حروبسياسةصحف

أميركا اللاتينية منقسمة حيال غزة: كولومبيا تقود معسكر التضامن

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتبت ريم هاني في صحيفة الأخبار تقول:

 

 

 

تباينت مواقف دول القارة اللاتينية حول الحرب الدائرة في غزة، وانقسمت بين رافضةٍ لإدانة «حماس» ونزع المعركة الأخيرة من سياقها التاريخي من جهة، وأخرى معارضة للمقاومة الفلسطينية، ولكن تحت غطاء «الوقوف على الحياد». لكنّ الأكيد أنّ هذه الحرب أسهمت في «تعرية» مواقف بعض القادة اليساريين الذين وصلوا إلى الحكم، في إطار «المدّ الوردي» الذي شهدته القارة الجنوبية، وكشفت، في المقابل، حجم التغيّر الإيجابي الكبير الذي أحدثه ذاك «المد» في دول أخرى، ولا سيّما في كولومبيا، التي شهدت تحوّلاً كبيراً في الموقف الرسمي، الذي بات أكثر جرأةً، إزاء إسرائيل.

كولومبيا
في وقت لم تتورّع فيه بعض الدول اللاتينية عن إدانة هجمات «حماس» على «المدنيّين الإسرائيليين»، برز موقف كولومبيا، ممثلةً بأول رئيس يساري في تاريخها، غوستافو بيترو، باعتباره لا مغاير فقط لمواقف بقية دول القارة، من حيث حدّة الخطاب المندّد بإسرائيل وجرائمها، بل لأنّه يشكل أيضاً تحوّلاً هائلاً في موقف بلاد كانت، منذ أقلّ من عقد من الزمن، تفتخر بكونها «إسرائيل أميركا اللاتينية»، وهو اللقب الذي أطلقه عليها الرئيس الفنزويلي الراحل، هوغو تشافيز. في الواقع، اتّسمت العلاقات الإسرائيلية – الكولومبية بتبادلات واسعة في المجالين الأمني والعسكري، إذ كانت تل أبيب تُعدّ أكبر مورّدٍ للعتاد العسكري إلى بوغوتا بعد واشنطن، ولا سيما ما يتعلق بالطائرات الحربية والرشاشات الإسرائيلية، فضلاً عن تزويدها إياها بطائرات مسيّرة مخصّصة للتجسّس، وإرسالها موفدين لتدريب عناصر من الجيش الكولومبي على «أساليب مكافحة الإرهاب»، بناءً على «الخبرات» التي اكتسبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من حروبها مع المقاومة في الأراضي المحتلة. أسلحةٌ وأساليبُ استُخدمت، في غير محطّة، تحت حكم الحكومات اليمينية المتعاقبة، لمواجهة الغضب الشعبي بالعنف والقمع. على أنّ العلاقات بين الجانبَين بدأت تشهد تراجعاً منذ تولّي بيترو منصبه، العام الماضي، قبل أن تأتي الحرب في غزة وتُنزلها إلى درَك، ربما هو الأبعد في تاريخها.

 وفي الأسبوع الماضي، أصدر بيترو عشرات التصريحات المندّدة بإسرائيل وهجومها على غزة، مؤكداً في أحدها، عبر تطبيق «أكس» («تويتر» سابقاً)، «(أنني) لو كنت أعيش في ألمانيا في الثلاثينيات، لكنت قاتلت إلى جانب اليهود». متابعاً: «ولو كنت أعيش في فلسطين عام 1948، كنت لأكون إلى الجانب الفلسطيني»، مقارناً «الظلم الهائل الذي عانى منه الشعب الفلسطيني» بـ«الظلم الهائل الذي عانى منه اليهود تحت حكم النازيين». وعلى إثر ذلك، لم تكتفِ إسرائيل بالتنديد بمواقف الرئيس الكولومبي، باعتبار أنّها «تؤجج لمعاداة السامية»، و«تهدّد سلامة الجالية اليهودية في كولومبيا»، بل أعلنت تعليق الصادرات الأمنية إلى بوغوتا، ووقف تعاونها الدفاعي معها.
على أنّ تصريحات بيترو لم تغضب إسرائيل وحدها، إذ سارع نحو 12 وزير خارجية سابقاً لكولومبيا إلى التنديد بتصريحات رئيس البلاد، معتبرين أنّها تضر بـ«الديبلوماسية المؤسّساتية». إلا أنّ بيترو، الذي بدأ «حرب التصريحات» مع «سفير إسرائيل» في بلاده، في أعقاب رفضه إدانة «حماس» وتوصيف الحركة بأنّها جماعة «إرهابية»، مؤكداً أن الإرهاب الوحيد هو «قتل الأطفال الفلسطينيين»، لم يهدّئ من حدّة خطابه، بل هدّد بإمكانية تعليق «العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل»، فيما طلب وزير خارجيته، ألفارو ليفا، الإثنين، من السفير الإسرائيلي في بوغوتا «الاعتذار ومغادرة البلاد»، بالرغم من أنه أوضح، في وقت لاحق، أنه ما من أمر رسمي صدر بطرد «السفير الإسرائيلي».

وإلى جانب كولومبيا، امتنعت كلٌّ من كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا عن إدانة «حماس»، معربةً عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني. وفي أعقاب قصف قوات الاحتلال لمستشفى «المعمداني» في غزة، أصدرت كوبا وفنزويلا بيانات تُدين الهجوم الإسرائيلي، بعدما اعتبرت الحكومة الكوبية، في وقت سابق، أن ما يحصل في غزة هو «نتيجة 75 عاماً من الانتهاك المستمرّ لحقوق الشعب الفلسطيني، غير القابلة للتصرف، وسياسات إسرائيل العدوانية والتوسعية»، فيما دعت فنزويلا، إلى «مفاوضات فعلية» بين «المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين».

يأتي هذا في وقت تحتفظ فيه إسرائيل بعلاقات ديبلوماسية مع جميع دول أميركا اللاتينية باستثناء كوبا وبوليفيا وفنزويلا، بعدما قطعت الأخيرتان العلاقات معها، في عام 2009، احتجاجاً على هجوم شنّته، آنذاك، قوات الاحتلال على غزة.

«محاولة» التزام الحياد
ولتشيلي أيضاً «خصوصيتها» في ما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية، ولا سيما أنها موطن أكبر جالية فلسطينية خارج الشرق الأوسط، بعدما بلغت الهجرة الفلسطينية إليها ذروتها في أوائل القرن العشرين، وأصبح عدد السكان الفلسطينيين فيها يقدَّر بما بين 300 و500 ألف فلسطيني، تمكّنوا من ترك بصمتهم على الثقافة التشيلية، والسياسة الداخلية والخارجية للبلاد لسنوات. يبد أنّ الشرخ كان واضحاً بين الموقف الشعبي، الذي أبدى تضامناً كبيراً مع الفلسطينيين، والموقف الرسمي الذي عبّر عنه رئيس البلاد، غابريال بوريك، والذي ساوى فيه عمليات المقاومة الفلسطينية بالفظائع الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين، من دون التردّد في إدانة «حماس». وإذ سعى المحللون التشيليون، الذين ظهروا في البرامج التلفزيونية والإذاعية وكتبوا في الصحف، بعد عملية «طوفان الأقصى»، إلى وضع الأخيرة في سياقها التاريخي الأوسع، متحدّثين عن «أكثر من 15 عاماً من الحصار العسكري الإسرائيلي على غزة»، ومتخوّفين من حصول «فظائع جماعية في القطاع»، بحسب صحيفة «فورين بوليسي» الأميركية، فقد دان بوريك، في منشور عبر «أكس»، هجمات «حماس»، واصفاً إياها بـ«الوحشية»، مستنكراً، في الوقت عينه، «العنف العشوائي الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة»، ومتعهّداً بالعمل من أجل تطبيق «حل الدولتين». وبعد يوم واحد من بدء هجوم «حماس»، اعتبرت الخارجية التشيلية أنّ استخدام القوة ضد المدنيين «لم يكن مقبولاً أبداً في النزاعات المسلحة، سواءً من قبل (حماس) أو (حركة الجهاد الإسلامي) أو إسرائيل أو أيّ جهة أخرى».

ويبدو الموقف الرسمي في تشيلي، التي شهدت، أخيراً، تظاهرات لآلاف المؤيدين لفلسطين، وحملات تبرّع لبناء المستشفيات، مُستغرَباً، ولا سيما أنّ إسرائيل كانت المورّد الرئيس للأسلحة لنظام الديكتاتور، أوغستو بينوشيه، الذي عُرفت فترة حكمه لهذا البلد بالجرائم والانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان، بعد الانقلاب الذي أطاح آنذاك، بالرئيس الاشتراكي، سيلفادور أليندي، المنتخب ديموقراطياً. وقد مكّن الدعم الإسرائيلي بيونشيه من الالتفاف على جميع العقوبات، نظراً إلى أنّ الأخيرة لا تنطبق على إسرائيل. وحتى اليوم، لا يزال هناك مواطنون تشيليون يطالبون بفتح دعاوى قضائية بحق مسؤولين إسرائيليين، يقولون إنّهم كانوا «متورطين في تزويد نظام بيونشيه بالأسلحة». وللمفارقة، كان منافس بوريك، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، هو اليميني المتطرف، خوسيه أنطونيو كاست، الذي ينتمي إلى عائلة معروفة بدعمها نهج بينوشيه، وبمشاركتها فيه أيضاً.

التزمت كلّ من البرازيل والمكسيك بمواقف قائمة على «عدم الانحياز»، وإنْ بدت الأخيرة أكثر ميلاً إلى إسرائيل

 

وعلى الضفة نفسها، التزمت كلٌّ من البرازيل والمكسيك بمواقف قائمة على «عدم الانحياز»، وإنْ بدت الأخيرة أكثر ميلاً إلى إسرائيل. أمّا الأولى، فقد دان رئيسها، لولا دا سيلفا، «جميع أعمال العنف»، وما وصفها بالهجمات «الإرهابية» التي تعرّضت لها إسرائيل، من دون الإشارة إلى «حماس» بشكل مباشر. كما تقدّمت البرازيل، التي تتولّى حالياً الرئاسة الدورية لـ«مجلس الأمن الدولي»، بمشروع قانون يدعو إلى إلغاء الأمر الإسرائيلي بتهجير سكان قطاع غزة، ويحثّ جميع الأطراف على «الامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي»، ويطالب «بهدن إنسانية، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ومن دون عوائق». ولم يمرَّر مشروع القرار بسبب استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) لإسقاطه، بذريعة أنه لا يدين «حماس» بما فيه الكفاية، على الرغم من أنّ المشروع تضمّن «إدانة، بشكل لا لبس فيه، للهجمات الإرهابية الشنيعة التي نفذتها (حماس) في إسرائيل، منذ 7 تشرين الأول 2023، واحتجاز الرهائن المدنيين».
أما الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، فكان من آخر القادة الذين أدلوا بتصريحات علنية عن الحرب؛ وفيما أعربت وزارة الخارجية المكسيكية عن «أسفها» لهجوم «حماس»، فقد أصر لوبيز أوبرادور على ضرورة التزام المكسيك «الحياد»، مؤكداً أنّ «حكومته تسعى للاتصال بجميع الحكومات والمنظمات» لتأمين الإفراج عن مكسيكيَين «تحتجزهما (حماس) كرهينتَين».

دعم إسرائيل
أمّا في الأرجنتين، وهي موطن واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في أميركا اللاتينية (نحو 200 ألف)، فقد دان الرئيس، ألبرتو فرنانديز، بوضوح، هجوم «حماس»، وعرض مساعدات إنسانية على إسرائيل. وبدوره، وصف رئيس السلفادور، اليميني المتطرّف نيب بوكيلي، الذي ينحدر من أصول فلسطينية، عبر حسابه على «أكس»، مقاومي «حماس» بـ«الوحوش»، وقارنهم بعصابة «مارا سالفاتروتشا» (MS13)، وهي عصابة سلفادورية نشأت في لوس أنجليس. كما اعتبر بوكيلي، في منشوره، أنّ «أفضل ما يمكن أن تفعله (حماس) للشعب الفلسطيني، هو أن تختفي». والجدير ذكره، هنا، أن حكومة بوكيلي متّهمة بارتكاب «انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان»، ولا سيما أنّها تشنّ، منذ سنوات، حملة أمنية غير مسبوقة شهدت اعتقال أكثر من 72 ألف شخص، في إطار «حربها على العصابات»، التي شبّهت «حماس» به

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى