أهم ما يُستقبل به شهر محرم الحرام: كربلاء وفرقان الإسلام الخالد(فرح موسى)
أ.د.فرح موسى- الحوارنيوز
اعتاد المسلمون في تاريخهم على ترديد كلام الرسول ص:”حسين مني وأنا من حسين…”،وهم يعرفون جيدًا معنى أن يكون الحسين ع امتدادًا لجده محمد ص في كل ما جاء به من وحي وهداية للعالمين.وهكذا،نجد أن الكلمات تنطوي على كل أبعاد الحياة في سر الامتداد،فكل ما كان للرسول ص من امتداد كان للحسين، وجودًا،وحياة،وخلودًا، امتدادًا شاهدًا على وحدة الروح والهدف والشهادة،إذ لا فرق بين بدر وكربلاء في ما جادت به النفوس،واستوت عليه الأرواح من حق ونصرة وهداية وجهاد…
يقول المسلمون:إن الحسين ع جاهد في الله حق الجهاد،وصدع بالحق في محراب الصلاة،ذكرًا كثيرًا،وفتحًا مبينًا،وفوزًا عظيمًا؛فحق له أن يُحدث التغيير،وأن يكون الأحق به لما له من امتداد في الرسالة،وأحقية في الهداية. فإذا كان الحسين ع قد فعل ذلك لجعل المسلمين تعبيراً حيًا عن القرآن والسنة الشريفة،فلمَ لا يكون استقبال شهر محرم الحرام استحضارًا لكل ما قام الإمام الحسين ع لأجله،وجاهد في سبيله؟وهنا نسأل:ألم يكن القرآن الكريم عنوانًا لكربلاء وروحًا لها؟ الم تكن حياة القرآن هدفًا للحسين ع في نهضته،وطريقًا للإصلاح في أمته؟
لقد أجمع المسلمون على أن الحسين ع لم يرتض حياةً يموت فيها القرآن،وتهجر فيها المبادىء والقيم،وقد قدّم نفسه وعياله وأصحابه فداءً للإسلام ودفاعًا عنه؛فكيف لا يكون للحسين ع فرقانه،سواء في القيامة،أو في الشهادة،أو في القيادة؟
إنها أسئلة لا بد أن يستقبل بها شهر محرّم،وذلك بهدف أن تستحضر عاشوراء بكل ما تعنيه من قرآن ورسول ورسالة،ومن أولى من الحسين ع بالقرآن،فهو كان ولا يزال يشكل روحًا للقرآن،وقد امتد فيه ليكون نورًا مبينًا،ومصباحًا للهدى،وسفينةً للنجاة.
إن أهم ما يستقبل به شهر محرّم،هو هذا،أن يكون القرآن الكريم حيًا في الأمة التي أوهمت نفسها يومًا أنها تجسّد روح القرآن في اللحظة التي كانت فيها تقتل الحسين،تمامًا كما فعل الخوارج حينما قالوا:”لا حكم إلا لله”،ثم كان منهم أن قتلوا الحق وثاروا عليه،فما كان من الإمام علي ع إلا أن وصفهم بمقالته الخالدة”كلمة حق يراد بها باطل”. فلو أن الأمة الإسلامية كانت ترى بنور القرآن،وتهتدي به،لما كانت تخلّفت عن الحسين ع،ولكانت أبصرت وعرفت معنى أن يكون القرآن ممتدًا في الحسين،هدايةً ورعايةً وقيادةً،لكونه من أولي الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم.
فلنعد إلى القرآن في مدرسة الحسين ع،لأن القرآن الكريم يهدي للتي هي أقوم،وهو يهدي إلى الإمام القيّم،ولهذا،فإن كربلاء قد شكلّت هذه القوامة بكل ما تعنيه من امتداد للرسول والرسالة،وقد قال الإمام الحسين ع من موقع الهداية والرعاية والحق في إدارة شؤون العباد والبلاد”أنا أحقُّ من غيّر..”
فكربلاء ليست شيئًا غير القرآن في الهداية والرعاية والإصلاح،فإذا أراد المسلمون الحياة والحرية وإقامة الحق وتحقيق العدالة،فما عليهم إلا أن يبدأوا السعي بنور القرآن،ليكون لهم الحسين ع في الهداية والثورة والإصلاح.أما أن نبحث عن كربلاء كدرس في الحياة،وثورة في التاريخ،فإن ذلك قد كان للكثيرين من الثائرين والمناوئين للظلم والفساد في الأرض!.فكربلاء ليست مجرد ثورة في التاريخ،وإنما هي تعبير قرآني يمتد في الوجود والحياة امتداد النبوة والرسالات السماوية،وهذا ما ترشدنا إليه زيارة وارث،حيث نرى الإمام الحسين ع يرث هذا الخط النبوي بكل ما يعنيه من هداية ورعاية وقيادة.فلا بأس أن نستقبل الشهر المحرم بالمزيد من الوعي القرآني،وذلك لاستحالة التحقق بكربلاء من خارج القرآن الكريم،وهذا ما نجد أن نهضة الحسين ع في كل عناوينها وأحداثها قد توفرت عليه لجهة ما تدعو إليه من تحقق قرآني في الطريق إلى كربلاء،وقد قال الإمام ع:”ألا من كان باذلًا فينا مهجته،وموطنًا على لقاء الله نفسه،فليرحل معنا”،وذلك إنما كان منه على قاعدة قوله تعالى:”والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا…”.
فالحسين ع هو هذا الضمير القرآني”فينا”،فأنى لمسلم أن يدخل في هذا الضمير،ولما تتحصّل له بعد روحية التوّطن على لقاء الله تعالى في ما هدى إليه،وأمر بطاعته!؟فلنستقبل محرّم الحرام بما يجعل من القرآن الكريم طريقًا إلى كربلاء.وها هو عالمنا اليوم يتنفّس الصعداء بما جادت به كربلاء من دروس وعبر على أهل الهداية والإصلاح والجهاد في سبيل الله تعالى.والسلام.