أميركا وإسرائيل تسابقان الحل بعد قرار محكمة العدل الدولية (جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز
قرار المحكمة ،بتاريخ ٢٠٢٤/٥/٢٤ ، والذي يأمر إسرائيل بوقف الحرب في رفح ،والسماح بوصول المساعدات إلى اهل غزّة ، وضعَ إسرائيل وحلفاءها الغربيين ، وفي مقدمتهم اميركا ، في مأزق كبير ، وسباق مع الزمن ،من اجلْ ايقاف الحرب .وسنشرح الاسباب ومؤشرات حصارهم في مأزق وسباقهم مع الزمن ،و سنستخلص من الشرح عِبرْ ونطّلع كيف هُمْ ( واقصد الغربيين بصورة عامة ) يفكّرون ويستشرفون الوقائع ويتهيأون لها .
الفريق القانوني لجمهورية جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية فعلَ خيراً حين ناشدَ و طالبَ و ترافعَ امام قضاة المحكمة ، بضرورة ولزوميّة اصدار امر لإسرائيل لايقاف عملياتها وحربها في غزة ، مُعللاً بعدم التزام إسرائيل، لا بوقف الحرب ، و لا بالسماح بإدخال المساعدات … فنالَ قراراً من المحكمة فيه أمر فوري لإسرائيل بأيقاف الحرب .
قرار المحكمة مُلزم وغير قابل للطعن ،ولكن ليس للمحكمة الوسائل القانونية لتنفيذه ، و تنفيذ القرار والالتزام به متروك للدولة المعنيّة ،اي لإسرائيل . وطبعاً اهملت إسرائيل القرار ،بل ،و شنّت بُعيد صدور القرار غارات وارتكبت مجازر أُخرى .
ولكن عدم الالتزام به وتنفيذه من قبل إسرائيل ،خلال مدة شهر ،واعتباراً من تاريخ صدور القرار ،يحقُ طرح الملف او الأمر الصادر من المحكمة امام مجلس الامن الدولي ، ومطالبته بإصدار قرار مُلزم ،وتحت الفصل السابع ،من اجل تنفيذ القرار .
هنا مأزق أميركا وبريطانيا و فرنسا ،وهم اعضاء دائميبن في مجلس الامن ،ولهم حق الفيتو ،حق الاعتراض على اصدار قرار لا يتماشى مع مصالحهم او مصالح اسرائيل !
لماذا مأزق ؟
امام أميركا حلّان لا ثالث لهما : إمّا أن تصوّت على مشروع قرار يُلزم إسرائيل بتنفيذ وقف الحرب ، وهذ ما لا اعتقده،ولاسباب عديدة ، لا يجهلها أحد ، و إمّا أن تستخدمُ حق النقض ( الفيتو) ضّدَ مشروع قرار يُلزم إسرائيل بوقف حرب الابادة في غزّة . واستخدامها لحق النقض سيعرّي كذب ونفاق أميركا امام شعبها والرأي العام الدولي،وهي التي تدّعي بانها تعارض اجتياح رفح وتريد وقف الحرب وتضغط على اسرائيل من اجل وقف الحرب.. إلى أخرهِ.
استخدام أميركا حق النقض ( الفيتو) سيعطّل ،بطبيعة الحال تمرير المشروع ، وستكتفي الدول الاعضاء الأخرى ،أصدقاء اسرائيل ( فرنسا ،بريطانيا ) بالامتناع عن التصويت ،ولا حاجة لها بأستخدام حق النقض .
المُلفت للنظر أنَّ الادارة الأمريكية توقعّت على ما يبدو ، قرار محكمة العدل الدولية ،وسيناريو جمهورية جنوب أفريقيا لمتابعة القرار ، فاستبقت الحدث بتكليف رئيس الCIA السيد وليم بيرز بالسفر إلى باريس، ولقاء رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ، ومسؤولين في الحكومة الفرنسية من اجل الشروع باجتماعات عاجلة وإيجاد حّلْ مقبول لايقاف الحرب وتبادل اسرى و ادخال المساعدات . وهذه هي الفقرات الثلاث التي شكّلت نقاط حديث الرئيس الفرنسي ماكرون مع الوفد العربي الرباعي للوساطة ،والمؤلف من وزراء خارجية كل من مصر والمملكة العربية السعودية و قطر والأردن ، تلتها لقاءات بين وليم بيرنز ووزير خارجية قطر وآخرين .
تحرص الادارة الأمريكية على الوصول إلى حلٍّ قبل موعد عرض قرار محكمة العدل الدولية امام مجلس الامن ،كي تتفادى المأزق ،الذي يضعها امام خياريّن ، احدهما اسوأ من الآخر .
أميركا واسرائيل هما الآن بين مطرقة مجلس الامن وسندان الرضوخ لحلْ ،لا يسّرهما ، ويحقق نصراً سياسياً ساحقاً للمقاومة ولدولة فلسطين ، وما يشجّع اللجوء إلى حلْ والاسراع في وقف الحرب الفاشلة هو المقاومة الباسلة والانتصارات الميدانية التي تحققها ، وخاصة بعد نجاح المقاومة بأسر جنود صهاينة . نجاح المقاومة بأسر جنود جعلَ من نتنياهو مسخرة امام العالم وامام الاسرائليين ،حيث وعدهم بتحرير الاسرى ،و إذا به يوقِع جنود آخرين في الأسر .
المقاومة ، والعرب وخاصة دول الوساطة ،هم الآن في موقع تفاوضي قوي و مريح جداً ، و مقومات هذا الموقف هو الصمود والانتصارات الميدانية ، كذلك تراكم القرارات القضائية الدولية ضدَ إسرائيل ، واعتراف دول اوروبية بدولة فلسطين، والقادم اكثر ، ونهضة ووعي شعوب العالم بأكذوبة إسرائيل و احتمائها بشماعة الهولكوست ومعاداة الساميّة ، حتى طفح الكيل بممثل السياسة الخارجية الاوروبية ،جوزيف بوريل ، فصرّح علناً ،موجهاً كلامه إلى مندوب اسرائيل ، قائلاً :” كفى بكم تذرعاً بمعاداة السامية كلما واجهتم انتقادا لما تقومون به من أعمال و ممارسات مخالفة للقانون الدولي ” .
* سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات
و تعزيز القدرات ، بروكسل