رأي

أميركا وأثمان التصفيق للموتى ( فرح موسى )

 

أ.د فرح موسى – الحوار نيوز

 

لقد رأينا كيف انشغل العالم بالتصفيق لمجرم الحرب رئيس حكومة العدو على أعتاب الحضارة الغربية؛هناك حيث تعقد مجالس البطّالين،فأكثروا الهتاف والتصفيق،ولم يهتموا من أي البلاد جاءهم قاتل الأطفال،ومجدّد محارق النازيين!

 فهم استمعوا لهتافه وصراخه،وقد بدت عليهم علامات الضمور، تقطر وجوههم دمًا،وتعلو أياديهم كأنهم رؤوس الشياطين عزمًا على الجريمة في فلسطين! فأمريكا ليست أول البلاد طغيانًا، ولا أكثرها هيمنة واستعمارًا،بل سبقها كثيرون إلى مطاوي النسيان ومذلة الهوان، حيث أُهلكت حضارات،وأُبيدت أمم،ولم يبق منها إلا إثارات تُشعر بالأسى،وقد توحي بالاعتبار لمن كان له قلب،أو عرف حق، أو اشتملته هداية.أما الموتى،فإن الله يبعثهم على صلف كبريائهم،وعزيمة طغيانهم،كما قال تعالى:”إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله…”.

فالقوم صفقوا طويلًا،وجهلوا كثيرًا،حتى بانت من نواجذهم آثار الجريمة في فلسطين، فما غفلوا عن باطل إلا واستحضروه على وقع صخبهم وشؤم حضارتهم!هذا هو حال أمبراطورية الشر منذ نشوئها، تقتل وتصفّق لمن يقتل بهدي مصالحها وطبع منبتها. ولا يغرّن الناس أنها على قوة لا تقهر،أو على اقتصاد لا يغلب؛فهذا كله منذرٌ بما يستحقه من الويل والثبور،ذلك أنه ما من حضارة تزيّنت بالإجرام إلا وأُهلكت بما جاءها من دفع أو استئصال،نهارًا أو بياتًا،إذ لا بد أن يكون مآل الطغيان إلى الذلة والهوان؛

لكن يبقى الملفت للنظر،والمثير للعجب والعبر،أن يُصفّق الكونغرس الأمريكي لنفسه على ما ارتكبه من جرائم في فلسطين،فرئيس حكومة العدو لم يكن أكثر من شاهد على أيادي الشر  في محفل موت الضمير،فجاؤوا به لرؤية أنفسهم،واعدين إياه بالمزيد من القتل والسلاح. إنها مشهدية الكونغرس وسرديته الطويلة في التصفيق والتهليل لمن ينطق بلسانهم ويقتل بسلاحهم!فهؤلاء أرادوا من خلال تصفيقهم الشائن إثبات الهوية لقاتل تأنف جهنم من سوء طالعه، وتنأى البهائم عن سماع منطقه لما اعتلاه من عجب حضاري ضد البربرية، ساهيًا عما له من خمول الذكر في من أعطوا الحياة معنى الإنسانية.

نعم،لم يبق لهذا المحفل البائس إلا أن يعلن موت أمريكا بالظلم،كما ماتت كل الحضارات الظالمة؛ولكن للأسف لا أحد من هؤلاء المصفقين يقرأ تاريخه ليعرف أن كل مصائب العالم،هي نتيجة لصراخه البائس!فهذا المحفل يتجاهل كم قتل من شعوب الأرض ليملأ بطنه،ويدفىء حوضه،ويرضي جشعه،فكل تربة من الأرض تشهد على جرائمه من هيروشيما إلى ناكازاكي،إلى هانوي،إلى العراق وأفغانستان إلى فلسطين دون أن ننسى إفقاره للشعوب حيث حطّت جرائم حضارته!فحيث تجد الظلم تكون أمريكا وتصفيقات الكونغرس!

وبحق نقول:إنه ما من نظرية علمية قدّمها الغرب إلا وتشتم منها رائحة الجريمة!فإجرامه سابق على علمه،وطغيانه بصمة حضارته!وهو حين يفتخر بنفسه،فاعلم أنه نجح في طغيانه،واستوى على مجد استلابه؛فما زادته قوة السلاح إلا استعماراً،وقوة الاقتصاد إلا جشعًا واستئثارًا بخيرات الشعوب لقتل الفقراء،وتدمير اقتصاديات الدول!وهذا ما طالعتنا به أمريكا بهتافها الصاخب أنها دولة الاقتصاد العظمى!لقد علمنا من الأديان،وسنن التاريخ،وتحولات الأمم،أن الأيام دول،وأن الظلم مؤذن بالخراب،فإذا كان للتصفيق أن يعلو صخبًا وإجراماً،فذلك لأن احتفال النصر قد تأخر عن موعده،فاستعاضوا عنه بهتاف الهزيمة على المدارج الهجينة،لعلهم بذلك يحيون أمل النصر لخادمهم في كيان العدو،ولكن هيهات،ثم هيهات،أن ترد أمريكا ما قد فات،أو أن تحي ما قد مات،فإذا كانت مصانعكم العسكرية قد عجزت عن توفير النصر للعدو الصهيوني،فما بالكم تأملون بالصراخ والتصفيق أن يعوّض لكم الانتصار،أو أن يمنع صاحبكم من الاحتضار.

فمهما صفّقت أياديكم،وعلت أصواتكم،فلن يكون لكم من الصدى إلا خفوت المدى،كما رأيتم في البحر الأحمر،وعلى أبواب فلسطين.وكم كان يتمنى الكونغرس لو أن تصفيقه قد جاء على وقع الانتصار في غزة فلسطين؛ولكنه فوجيء بطوفان المقاومة من كل اتجاه،فما ارتوى غليله،بل زاد عويله،فطفق يجول تحسرًا،ويمعن إجرامًا لأجل أن تبقى له هيبة القوة والحضارة!وأنى له أن يفوز بما صفّق له،وانطوى عليه من غل وغدر وسبق بالقتل والإجرام!فليصفقوا كثيرًا،ولينتظروا طويلًا،فكل ما هو آتٍ قريب،وما نصر فلسطين عنا ببعيد..والسلام.

 *رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى