أفول الهيمنة الأميركية والإسرائيلية(جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز
بينَ إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية علاقة الفرع بالأصل ، او علاقة الجنين بالرحمْ . ما يصيب الاصل يُصيب الفرع ، وصحة الجنين مِنْ صِحة الرحمْ .
بين الاثنيّن ،الكيان وأميركا ، مُشتركات ، تجعلهما ، ليس في تشابه ، و إنما في تطابق ، الواحد مُكّملْ للآخر ، لا سيما في الاستراتيجيات ، ولنبدأ بالاستراتيجيات :
قامت أميركا على احتلال أرضٍ وتشريد شعبٍ ، ووُجدت كي تسود وتهيمّن على العالم ، و مقومات سيادتها وهيمنتها ثلاث : آلة الحرب والصناعة العسكرية ، والدولار، والمقوم الثالث هو الدبلوماسية ، وتلجأ اليه عند الحاجة .
استراتيجية الهيمنة هي من الثوابت في السياسية الخارجية الأميركية وليس من ألمُتغيّرات ، اي ثابت مفروض و مقدّس ،ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، لدى جميع الادارات الأميركية ، و بغض النظر عن التوجّه الديمقراطي او الجمهوري للإدارات الأميركية . كذلك اسرائيل ،قامت على ارض فلسطين المُحتلة ، وتَلملَمَ مجتمعها بعد تشريد و تهجير وقتل الشعب الفلسطيني . و رمزْ عَلَم اسرائيل و معنى نشيدها الوطني يدُلان على اسرائيل الكبرى ،مِنْ الفُرات الى النيل ، وعلى ذلك تُثّقف اسرائيل لمستقبلها ، مثلما تُثّقف العالم على ماضي اليهود والهولوكوست ، الذي لا يخلو ( و اقصد الماضي ) من المُبالغات والجدلْ . تّدرجتْ اسرائيل في سعيها للهيمنة على منطقة الشرق الاوسط وبرعاية وعناية أميركا ،في مراحل : مرحلة امن اسرائيل ،و مرحلة توسّع اسرائيل ، ثُّمَ مرحلة هيمنة اسرائيل ، والمفروض أنْ تبدأ في تسعينيات القرن الماضي على إثر سقوط الاتحاد السوفييتي ،و اتفاقات أوسلو مع السلطة الفلسطينية ( والتي هي خدعة و مؤامرة ) ، وحصار وأحتلال و تدمير العراق و ما حّلَ على العرب في ربيع بعضهم . وبطبيعة الحال المراحل الثلاث لنمو اسرائيل متداخلة وتسير بوتيرة واحدة وكأنها هدف واحد ” أمنْ ، توّسع ،هيمنة ” .
استطاعت أميركا ان تهّمين على العالم لقرابة ثلاثة عقود ( ١٩٩٠- ٢٠٢٠ ) ،حيث سادت سياسة القطب الواحد ، فعبثت بأمن العالم ، و شّنتْ الحروب في وسط آسيا ( افغانستان ) و في غرب اسيا ( العراق ) ، وفرضت العقوبات والحصار وسرقت علناً ثروات الشعوب ( نفط سوريا ) وصنعت الارهاب ، ومكّنت اسرائيل من التوسع وقضم الاراضي الفلسطينية ، وسعت لتصفية القضية الفلسطينية ، و كان هدفها فرض هيمنة إسرائيل على المنطقة . لم تؤمن أميركا بثقافة القيم وثأر القدر وقوة الحق ، ولم تَحسبْ بأنّ حصار و تجويع الشعوب و دماء الابرياء له ثمن ، و أنَّ جراح الضحايا فم ( كما يقول شاعر العراق الكبير ، المرحوم محمد مهدي الجواهري ) .
خلال ثلاثة عقود من الهيمنة الأميركية وسياسة القطب الواحد ، أستطاعت القوى الآسيوية ( الصين ،روسيا ، ايران ) أن تبني وتتطور وتنهض ، حتى ان الرئيس الامريكي الاسبق ، جيمي كارتر بعث برسالة الى الرئيس ترامب ،في صيف عام ٢٠١٩ ، يشكيه فيه ما آل اليه وضع أميركا ، ويقارن بين ما انجزته الصين و ما خسرته أميركا لانشغالها في الحروب والفتن .
أصبحت الآن الهيمنة الأميركية خلفنا ،فهي ليس في تراجع ، وانما في أُفول ، وعلى كافة الصعُد ،سواء في آلة الحرب ،صناعةً وقدرةً، أو في النمو والتطور الاقتصادي .لم يبقْ لدى أميركا غير سلاح الدولار وسلاح القوى الناعمة ( القوى الخبيثة ) ،التحريض على الفتن ، فرض حصار ، عقوبات ،او اللجوء الى حرب القيّم بنشرها و تبنيها لثقافة الشذوذ الجنسي .
حدثان أساسيّان ساهما في أفول الهيمنة الاميركية : الحرب على العراق واحتلاله والحرب في افغانستان وإذعانها لشروط حركة طالبان ، في الاتفاق بينهما في شباط عام ٢٠٢٠ . انتصرت أميركا عسكرياً في الحرب على العراق ،لكنها خسرت سياسياً وفقدت نفوذها في المنطقة لصالح إيران . وخسرت أميركا في حربها مع طالبان عسكرياً و سياسياً ، حيث الفشل في تحقيق الاهداف التي سعت من اجلها (وهي القضاء على حركة طالبان ونشر الديمقراطية) والهزيمة والانسحاب وفقاً لشروط الحركة .
أكملَ المحور الاسيوي ( الصين ،روسيا ،إيران ) ما فعلتهُ حرب العراق وحرب افغانستان في أميركا ،حيث تولّت الصين مشاغلة أميركا اقتصادياً ، و تولّت ايران مشاغلة أميركا نوويّاً وتنافس الادوار ، وكذلك عسكرياً، و تولّت روسيا مشاغلة أميركا سياسياً ودبلوماسياً وخاصة في الملف السوري .
تلا أُفول الهيمنة الأميركية او صاحبها فشل مشروع هيمنة اسرائيل على المنطقة . سقط المشروع ،بقوة سواعد حزب الله والمقاومة في لبنان . بدأت حفريات حزب الله في جسد الكيان ،منذ تموز عام ٢٠٠٦ ، وتهرّأَ الجسد وفقدَ قدراته في الردع وفي التفوق . لم يعّدْ الكيان يفكّر او يطمح بالهيمنة ، و إنما بأمنه و بالحفاظ على وجوده .اي استطاع حزب الله أن يُعيد الكيان الى مربعه الاول ،الى المرحلة الاولى لنموه ، مرحلة الأمن .
*رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات ، بروكسل ، ٢٠٢٣/٨/١٨ .