سياسةصحفمحليات لبنانية

أميركا تريد انضمام لبنان إلى النادي الإبراهيمي (إبراهيم الأمين)

 

الحوارنيوز – صحافة

 تحت هذا العنوان كتب ابراهين الأمين في صحيفة الأخبار:

 

لا تزال هناك حاجة كبرى إلى التدقيق في كيفية الاتفاق على تسمية نواف سلام رئيساً للحكومة. المسألة هنا لا تتعلق بالبحث عن تفاصيل لقصة صحافية، بل لفهم ما يُدبّر للبلد. وإذا كان الأميركيون فرضوا على غالبية نيابية انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً، وإرغام نواب حزب الله وأمل على السير في الأمر، فإن اختيار سلام رئيساً للحكومة لم يكن يحتاج إلى الاستنفار نفسه، إذ كان يكفي اللعب على التناقضات الداخلية للوصول إلى وضعية لا يكون فيها رئيس حكومة العهد الأولى خارج السياق العام.

والسياق العام ليس قدراً محتوماً كما يحبّذ «الترامبيون الجدد»، وهؤلاء ليسوا قلة في لبنان. لكنهم ليسوا من النوع الذي يمكنه ضمان خطوته التالية. هم قوى وشخصيات ومنظومة مصالح تؤمن بأن دونالد ترامب هو «قدر العالم»، وأنه لا يمكن لأحد منعه من تحقيق ما يريد. وعليه، يردّد المؤمنون بالرجل مقولات مثل أن علينا التكيف مع التطورات والتعايش معها، مروراً بالدعوة لعدم المكابرة والتوقف عن «مراهقة المقاومة»، وصولاً إلى التبشير بعصر الرفاه والازدهار مع صانع الصفقات والأعاجيب. وللثلاثة هدف واحد: بدنا نعيش!

ولبنان يشهد منذ 9 كانون الثاني الماضي سلسلة من الأحداث والتطورات تدلّنا على خارطة الطريق التي قرّرها عنا «العم دونالد». بداية، لا يحق لنا سؤال إسرائيل عن تاريخ انسحابها من الجنوب، كما لا يحق لنا إدانة أي عمل تقوم به الآن أو تقوم به لاحقاً لأنها تقوم بما يجب عليها القيام به، ثم يُمنع علينا القيام بأي عمل يزعج دولة الاحتلال. وهي أعمال لا تقتصر على هبوط طائرات إيرانية في مطار بيروت، بل ربما نسمع غداً من يقول لنا إن إسرائيل تريد التدقيق في لائحة القادمين للمشاركة في تشييع السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، علماً أن إسرائيل قالت للأميركيين، وبدأت جهداً كبيراً، لمنع وصول الأموال إلى لبنان للمساعدة في إعادة الإعمار.

وهم يركّزون الآن على الأموال الإيرانية، ويستعدون لوضع شروط على أي أموال يمكن أن تقدّمها دول أخرى، عربية أو غربية، لأن المهم بالنسبة إلى الإسرائيليين، أن لا تحصل عملية الإعمار بما يعيد الناس فعلياً إلى منازلهم، خصوصاً في القرى الحدودية، بالتزامن مع إعداد العدو لبرنامج عمل لاستفزاز الناس على الحدود، بغية تخويفهم ودفعهم إلى عدم النوم في منازلهم، بينما يستمر العمل من أجل إبعادهم عن القرى في النهار. وطبعاً، سيحصل كل ذلك تحت نظر القوات الدولية، ولا أحد يعلم كيف سيتعامل الجيش اللبناني مع أحداث كهذه.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد. فالولايات المتحدة التي تعتبر نفسها الآن في موقع «الوصي المباشر» على الولد العاقّ الذي اسمه لبنان، تريد أن تراقب كل تصرفاته قبل أن تمنحه صفة الرشد. وبانتظار ذلك، توافق أميركا إسرائيل على ضرورة نزع سلاح المقاومة في كل لبنان وليس جنوب نهر الليطاني فقط. وستمنح الولايات المتحدة إسرائيل حق المبادرة إلى توجيه ضربات عسكرية وأمنية ضد أي شخص أو منطقة في كل لبنان، إذا ما قررت إسرائيل أنه يشكل خطراً عليها، قبل أن يكون حلفاء أميركا وإسرائيل في لبنان قد استعدّوا لإطلاق حملة «نزع السلاح من أجل النجاة»، وهي حملة بدأت تطل برأسها، وسنسمع عنها الكثير، خصوصاً من الذين يردّدون اليوم نغمة أن السلاح لم ينفعنا في مواجهة إسرائيل، وكأنّ بيانات «صيصان السفارة» هي التي منعت العدو من احتلال قرية في الجنوب على مدى 64 يوماً، أو أن الطائرات الورقية التي يلعب بها «أطفال السفارة» هي التي قضّت مضاجع قادة وسكان الكيان طوال الحرب مع لبنان. ولكن، عندما تتجاوز الأمور عتبة الخيانة، لن يكون مستغرباً أي كلام يقوله هؤلاء في حق المقاومة كما في حق الناس، شهداء كانوا أم أحياء.

وبعد، هل من مزيد؟
طبعاً هناك المزيد، لأن البرنامج الأميركي – الإسرائيلي، والذي تشارك السعودية في جانب منه، يقضي بالعمل على نقل لبنان إلى «النادي الإبراهيمي»، وهي مهمة تتطلب أولاً وقبل كل شيء، السيطرة على كل مواقع القرار في البلاد، ليس على الرئاسات أو الوزراء فقط، بل على المدراء العامين، وموظفي الفئتين الأولى والثانية، وعلى الضباط المشرفين على مواقع ومؤسسات أمنية، وعلى القضاة في المسائل المدنية في كل الدولة، إضافة إلى حق الوصول المباشر إلى بيانات المصرف المركزي وبقية المصارف، وإلى أوراق الجمارك اللبنانية ومصلحة الضريبة، وصولاً إلى حق المراقبة المسبقة على كل نقاط العبور البرية والبحرية والجوية للبنان. وليس على أحد منا أن يستغرب عندما نجد أسماء المرشحين لهذه المناصب تُسقط لحظة واحدة على طاولة أصحاب القرار.

تسعى واشنطن للسيطرة على كل المفاصل الأمنية والإدارية والمالية سيُترك للعدو «الحق» في الهجوم على حزب الله متى شاء وفي أي مكان

ولن يقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن البرنامج نفسه يستهدف صياغة جديدة للعلاقات اللبنانية – السورية، سيما أن الولايات المتحدة قطعت شوطاً كبيراً في هندسة العلاقة مع حاكم دمشق الجديد. لم تعد واشنطن تهتم بطول لحيته، ولا بإسلامه المتحوّر من أفكار أسامة بن لادن إلى فتاوى سلطان إسطنبول. الرجل يبدو حافظاً للدرس، ويستفيد من كل تجارب الآخرين، ولا يريد أن يتعب نفسه بالشعارات الكبيرة. فمسألة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يمكن معالجتها بالدعاء لأهل غزة، أما أبناء الجولان المحتل وما أضيف من أرض جديدة، فعليهم أن ينتظروا ستين سنة جديدة ولا حق لهم بسؤاله عن الحرية والاستقلال طالما هم صمتوا مع البعث لستة عقود. أما السوريون الذين فرّوا من ويلات الحرب إلى الخارج، فلن يكون أحد قادراً على استقبالهم، إلا في حالة عادوا ومعهم كلفة إيوائهم وإطعامهم.

فيما تنطلق عملية بناء الدولة الجديدة وفق منطق الغالب والمغلوب، لكن على خطى الحكومات العراقية التي جاءت مع الاحتلال الأميركي، والتي جعلت من اجتثاث البعث اجتثاثاً لمئات الآلاف من العراقيين على خلفيات سياسية وطائفية وعرقية. وهذا ما ستكون عليه سوريا، حيث تحصل عمليات التطهير الطائفي والعرقي باسم إطاحة فلول النظام البائد. أما ما يخص لبنان من هذا التغيير، فهو أن على حكامنا النظر إلى فرصة لتحالف مع حكم جديد في سوريا له حصانته الدولية. ولكن، فلينسَ لبنان الآن مطالب ترسيم الحدود البرية والبحرية أو إعادة النازحين.

وبعد؟
نعم هناك ما هو إضافي، وهو الأكثر خطورة، كونه يتصل بأصل المشكلة الداخلية في لبنان. حيث يتصرف الأميركيون وفق ما قالته الموفدة الصهيونية مورغان أورتاغوس من على منبر قصر بعبدا، وهي عندما شكرت إسرائيل على ضرب حزب الله، كانت تقول لنا إن علينا التصرف على أساس أن حزب الله يمثّل الشر أولاً، وقد هزمته إسرائيل ثانياً، وعلى اللبنانيين أن يدفعوا فاتورة هذا الجهد الذي رعته الولايات المتحدة، وهذه الفاتورة ليس لها ما يعادلها في سوق النخاسة الأميركية سوى الانضمام إلى «النادي الإبراهيمي».

قد يعتقد البعض بأن الحديث عن رغبة أميركا بأن يكون لبنان من بين الدول المطبّعة مع العدو كلام في الهواء، أو هو محض خيال أو افتراء على أميركا وحلفائها في لبنان. لكنّ الحقيقة القاسية، أن «المذهب الترامبي» لا يقبل المزاح، وأن من ارتضى لنفسه أن يعيش تحت قيادة مجنون العصر، عليه التفكير في كل ما يتطلبه مزاجه المتقلّب. وإذا كان المشروع الأميركي صعب التحقّق، فإن التجربة علّمتنا أن ما فعلته الولايات المتحدة في بلادنا منذ 11 أيلول حتى الآن، هو الهجوم والاحتلال والقتل وفرض الحكومات، ثم الخسارة والهزيمة والهروب، مخلّفة وراءها دولاً مدمّرة وشعوباً متشظّية، وهذا ما تريده أميركا في لبنان.

ما سبق، هو ما يوجب العودة إلى التفاصيل الأولى لمجريات مطلع هذه السنة، وعندها نفهم حقيقة ما يجري في الجنوب وفي المطار وفي الأروقة الرسمية، وعندها سيكون واضحاً لدينا أن ما ينتظرنا ليس سوى معارك قاسية، قد تنتج عنفاً أهلياً فظيعاً، إلا إذا أدرك الحكام الجدد أن الخضوع للإملاءات الأميركية ليس فيه من شيء إلا الانتحار… ولكم في ملك الأردن مثلٌ يا عشاق أميركا… فوجب التوضيح!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى