أكبر من أرباب السياسة و.. أقزامها!!(صلاح سلام)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام في صحيفة اللواء:
شهد الجنوب الصامد أمس، مواجهة شجاعة من مواجهات تحرير الأرض وطرد المحتل الإسرائيلي، في مشهدية بطولية نادرة إنتصرت فيها «العين على المخرز»، بالإرادة الوطنية الصلبة، وبالتضحيات بالأرواح والدماء الزكية التي روَتْ تراب جزء غالٍ من أرض الوطن.
التنصُّل الإسرائيلي الغادر من الإلتزامات التنفيذية للقرار ١٧٠١، ليس جديداً. فقد سبقه عقود من الزمن والكيان العبري يضرب بالقرارات الأممية عرض الحائط، ويتحدّى التعهدات والضمانات الدولية، والعمل بعكس مضمونها، لأنه يبقى دائما خارج دائرة المحاسبة والعقاب.
لقد خرق الجيش الإسرائيلي إتفاق وقف النار منذ اليوم الأول لإعلانه، ودون إنتظار إنقضاء هدنة الستين يوماً، وذلك عبر توغُّله في بعض المناطق والقرى التي لم يصل إليها في أيام الحرب، فضلاً عن الإمعان بأعمال النسف والتدمير والتخريب التي نفذها في عشرات القرى الجنوبية، بوحشية متفلِّتة من أبسط قوانين الحروب الدولية، مستغلاً الوضع الإنتقالي في مواقع السلطة في لبنان، وإنشغال الولايات المتحدة الأميركية بترتيبات إنتقال الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وإذا سلّمنا جدلاً بأن الحرب التشرينية ضد لبنان كان هدفها الإسرائيلي «القضاء على قدرات حزب الله العسكرية»، فإن بقاء آلية عسكرية إسرائيلية واحدة داخل الأراضي اللبنانية، ستوفر للحزب المبرر التقليدي لإعادة تنظيم صفوفه، بحجة مقاومة الإحتلال، خاصة في حال لم تحرك لجنة المراقبة الخماسية آليات العمل، للضغط على تل أبيب للتقيد بإتفاق وقف النار، وتحمّل رئيسها الأميركي مسؤولياته كممثل للدولة الأساسية الضامنة للإتفاق.
وثمة من يخشى أن يكون الإستفزاز الإسرائيلي المستجد بمثابة فخ صهيوني جديد لجر حزب الله إلى معركة أخرى، بذريعة أن الجيش اللبناني واليونيفيل لم يقوما بالمهام الموكولة لهما، في مصادرة سلاح الحزب وتفجير الأنفاق ومستودعات الذخيرة، ومنع تواجد عناصره جنوبي الليطاني، مما قد يؤدي إلى مواجهة نارية جديدة.
وهنا لا بد من تسجيل التقصير اللبناني الفادح في الإستعداد لعبور إستحقاق الستين يوماً بأمان، وذلك من خلال إستنفار صداقات لبنان العربية والدولية، وإجراء سلسلة إتصالات عالية المستوى بعواصم البلدان التي توسَّطت لإبرام إتفاق وقف العمليات الحربية، والتعهد بإتمام الإنسحاب الإسرائيلي في مهلة أقصاها ستين يوماً، من تاريخ وقف إطلاق النار.
والمفارقة الملفتة أن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون هو الذي بادر بالإتصال بالرئيس جوزاف عون للوقوف على ملابسات التأخر الإسرائيلي باتمام الإنسحاب من الأراضي اللبنانية، في المهلة المحددة بإتفاق ٢٦ تشرين الثاني الماضي، والتي تنتهي في ٢٦ كانون الثاني الحالي. وذلك خلافاً لظروف مشابهة كانت خلالها الإتصالات السياسية والديبلوماسية اللبنانية المباشرة، تلعب دوراً أساسياً في لجم الإعتداءات والتجاوزات الإسرائيلية.
وأكدت أحداث الجنوب أمس، مدى الحاجة إلى تسريع ولادة الحكومة العتيدة، ومسؤولية الأطراف السياسية والحزبية في تسهيل مهمة الرئيس المكلف، وتجاوز الأساليب النمطية التي كانت سائدة في تأليف الحكومات في السنوات الأخيرة. لأن القواعد التي ينطلق منها العهد الجديد لا تمتُّ إلى فترات الفشل والفساد والمحاصصة بصلة، وتراعي الإنسجام مع معايير لجنة الدول الخماسية، التي حددت مواصفات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، في إطار خطة واعدة لإنقاذ لبنان من الأزمات التي أوصلته إلى الإفلاس الحالي، وذلك بمتابعة حثيثة من عواصم الخماسية، وخاصة واشنطن والرياض، لإعادة تكوين السلطة من أصحاب الكفاءات، والبعيدة عن شبهات الفساد، تكون قادرة على إطلاق مسيرة الإنقاذ.
وأصبح واضحاً للداخل، كما للخارج، أن كل تأخير في تظهير الحكومة، من شأنه أن ينعكس سلباً على الوضع العام في البلد، ويستنفد موجة التفاؤل والإرتياح التي عمت البلد، بوصول العماد جوزاف عون إلى بعبدا، وتكليف القاضي الدولي نواف سلام بتأليف الحكومة، وما قابلها من ترحيب عربي ودولي، تجلَّى بوضوح من خلال زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لبيروت مؤكداً وقوف المملكة إلى جانب لبنان لمساعدته في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة، وكذلك زيارة وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا والوفد الخليجي المرافق له، للتهنئة بإنتخاب الرئيس جوزاف عون، والإعلان عن الإستعداد الكامل لدعم المسيرة الإصلاحية في بلد الأرز.
إن إستمرار «أبطال المنظومة السياسية الميامين» في مناورات الكرّ والفرّ، والتشاطر في صراع المحاصصة وتوزيع الحقائب، من شأنه أن يؤدي إلى هدر الفرصة الذهبية النادرة لخروج لبنان من مستنقعات الأزمات المتراكمة، والسير من جديد على طريق الإستقرار والإزدهار، وإستعادة مكانته المرموقة على خريطة العالم.
إن الإصرار على التعطيل والتأخير للولادة الحكومية على إيقاع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، والمواجهة الدموية في الجنوب أمس، يعني العودة إلى اللعب بالنار، وتعريض البلاد والعباد إلى محن جديدة، لا قدرة لأحد على تحمل تداعياتها الكارثية.
مصير البلد يبقى أهم من التناتش على الحقائب الوزارية.
ولبنان أكبر من كل أرباب السياسة و..أقزامها في هذا الزمن الرديء.