أهم تحديات قطاع الكهرباء: وقف دعم المحروقات
كتب غسان بيضون:
يوماً بعد يوم يتصاعد القلق من إمكانية توقف مصرف لبنان عن توفير الدولار المدعوم للمحروقات وتأمين حاجة البلاد منها. ويتركز ترقّب المواطن على ما يمكن أن يكون عليه، ليس فقط، قطاع الكهرباء في هذه الحال، وإنما مختلف القطاعات التي تستخدم الطاقة والمحروقات، بما فيه التدفئة التي تستخدم المازوت وتشمل ساكني القرى وكذلك مشتركي المولدات الخاصة في المدن. فضلاً عن قطاع النقل الذي يستخدم البنزين وربما الديزل مثل الآليات العسكرية والجرارات الزراعية وغيرها. أضف إلى ذلك القطاع الصحي والمستشفيات، والقطاع التجاري، المحتاج للتبريد، والقطاع الصناعي والسياحي والفندقي المعطوب أصلاً.
حتى ولو استمر توفر الدولار المدعوم لمحروقات الكهرباء، فهناك تحديات أخرى، لا سيما وأن شركة "سوناطراك" أعلنت عن عدم رغبتها بتجديد عقدها مع الدولة اللبنانية لتوريد الفيول، بعد الاتهامات التي طالتها في قضية الفيول المغشوش بعد نجاح مافيا المحروقات والفساد المحلي بالدخول على خط علاقتها بالدولة، واتساع مجال الشبهة ليطال إدارة منشآت النفط والأجهزة االمعنية بها في المختبرات، وصولاً إلى وزراء الطاقة ممن أخذوا العلم بانحرافات ومخالفات كانت تحصل دون اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمعالجتها وتفاديها، ولم تصل التحقيقات بشأنها إلى نتيجة بعد.
في هذا السياق، أعلن وزيرة الطاقة أنه تم تحضير دفاتر الشروط لإجراء مناقصة لتأمين الفيول من غير الشركة المنتهي عقدها، وأنه كانت لإدارة المناقصات ملاحظات حول هذه الدفاتر. وقد تبين أن هذه الملاحظات هي جوهرية وتتعلق باعتماد رقم أعمال يحد من المنافسة ويحرم الشركات المحلية من المشاركة، وحصر التصنيف بشركة اختارها الوزير بما يسمح له بالتحكم باختيار العارضين، واقتصار التلزيم على ستة أشهر، فيما يمكن أن تستغرق إجراءات المناقصة نفسها بين ثلاثة أو أربعة أشهر، وصولاً إلى رسو التلزيم.
وهذا ليس العائق الوحيد فهناك أيضاً نفاذ "سلفة الخزينة" المخصصة لتأمين حاجة كهرباء لبنان من المحروقات والتي تم تخفيضها من 2500 مليار إلى 1500 مليار ليرة للعام 2020، بناءً على وعود وزارة الطاقة بخفض الهدر وتلبية 100 ألف طلب اشتراك جديد وتحسين الجباية وتحصيل المتأخرات وزيادة الإنتاج من خلال تلزيم معامل الإنتاج بالشراكة مع القطاع الخاص، بما يسمح بزيادة التعرفة تدريجياً وتأمين التوازن المالي للمؤسسة وإعفاء الخزينة والمالية العامة من أعباء عجز الكهرباء وسوء إدارة القطاع. أضف إلى كل ذلك تعذرإقرار موازنة الدولة للعام 2021 قبل بدايته، وانتهاء عقد كهرباء لبنان مع شركة كهرباء زحلة المتعلق بتأمين الكهرباء بقدرة 60 ميغاواط للمدينة والقرى المجاورة.
أما والقاعدة الإثنتا عشرية لا تنطبق على سلف الخزينة، وحكومة تصريف الأعمال لا تجتمع، فماذا عن التدفئة في المناطق الجبلية، وقد بدأ برد الشتاء، لو تراجعت التغذية من كهرباء لبنان وتضاعفت فاتورة المولدات الخاصة بالتناسب مع رفع الدعم؟!
الجواب: لا شك أنها سوف تكون كارثية، وفي ذلك دليل إضافي على فداحة أخطاء السياسات المعتمدة خلال السنوات الماضية، لا سيما تثبيت الصرف وعدم تعديل التعرفة وتمويل شراء محروقات كهرباء لبنان بكاملها من خزينة الدولة، على مدى العشرين سنة الأخيرة. أما اليوم فقد بات دعم هذه الحروقات، ومعها حاجات السوق المحلي من الفيول والديزل وغيره من أنواع المحروقات، يجري على حساب موجودات مصرف لبنان بالدولار وداخل أروقته المظلمة والعصيّة على التدقيق الجنائي، وليس هناك من يستطيع الجزم أن هذا الدعم لم، أو لن يمتد إلى أموال المودعين والاحتياطي الإلزامي المودع من هذه الأموال لدى المصرف المركزي، المفترض أن يؤدي الدعم إلى تحميله الخسائر تنتج عن تخليه عن جزء من موجوداته بالدولار لقاء مبلغ أقل من سعر شرائه من السوق أو غيره من المصادر، لتغطية استيراد المواد المدعومة حتى اليوم، كلياً أو جزئياً، بالسعر الرسمي.
الغريب هو أننا، بالرغم من الأدلة الواضحة والأكيدة حول النتائج السلبيبة للتمادي في اعتماد المؤسسة على الشركات الخاصة للقيام بمهام هي من صلب أنشطة الأجهزة الفنية والإدارية لمؤسسة كهرباء لبنان، لا نسمع اليوم لا من إدارتها ولا من وزير الطاقة أي اقتراح يقدّمانه حول إجراءات وتدابير يمكن أن تساهم في كسر حدة أزمة المستحقات بالدولار، كالسعي للتفاوض مع الشركات الخاصة على توزيع تكاليفها الفعلية بين الليرة والدولار، وتقسيطها بحيث تحتسب أعباء مستخدميها اللبنانين وتوابعها من تقديمات ومحروقات وغيرها بالليرة، والتحضير للعودة تدريجياً إلى استعادة مديريات المؤسسة صلاحياتها والاستغناء عن عقود الإشراف وإدارة البرامج. ويصح ذلك على عقود متعهدي صيانة وتشغيل المعامل كما على الشركات الاستشارية ومقدمي الخدمات، المفترض أن تتحمل جزءاً من مسؤولية التأخير في تحصيل مبالغ متأخرة ناهزت الألف مليار ليرة توازي ثلثي سلفة الدولة وكانت لتؤمن حوالي 600 مليون دولار قبل انهيار سعر الصرف.
أضف إلى ذلك إمكانية تأجيل الأشغال التي تتجاوز الصيانة العادية وتتصل بإعادة التأهيل، وشطب المبالغ المخصصة للعدادات الذكية من بين المبالغ التي تطلب المؤسسة من مصرف لبنان تأمينها بالدولار المدعوم، وتهدّد كالعادة "بالعتمة" وبوقف سير المرفق العام" في حال عدم تلبية طلباتها.
أما موقف وزير الطاقة فلن تجد فيه سوى استسهال تجيير المشكلة عبر رئاسة الحكومة وطلب موافقات استثنائية مخالفة للدستور من السراي والقصر لتأمين حاجات المؤسسة وتغطية عجزها من كافة مصادره بأي ثمن، على غرار ما حصل بالنسبة لتمديد عقود اليد العاملة لدى كهرباء لبنان والقاديشا، بالرغم من مخالفتها للقانون واعتراض مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي عليها باعتبارها توظيفاً مقنّعاً.
على مستوى التعايش مع أزمة المرحلة المقبلة وانعكاساتها، علينا أن نتوقّع النزوح باتجاه المدن خلال الشتاء، وربما استخدام الفحم والحطب و العودة إلى الأساليب القديمة للإنارة البسيطة لذوي الدخل المحدود وما أكثرهم، والنوم باكراً علّ الأحلام تأتينا بتغيير في نهج وإدارة القطاع ومعها الحلول.
إن أولويات المعالجة كانت وما زالت بتشكيل حكومة تلتزم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة على مستوى سيدروغيرها لاستعادة الثقة بأسرع وقت، والحصول على مساعدات وتمويل خارجي. وفي حال تعذر ذلك فالوضع سوف يكون كارثياً ويستوجب معالجة تمزج بين إمكانية الإبقاء على دعم محدود وطلب مساعدات دول صديقة والتوجه نحو انتاج الطاقة الشمسية الأسرع تنفيذاً والأقل تكلفة على مستوى الإنتاج.
أما الملفت من الأحداث فهو تطاير المستندات من نوافذ مبنى مؤسسة كهرباء لبنان بعد أيام من انفجار المرفأ ونشوب حريق أصاب الطابق الأول منه وطاول الوثائق المحفوظة فيه، في الوقت الذي يجري الحديث عن ضرورة إخضاع حسابات المؤسسة للتدقيق الجنائي، دون أن تكلف إدارة هذه الأخيرة نفسها لإصدار بيان يوضح ما حصل، أو نسمع عن تحقيق أجري لتحديد أسباب الحريق وأهمية الأضرار والنتائج التي تسبّب بها.
تثبت الوقائع أن إدارة شؤون القطاع هي أبعد ما يكون عن روح المسؤولية وحسن التدبير، بالنسبة للمؤسسة، كما عن المقصود بإدارة مصالح الدولة وفق المادة 66 من الدستور، بالنسبة لوزير الوصاية!