا ، ومن بعدها ربما ، دول اوروبية اخرى ستعلن استعدادها لتبني ولتطبيق الاستقلال الاستراتيجي . طرحت الصين ” الاستقلال الاستراتيجي ” وقت اعلان البيان المشترك الذي عبّرَ عن ارادة ايران والمملكة ، في اعادة علاقتهما الدبلوماسيّة ، وبدء مرحلة جديدة ، وكان البيان ، من وجهة نظر الصين ، بيانا واصفا لارادة قوتيّن اقليميتيّن لهما استقلالهما الاستراتيجي .
– أصبحت الولايات المتحدة الاميركية تواجه حرباً عسكرية خاسرة في اوكرانيا ، وتواجه حرباً سياسية وفكرية واقتصادية خاسرة مع الصين ،نتائجها تآكل نفوذ وسيطرة أميركا ، وتحرّر اصدقائها و حلفائها مِنْ فروضها وشروطها ، وتيه وحيرة اسرائيل .ومن نتائج هذه المعادلة وثوب قوى المقاومة ضّدَ الاحتلال الاسرائيلي وفرض قواعد ردع جديدة لمنع تماديه في الاعتداءات المتكررة ضّدَ الشعب الفلسطيني وضّد سوريا ولبنان.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل